اليمن يقاوم تحديات الإجهاد المائي بأول مشروع للتحلية

عدن - يطمح اليمن، الذي يمر بأزمة متعددة الأبعاد بسبب الحرب، إلى تنفيذ برنامج يتعلق بتشييد محطات لتحلية مياه البحر، كأحد الحلول الملحة التي فرضها الجفاف بهدف مواجهة تحديات الإجهاد المائي، وتغطية جزء من احتياجات السكان والقطاع الزراعي.
وأعلن توفيق الشرجبي وزير المياه والبيئة في الحكومة المعترف بها دوليا، الخميس الماضي، عن بدء أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تحلية مياه البحر في مدينة عدن بجنوب البلاد بتمويل سعودي. وقال في تصريحات أوردتها وسائل إعلام إن “قدرة المحطة تبلغ 10 آلاف متر مكعب يوميا،” وهو ما يعادل 3.6 مليون متر مكعب سنويا.
ولم يذكر قيمة التمويل وكلفة تشييد المحطة، لكنه أشار إلى أن المشروع يستهدف سد النقص في مياه الشرب والري في المدينة الساحلية، وذلك في وقت يواجه فيه اليمن تأثيرات تغيرات المناخ وأسوأ موجة جفاف منذ عقود.
ويأتي بدء أعمال إنشاء المحطة عقب توقيع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، اتفاقية المشروع مع شركة إعمار السعودية للتنمية والتطوير، لتكون الجهة المنفذة للمشروع. وأكد محمد آل جابر سفير السعودية لدى اليمن على التزام البرنامج السعودي بدعم “حلول مستدامة” لتعزيز “الأمن المائي” في اليمن. وأفاد الوزير اليمني بأن كلفة المشروع تبلغ عشرة ملايين دولار.
ويحتل اليمن مع بعض الدول العربية مرتبة الأشد فقرا في مخزون المياه، حيث يعتبر ضمن البلدان التي تواجه أزمة حادة في عصب الحياة لأسباب مختلفة ومتعددة، منها تلوث الأحواض الجوفية والحفر العشوائي للآبار الارتوازية.
ويصنف البنك الدولي اليمن ضمن أكثر دول العالم التي تعاني من ندرة المياه، بينما يقترب من دخوله العام العاشر من الحرب، حيث تسيطر الحكومة الشرعية على أجزاء جنوب البلاد، بينما يسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة لها.
ورصدت الكثير من المنظمات الدولية ووسائل الإعلام الأجنبية في السنوات الماضية كيف أن الماء يباع في السوق السوداء تماما كما الدواء وتخضع أسعاره للعرض والطلب حتى أصبح المواطن العادي غير قادر على شراء ما يلزمه من ماء له ولعائلته.
ويحذر خبراء المياه من كارثة نضوب الأحواض المائية في اليمن جراء العشوائية في استخدامها وطالبوا بضرورة أن تسعى السلطات اليمنية لوضع رؤية شاملة لمواجهة التهديدات المستقبلية لمشكلة شح المياه.
وتشمل ندرة المياه العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى مهددة بالجفاف منها لحج وعمران وتعز والبيضاء وحجة والحديدة. وقد أثر شح المياه سلبا على حياة سكان هذه المناطق ودفعهم إلى ترك منازلهم والهجرة إلى مناطق أخرى.
وفي ظل هذا الوضع تتزايد معاناة المزارعين كذلك يوما بعد يوم، بعد أن وقفوا على حجم الخسائر التي يتكبدونها بسبب ندرة المياه التي تنضاف إلى أزمة الوقود والفارق الكبير في تكاليف الإنتاج والبيع للمستهلكين في ظل انعدام فرص التسويق.
ويضع عدم قدرة العديد ممن ينتجون المحاصيل أو مربي الماشية على تحمل قسوة هذه الظروف، القطاع برمته أمام تحد كبير لا يمكن تخطيه إلا بالاستعانة بالمساعدات والدعم الحكومي.
وتقول مؤسسات مالية دولية إن القطاع الزراعي تدمّر بشكل بالغ وكبّد البلاد خسائر لا حصر لها. كما أن تراجع عمليات الإنتاج أثّر بوضوح على تحقيق الأمن الغذائي، خاصة وأنه كان يساهم سنويا بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لليمن.
وأشار خبراء منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في تقاريرهم الدورية إلى أن الزراعة لا تزال أهم قطاع اقتصادي في اليمن، ولكنها تضررت بشدة من آثار الصراع والأمراض والجفاف، وهو ما أدى إلى تقلص فرص كسب العيش.
وتوقع خبراء البنك الدولي في تقرير نشر أواخر نوفمبر الماضي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المئة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، ما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وحذروا في التقرير، الذي جاء بعنوان “تقرير المناخ والتنمية لليمن”، من أن اليمن يواجه مخاطر متزايدة نتيجة تغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد.
وقال ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك في مصر واليمن وجيبوتي، إن “اليمن يواجه تقاطعا غير مسبوق للأزمات بين النزاع، وتغير المناخ والفقر،” لافتاً إلى أن اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لتعزيز المرونة المناخية هو مسألة بقاء للملايين من اليمنيين.
وشدد على أنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي والزراعة الذكية مناخيًا والطاقة البديلة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري ويعزز المرونة ويضع الأسس لمسار نحو التعافي المستدام.
وبحسب تقرير البنك أظهرت التوقعات أن الاستثمار في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة، قد يزيد الإنتاجية بنسبة 13.5 في المئة بين عامي 2041 و2050 في حال تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة.