مقتدى الصدر يمرر قرار المشاركة في الانتخابات العراقية على جرعات محسوبة ومتدرجة

الإبقاء على "التشويق" بشأن القرار يمثل بحد ذاته جزءا من حملة انتخابية سابقة لأوانها.
الجمعة 2025/02/21
حرص على ضبط الإيقاع بدقة

عودة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر عن قراره بمقاطعة الحياة السياسية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة تبدو مرجّحة إلى حدّ كبير، وما تأخّره في الإعلان بشكل حاسم عن تلك العودة واكتفاؤه بالإيحاء بها عبر جرعات إعلامية محسوبة سوى جزء من أسلوبه المعهود في ممارسة العمل السياسي باعتماد "التشويق" والصدمة أحيانا وسيلة للفت الأنظار واستقطاب الأضواء. 

بغداد- أصدر رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر إشارة جديدة بشأن إنهاء مقاطعة تياره للحياة السياسية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، لكنّه تجنّب التصريح بذلك بشكل واضح وحاسم مبقيا على حالة الانتظار و”التشويق” وما تثيره من توقعات ونقاشات في المنابر الإعلامية والسياسية حول تلك العودة مشكّلة بحدّ ذاتها دعاية مجانية للصدر المعروف بأسلوبه الدعائي الفريد القائم على استقطاب الأضواء بالمواقف الصادمة والقرارات المفاجئة والغريبة في بعض الأحيان.

ويشهد العراق في الربع الأخير من العام الجاري انتخابات برلمانية ستسعى القوى السياسية من خلالها، وكما هو معتاد في الدورات السابقة، إلى حجز مواقعها في السلطة بما يضمن حفاظها على امتيازاتها السياسية والمادية.

وعلى هذا الأساس يتمّ التطلّع باستمرار إلى القرار النهائي لزعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقا) بشأن المشاركة في تلك الانتخابات باعتبار التيار منافسا وازنا يحظى بشعبية كبيرة داخل الأوساط الشيعية التي تمثّل الخزان الانتخابي لأبرز الأحزاب والفصائل الممسكة بشكل رئيسي بزمام السلطة في العراق حيث يعتبر ثلث الجمهور في تلك الأوساط من أتباع مقتدى الصدر.

حاكم الزاملي: تحديث السجل الانتخابي بات التزاما وواجبا وطنيا

وكانت الانتخابات الماضية التي أجريت في العراق أواخر سنة 2021 قد مثّلت نموذجا عمليا لخصوم الصدر ومنافسيه من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها عن إمكانياته الجماهيرية وقدراته الانتخابية حيث تمكنّ من الحلول في المرتبة الأولى من حيث عدد مقاعد البرلمان المتحصّل عليها، ما جعل هؤلاء الخصوم يلجأون إلى التحالف ضدّه لحرمانه من امتياز تشكيل الحكومة.

وفي ردّة فعله على ذلك قرّر مقتدى الصدر سحب نوابه الأربعة والسبعين من مجلس النواب وأعلن مقاطعته الحياة السياسية.

لكنّه عاد بعد ذلك، كما هو دأبه في أغلب الأحيان، ليصدر إشارات بشأن عودته عن قرار المقاطعة والمشاركة في الانتخابات المقبلة.

وتضمّن أحدثَ تلك الإشارات منشورٌ للصدر على منصة إكس أجاب فيه على سؤال (لا يعلم إن كان قد طرح بالفعل أم أّنه مجرّد افتراض من الصدر نفسه لإيجاد مناسبة للحديث في الموضوع) “بشأن ما هو المترتب علينا كأبناء التيار الوطني الشيعي من تحديث سجل الناخبين خصوصا أن المفوضية العليا للانتخابات حددت وقت التحديث” إن “ذلك أمر لا بد منه”.

وأضاف “هو نافع لكم سواء دخلتم الانتخابات أم قاطعتموها.. فالتفتوا إلى ذلك رجاء أكيدا”.

وكررت وسائل إعلام تابعة للتيار الوطني الشيعي وكذلك أعضاء في التيار تلك الدعوة لتحديث السجلات.

وحث القيادي في التيار حاكم الزاملي، الخميس، جماهير التيار الوطني الشيعي على تحديث سجلاتهم الانتخابية، وتوجّه في منشور له عبر صفحته في فيسبوك إلى كل فرد من أتباع الصدر بالقول إنّ “الذهاب إلى مراكز التحديث لتحديث سجلك الانتخابي أنت وعائلتك الكريمة بات التزاما ومسؤولية وواجبا وطنيا.”

ولا تخلو عودة تيار مقتدى الصدر لخوض الانتخابات من قلق لأغلب أقطاب الساحة السياسية الشيعية، خصوصا في ظل توقّعات بأنّ التيار بات يحظى بفرصة للفوز أكبر من تلك التي حظي بها في الانتخابات الماضية كونه لم يظهر بشكل مباشر في واجهة السلطة خلال الدورة البرلمانية الحالية، وكان قراره بالمقاطعة في نظر شرائح واسعة من العراقيين الشيعة دليلا على مصداقيته وتمسّكه بمبادئه ولو كلفه ذلك مواقعه في السلطة.

ويحمل انتظار القرار النهائي للصدر بشأن المشاركة في الانتخابات طابعا عمليا لدى بعض القوى والأحزاب التي تستعد للتعامل مع التيار الوطني الشيعي بطريقة مختلفة وذلك بالتحالف معه والاستفادة بالتالي من قاعدته الجماهيرية.

وكان من أوائل من فتحوا النقاش حول عودة مقتدى الصدر عن قرار مقاطعة الحياة السياسية رئيسُ الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الذي أعلن بشكل مبكر ما قال إنها “معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات القادمة.”

عامر الحسيني: ليس لدينا علم بأن التيار الوطني الشيعي بتسميته الجديدة يرغب في المشاركة أم لا

ورأى مراقبون سياسيون أن حديث قائد ائتلاف دولة القانون المعروف ببراغماتيته السياسية وبراعته في تشكيل التحالفات السياسية المصلحية والظرفية عن عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية أبعد ما يكون عن القيام بدعاية مجانية للتيار. ولم يستبعدوا أن يكون الرجل بصدد التهيئة لإبرام اتفاق سياسي مع غريمه القديم الصدر لمواجهة قوى شيعية أخرى صاعدة بشكل لافت من خلال الإطار التنسيقي المشكّل للحكومة الحالية.

ولا يزال المالكي يبدي رغبة في الحفاظ على مكانته في السلطة، وقد يكون طامحا لتولي رئاسة الحكومة مجدّدا لكنّه سيتعيّن عليه لتحقيق ذلك مواجهة خصوم أشدّاء من داخل عائلته السياسية الشيعية من أمثال هادي العامري زعيم ميليشيا بدر وقيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحق بالإضافة إلى القوة السياسية الناشئة المتمثّلة برئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.

ولهذا السبب فإنّ تفكير المالكي في التحالف مع عدوه القديم الصدر، رغم صعوبة تحقيق مثل هذا السيناريو، يمثّل الوصفة المثالية وربما الوحيدة للتغلّب على هؤلاء الخصوم الأشدّاء.

وأمام مقتدى الصدر، الذي كثيرا ما وصف منافسيه داخل العائلة السياسية الشيعية بالفاسدين ونعت الميليشيات التي يقودها بعضهم بالوقحة، إذا رغب في الدخول بتحالفات سياسية، خيارات أخرى غير نوري المالكي الذي كان قد شنّ أثناء فترة رئاسته الأولى للحكومة بين سنتي 2006 و2010 حملة عسكرية تحت مسمّى “صولة الفرسان” على الميليشيا التابعة للصدر آنذاك والتي كانت تحمل اسم “جيش المهدي” قبل أن يغير مقتدى الصدر اسمها إلى “سرايا السلام.”

ويأتي الجدل بشأن مشاركة تيار الصدر في الانتخابات من عدمها بينما يتّجه العراق نحو الدخول في مرحلة مليئة بالتوتّر والمشاحنات بين مكونّات مشهده الداخلي، وبتعطيل بعض مؤسسات الدولة على رأسها البرلمان وتعقيد عملية اتّخاذ القرار الحكومي وهي سمة مميّزة للفترات التي تسبق الانتخابات في البلد ببضعة أشهر، واعتادت القوى والأحزاب المرشّحة للتنافس على مقاعد البرلمان على الاستغراق خلالها في الجدل والمزايدات في ما بينها لتسجيل حضورها بما ينعكس على عمل أجهزة الدولة التي يمتلك أبرز تلك القوى نفوذا طاغيا داخلها.

وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الهيئة المشرفة على الاستحقاقات الانتخابية في البلاد رسميا عن الشروع في التحضيرات الخاصة بالانتخابات المنتظرة خلال شهر أكتوبر القادم.

وانطلق الجدل حول المناسبة مركّزا على موضوعين رئيسيين هما تعديل قانون الانتخابات وعودة التيار الوطني الشيعي لخوض المنافسة على مقاعد البرلمان، وكلاهما موضوعان حيويان لقوى شيعية ذات دور رئيسي على الساحة السياسية العراقية.

عودة تيار مقتدى الصدر لخوض الانتخابات لا تخلو من قلق لأغلب أقطاب الساحة السياسية الشيعية، خصوصا في ظل توقّعات بأنّ التيار بات يحظى بفرصة للفوز

وتدفع بخيار التعديل القوى والشخصيات المتوجّسة من الصعود السياسي لرئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني وإمكانية عودته عبر الانتخابات القادمة لقيادة السلطة التنفيذية في ولاية جديدة.

ويأتي على رأس تلك الشخصيات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي سبق له أن دعا إلى استقالة حكومة السوداني قبل نهاية ولايتها وذلك في إطار طموحه للسيطرة على رئاسة الحكومة سواء عبر توليها من قبله بشكل مباشر أو إسنادها إلى أحد ثقاته وأتباعه المخلصين.

وتطرّقت مفوضية الانتخابات خلال إعلانها عن بدء استعداداتها للانتخابات القادمة لعدة مواضيع من بينها إمكانية مشاركة التيار الوطني الشيعي في الاستحقاق وتعديل القانون الانتخابي.

وقال رئيس الإدارة الانتخابية القاضي عامر الحسيني لوكالة الأنباء العراقية إنّ التيار مكون سياسي “عريق ورصين وله مساحة شاسعة في المجتمع العراقي كما أن السياسيين أكدوا مرارا أن العملية السياسية تكون ناقصة من دون وجوده.” لكنّه استدرك بالقول إن “المفوضية لم تفتح بعد باب المشاركة بالانتخابات التي عادة ما تكون قبل الموعد الانتخابي بفترة، وبالتالي ليس لدينا علم بأن التيار الوطني الشيعي بتسميته الجديدة يرغب في المشاركة أم لا”.

3