فالح الفياض يستنجد بإيران للحفاظ على منصبه على رأس الحشد الشعبي

من مصلحة طهران تهدئة الصراع على الحشد وتجنب إثارة الضجيج حوله في ذروة الضغوط الأميركية عليه.
الخميس 2025/02/20
كل طرق الحشد تؤدي إلى طهران

العلاقة الوثيقة بين إيران والميليشيات الشيعية في العراق والنفوذ الواسع الذي يمتلكه حرسها الثوري داخل الحشد الشعبي المشكّل من تلك الميليشيات ترشّح طهران للعب دور الحكم في الصراع الدائر حاليا على قيادة الحشد، بما في ذلك منصب رئيس الهيئة الذي يعمل قادة أحزاب وفصائل مسلحة على انتزاعه من فالح الفياض، ما دفع الأخير إلى محاولة الاستعانة بالإيرانيين للحفاظ على منصبه.

طهران- دفع الصراع المحتدم في العراق حول المواقع القيادية في الحشد الشعبي، رئيس هيئة الحشد فالح الفياض إلى الاستنجاد بإيران ذات العلاقة الوثيقة والكلمة المسموعة لدى قادة الأحزاب والفصائل الشيعية المنخرطين في الصراع المذكور لحماية منصبه المرموق الذي ينطوي على امتيازات كبيرة سياسية وأمنية ومادية أيضا.

وزار الفياض طهران حيث التقى كلا من أكبر أحمديان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ممثل المرشد علي خامنئي، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وهما اللقاءان الوحيدان اللذان تمت تغطيتهما إعلاميا بينما تم التكتّم على لقاءات أخرى قالت مصادر إيرانية وعراقية متطابقة إنّها جرت بين الفياض وقادة من الحرس الثوري الإيراني يبدو أنهم لا يرغبون حاليا بالظهور في صورة الأحداث المتعلّقة بالعراق بسبب الضغوط الأميركية المسلطة على طهران وبغداد والتي اتّجه بعضها صوب المطالبة بحلّ الحشد الشعبي.

ويمتلك الحرس الثوري علاقات وثيقة مع الحشد الذي شارك كبارُ قادة الحرس وعلى رأسهم القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني في هندسة تركيبته وتسليحه وتخطيط عملياته خلال الحرب ضد تنظيم داعش ولاحقا خلال عملية قمع الانتفاضة الشعبية في العراق سنة 2019، ولذلك لم يكن من الصدفة أن يُقتل سليماني مع القيادي الكبير في الحشد أبومهدي المهندس في ضربة جوية أميركية واحدة مطلع سنة 2020.

ماجد شنكالي: الصراع على الحشد سياسي ولا علاقة له بأي حقوق للمقاتلين

وأصبح منصب الفياض على رأس هيئة الحشد الشعبي مطلوبا بقوّة من قبل عدد من خصومه ومنافسيه من قادة أحزاب وميليشيات اتخذوا من تشريع قانون للحشد يتضمن بعض المزايا الوظيفية والمادية لمنتسبيه سببا لاستبعاد الفياض من المنصب الذي نجح لسنوات في التشبث به رغم المحاولات الكثيرة لانتزاعه منه.

ويتضمّن القانون المذكور جنبا إلى جنب المزايا المذكورة مادة تحدّد سنا معينّة لتقاعد قادة الحشد بما يشمل الفياض نفسه.

وسرعان ما تحوّلت تلك المادة إلى محور رئيسي للصراع الذي اتخذ صبغة سياسية ونيابية وبات يدور بين أنصار تمرير القانون والمعترضين على تمريره وهم بالنتيجة حلفاء الفياض الراغبون في عدم مرور منصبه المهم إلى أيدي خصومهم ومنافسيهم.

ولخّص النائب في البرلمان العراقي ماجد شنكالي الصراع حول قانون الحشد الشعبي بالقول في تعليق عبر منصّة إكس إنّ “ما يجري هو صراع سياسي وانتخابي على هيئة الحشد الشعبي ولا علاقة له بحقوق واستحقاقات المقاتلين التي يتحدثون عنها، والدليل أن الصراع شيعي – شيعي على فحوى القانون، أما السُنّة والكرد فسيدخلون على الخط في الوقت المناسب بقوانين المساءلة والعدالة وحلبجة، خاصة وأن بدعة التصويت بالجملة على قوانين السلة الواحدة تم إقرارها رسميا من المحكمة الاتحادية.”

وأضاف مستنتجا مما سبق أن “مجلس النواب يحتضر إن لم يكن قد مات سريريا.”

واستعصت إلى حدّ الآن إزاحة الفياض من رئاسة هيئة الحشد بفعل تكافؤ القوى بين المتصارعين على المنصب كون الصراع يدور بين قادة فصائل وأحزاب أقوياء وذوي نفوذ كبير في الدولة وفي الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.

وبينما يسعى قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق منذ سنوات لإقالة الفياض، يتمسك هادي العامري زعيم ميليشيا بدر ببقاء الرجل في منصبه منعا لذهاب المنصب لأحد أتباع الخزعلي بما يجعل أموال الحشد وسلاحه تحت تصرّف زعيم العصائب.

وخلال الأيام الماضية لعب العامري دورا مباشرا في تعطيل طرح قانون الحشد للنقاش في مجلس النواب، حيث قررت رئاسة المجلس مطلع الأسبوع الجاري سحب جدول أعمال جلسة برلمانية كان مقررا أن يناقش القانون خلالها وإلغاء انعقادها وذلك بعد وصول زعيم بدر إلى مبنى المجلس.

عباس الجبوري: نحن نرفض هذه المادة القانونية (المتعلقة بإقالة قيادات الحشد ومنتسبيه) ونعمل على إزاحتها

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر نيابي قوله إن قرار إلغاء الجلسة جاء بعد اجتماع جمع العامري مع النائب الأول لرئيس المجلس محسن المندلاوي ورؤساء الكتل السياسية في الإطار التنسيقي الشيعي بهدف حسم قانون الحشد الشعبي.

وعزا النائب عباس الجبوري سبب تعطّل التصويت على قانون الحشد الشعبي إلى وجود مادة في القانون قد تُحيل نحو أربعة آلاف مقاتل من جيل أبومهدي المهندس إلى التقاعد، بمن فيهم فالح الفياض.

وشبّه الجبوري مفعول ذلك القانون في حال تمريره بعملية البيجر التي نفذتها إسرائيل ضد حزب الله وأودت بالكثير من مقاتليه وخلخلت إلى حد بعيد بنيانه التنظيمي.

وقال “نحن نرفض هذه المادة القانونية (المتعلقة بإقالة قيادات الحشد ومنتسبيه) ونعمل على إزاحتها”، معتبرا أن “التصويت على قانون الحشد بمادته المفخخة هذه هو بمثابة مجزرة بيجر في حق الحشد.”

وتراقب إيران بحذر المعركة حول الحشد الشعبي وتعمل على حلها بهدوء كونها لا تريد في الوقت الحالي إثارة المزيد من الضجيج حول وضع الميليشيات في العراق. كما أنّها حريصة على الحفاظ على استقرار الحشد وتوازنه باعتباره إحدى أذرعها المتبقية في المنقطة بعد الضربة القاصمة التي تلقاها حليفها الكبير حزب الله اللبناني وبعد سقوط نظام حليفها الآخر بشار الأسد في سوريا.

ولهذه الأسباب يرفع الخزعلي المقرّب من إيران وموضع ثقة قيادة حرسها الثوري يافطة الدفاع عن الحشد وحمايته وزيادة الامتيازات المالية والضمانات الاجتماعية لمنتسبيه، مقدما بذلك نفسه للإيرانيين كضمانة للحفاظ على تلك الذراع القوية التي تستخدمها طهران في حماية نفوذها في العراق ومقارعة خصومها ومنافسيها على أرضه.

وللأسباب ذاتها جاءت زيارة فالح الفياض لإيران في أوج احتدام المعركة حول منصبه. وثمن رئيس هيئة الحشد “التضحيات التي قدمها الحشد الشعبي وفصائل المقاومة وفي مقدمتها قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في مساندة العراق وترسيخ أمنه واستقراره.”

وقال بيان للخارجية الإيرانية إن الفياض بحث مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في طهران العلاقات الثنائية بين البلدين وآخر التطورات الإقليمية، حيث “أعرب الفياض عن تقديره لدعم إيران المستمر للعراق حكومة وشعبا.”

وبحسب ذات البيان، أكد عراقجي على العلاقات الإستراتيجية بين العراق وإيران، مشددا على أهمية استمرار التنسيق والتشاور بين الجانبين لمواجهة التحديات الإقليمية. كما أثنى “على دور الحشد الشعبي والمقاومة في ترسيخ الأمن والاستقرار في العراق، خصوصا خلال مواجهة الإرهاب”، مؤكدا التزام بلاده بـ”دعم المقاومة في العراق والمنطقة.”

منصب الفياض أصبح على رأس هيئة الحشد الشعبي مطلوبا بقوّة من قبل عدد من خصومه ومنافسيه

ومن جهته أعرب الفياض عن امتنانه للدعم الإيراني “مستذكرا جهود وتضحيات الشهداء”، ومشيدا بـ”دور إيران في مساندة العراق خلال فترات الأزمات.”

وكان الحشد الشعبي قد أنشئ بالاستناد إلى فتوى دينية من المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني سنة 2014 لمواجهة تنظيم داعش الذي غزا آنذاك مساحات شاسعة من العراق وسيطر عليها، وظل منذ ذلك الحين يشهد تطورا ثابتا في قدراته البشرية والمادية وإحكاما في هيكلته حتّى تحوّل إلى جيش رديف يتم تمويله من موازنة الدولة ويقترب قوامه من ربع مليون فرد، بحسب تصريحات الفياض نفسه.

ولم تتوقّف فاعلية الحشد عند مواجهة تنظيم داعش وهي المهمّة الأصلية التي أنشئ من أجلها، لكنّه تحوّل إلى أداة رئيسية لحماية النظام السياسي الذي تقوده الأحزاب الشيعية.

وظهر ذلك عندما تفجّرت قبل نحو ست سنوات أعتى انتفاضة شعبية في وجه النظام قادها شبّان غاضبون ينتمون إلى المناطق ذاتها التي تعتبر معاقل رئيسية لتلك الأحزاب، وتدخّل الحشد بعنف لقمعها وإخمادها.

3