لبنان يرفض استمرار الوجود الإسرائيلي ويصعد لمجلس الأمن

بيروت – قالت الرئاسة اللبنانية، إن بيروت ستعتبر أي استمرار للوجود الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية "احتلالا" مع التأكيد على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لضمان انسحاب إسرائيل.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تنتهي فيه مهلة محددة لانسحاب القوات الإسرائيلية بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وأوقف الحرب بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية العام الماضي.
وجاء في بيان صادر عقب اجتماع بين رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، "إزاء تمادي إسرائيل في تنصلها من التزاماتها وتعنتها في نكثها بالتعهدات الدولية، يعلن المجتمعون... التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، الذي أقر القرار 1701، لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الإسرائيلية وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية".
وأكد البيان تمسك الدولة اللبنانية "بحقوقها الوطنية كاملة وسيادتها على كامل أراضيها، والتأكيد على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو الإسرائيلي".
وانسحبت القوات الإسرائيلية، فجر الثلاثاء، من 9 قرى لبنانية، وأبقت وجودها في 5 نقاط رئيسية على طول الحدود في جنوب لبنان.
ورأت الأمم المتحدة الثلاثاء أن أي تأخير في انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، بعيد انتهاء مهلة الانسحاب بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، يعد انتهاكا للقرار الدولي 1701، مع ابقاء اسرائيل قواتها في خمس نقاط استراتيجية.
وقالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت وقائد قوة يونيفيل الجنرال أرولدو لاثارو في بيان مشترك أن "اليوم يصادف نهاية الفترة المحددة لانسحاب الجيش الإسرائيلي الى جنوب الخط الأزرق وانتشار القوات المسلحة اللبنانية بشكلٍ مواز في مواقع في جنوب لبنان".
وحذرت من أن "أي تأخير آخر في هذه العملية يناقض ما كنا نأمل حدوثه، ولا سيما أنه يشكل انتهاكا مستمرا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701"، الذي أنهي صيف 2006 حربا مدمرة بين حزب الله واسرائيل.
وفي المقابل، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الثلاثاء إبقاء قوات إسرائيلية في "خمس نقاط" في جنوب لبنان متوعدا حزب الله بتحرك قوي في حال انتهاكه وقف إطلاق النار.
وقال كاتس في بيان "اعتبارا من اليوم (الثلاثاء) سيبقى (الجيش الإسرائيلي) في منطقة عازلة في لبنان مع خمس نقاط إشراف وسيستمر في التحرك بقوة ومن دون أي مساومة ضد أي انتهاك (للهدنة) من جانب حزب الله".
وبدأ لبنانيون منذ صباح الثلاثاء العودة الى قراهم الحدودية المدمرة برفقة الجيش اللبناني، لمعاينة ممتلكاتهم وانتشال جثث مقاتلين من أبنائهم، بعدما منعت القوات الإسرائيلية عودتهم طيلة الأشهر الماضية.
وفي الطريق إلى كفركلا الحدودية التي تعرّضت لدمار هائل، سار العشرات من الأهالي منذ الصباح بين حقول الزيتون متوجهين نحو قريتهم التي غادروها منذ أشهر طويلة ليعاينوا تباعا منازل مدمّرة بالكامل.
ومن بين هؤلاء، علاء الزين الذي قال متأثرا إن "القرية منكوبة، أشبه بهيروشيما وناكازاكي، وكأن حربا نووية شنّت على كفركلا".
وعلى الرغم من الدمار الهائل، لكن "سكّان القرية جميعهم عائدون"، مضيفا "سننصب خيمة ونفترش الأرض".
ورغم الدمار الهائل وغياب مقوّمات الحياة من بنى تحتية وخدمات أساسية، يتلهّف النازحون للعودة لمعاينة ممتلكاتهم وانتشال جثث مقاتلين من أبنائهم، بعدما منعت القوات الإسرائيلية عودتهم طيلة الأشهر الماضية.
وانتظر آخرون عند أحد مداخل كفركلا برفقة الجيش اللبناني وسيارات الاسعاف التي استعدّت للدخول لانتشال جثث مقاتلين، على غرار سميرة جمعة التي جاءت بحثا عن شقيقها المقاتل.
وتقول المرأة بتأثّر "جئت بحثا عن أخي الشهيد في كفركلا، جاء إلى هنا مع رفاقه (...) ولا نعرف عنهم شيئا حتى الآن، لدينا يقين أنهم استشهدوا لكن نأمل أن يظهر عنهم شيء".
وأكّد الجيش اللبناني صباح الثلاثاء في بيان إن وحدات عسكرية انتشرت في 11 قرية بينها كفركلا و"مواقع حدودية أخرى في منطقة جنوب الليطاني(...)ذلك بعد انسحاب العدو الإسرائيلي". في المقابل أكدت إسرائيل الثلاثاء بقاءها في "خمس نقاط" في جنوب لبنان.
وتكرّر المشهد على الطريق المؤدي الى بلدتي الطيبة والعديسة، حيث تجمعت ارتال من السيارات بانتظار أن يسمح لهم الجيش اللبناني بالدخول الى البلدتين، وفق ما شاهد مصور لفرانس برس. وذكر ان سيارات اسعاف كانت في عداد الرتل.
وفضلت عشرات العائلات التحرك سيرا على الاقدام، قبل السماح بدخول السيارات. وحملت سيدات صور افراد عائلاتهن من مقاتلي حزب الله الذين قضوا في المعارك مع القوات الإسرائيلية. وحمل البعض الأعلام اللبنانية ورايات الحزب الصفراء.
وبدأت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في الثامن من أكتوبر 2023 بقصف شنّه حزب الله على مواقع إسرائيلية دعما لحليفته حركة حماس الفلسطينية في غزة قبل أن تشتدّ مع مرور الوقت وتصبح مواجهة مفتوحة خلّفت دمارا واسعا في مناطق عدّة في جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية. وقدّرت السلطات كلفة إعادة الإعمار بأكثر من عشرة مليار دولار.
ولا يزال نحو مئة ألف لبناني من إجمالي أكثر من مليون فرّوا من منازلهم، في عداد النازحين، وفق الأمم المتحدة.
وبين هؤلاء فاطمة شقير، ربّة المنزل التي فرّت من مسقط رأسها في بلدة ميس الجبل الحدودية قبل عام ونصف العام.
وتقول شقير "اشتقت للجلوس أمام باب منزلي، وأن احتسي صباحا فنجان القهوة قرب ورودي".
وتضيف "اشتقت لكل شيء في ميس الجبل، لجيراني. تفرّقنا ولم أعد أعرف أين ذهبوا".
وعلى غرار كثر، تعتزم شقير التوجه مع عائلتها الى البلدة في ساعات الصباح الأولى. وتوضح "سنتوجه الى البلدة، نشعر بالفرح، على الرغم من أنّ منازلنا دُمّرت وخسرنا شبابا".
وميس الجبل واحدة من القرى والبلدات في القطاع الشرقي في جنوب لبنان، حيث أبقت إسرائيل قواتها منذ بدء توغلها نهاية سبتمبر، بينما انسحبت تباعا مع بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار من غالبية قرى القطاعين الغربي والأوسط.
ويسري منذ 27 نوفمبر وقف لإطلاق النار أُبرم بوساطة أميركية ورعاية فرنسية. وكان يُفترض أن تنسحب بموجبه القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون ستين يوما، قبل أن يتمّ تمديده حتى 18 فبراير.
وقبيل ساعات من انتهاء المهلة، أعلن الجيش الإسرائيلي الاثنين أنّه سيبقي "قوات محدودة منتشرة موقتا في خمس نقاط استراتيجية على طول الحدود مع لبنان"، مبرّرا ذلك بمواصلة "الدفاع عن سكّاننا والتأكد من عدم وجود تهديد فوري" من حزب الله.
وجاء الإعلان الإسرائيلي رغم تأكيد لبنان رفضه المطلق لبقاء القوات الإسرائيلية، ودعوته رعاة الاتفاق إلى التدخل للضغط على الدولة العبرية.
ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار على وقف تبادل القصف عبر الحدود اللبنانية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بعد حرب امتدت نحو عام وتخلّلها توغّل برّي إسرائيلي في مناطق لبنانية حدودية.
ولم يُنشر النصّ الحرفي الرسمي للاتفاق، لكنّ التصريحات الصادرة عن السياسيين اللبنانيين والموفدين الأميركيين والفرنسيين تحدثت عن خطوطه العريضة، لناحية تعزيز انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان وإشرافه على انسحاب حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني وتفكيك بناه العسكرية. وينصّ الاتفاق كذلك على انسحاب إسرائيل من كامل المناطق التي احتلّتها في جنوب لبنان.
ويضع القرار الإسرائيلي السلطات اللبنانية في مأزق بمواجهة حزب الله الذي كان حمّلها الأحد مسؤولية العمل على تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية مع انتهاء المهلة.
وجاء قرار إسرائيل بعد إعلان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو الأحد أنه "يجب نزع سلاح حزب الله"، مضيفا "تفضّل إسرائيل أن يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمة".
وفي خضمّ الجدل حول سلاح حزب الله، أكدت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري التزامها "تحرير جميع الأراضي اللبنانية، وواجب احتكار الدولة لحمل السلاح، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرا".
ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، تشنّ إسرائيل ضربات جوية وتنفّذ عمليات نسف تطال منازل في قرى حدودية، أوقعت اكثر من ستين قتيلا، نحو 24 شخصا منهم في 26 يناير، الموعد الأول الذي كان مقررا لتطبيق شروط وقف إطلاق النار، أثناء محاولتهم العودة إلى بلداتهم الحدودية.
ومنذ بدء تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر 2023، أحصت السلطات مقتل أكثر من أربعة آلاف شخص. وفي إسرائيل، قُتل 78 شخصا، بينهم جنود، وفقا لحصيلة تستند إلى أرقام رسمية. كذلك قتل 56 جنديا آخرين في جنوب لبنان خلال الهجوم البرّي.
وأعرب خبراء في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في بيان عن استيائهم من استمرار "قتل المدنيين والتدمير المنهجي للمنازل والأراضي الزراعية والبنية التحتية الحيوية الأخرى في جنوب لبنان خلال فترة اتفاق وقف إطلاق النار".
ونبّهت منظمة هيومن رايتس ووتش الإثنين إلى أنّ "تعمّد إسرائيل هدم منازل المدنيين والبنية التحتية المدنية واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة يجعل من المستحيل على العديد من السكان العودة إلى قراهم ومنازلهم".
وأضافت "حتى لو كانت منازلهم لا تزال موجودة، كيف سيعودون مع انعدام المياه والكهرباء والاتصالات والبنية التحتية الصحية؟".