تهميش الحكومة للإعلام المصري في ملف التهجير يضعه خلف المنابر الخارجية

الإعلام بريء من اتهامات التقصير المعلوماتي في الملفات الحيوية.
الاثنين 2025/02/17
إعلام في أزمة

وجد الإعلام المصري نفسه أمام أزمة معلوماتية في ملف التهجير الذي يمس بلاده بشكل أساسي، إذ يفتقر إلى الأدوات الكافية التي تؤهله لاستقطاب الشريحة الجماهيرية التي تتابع الملف عن كثب، مع اعتماد الحكومة على المنابر الخارجية لبث رسائلها المهمة في هذا الملف.

القاهرة - أعاد مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن إحياء إشكالية التعاطي الإعلامي مع القضايا الإقليمية المرتبطة بالداخل، وأصبح الكثير من المصريين يتابعون الإعلام الخارجي لمعرفة موقف بلدهم.

وما بين معلومات شبه دقيقة تخرج إلى وسائل إعلام عربية وبين أخرى تُنشر في وكالات دولية على لسان مصادر رسمية (غير معلومة) وجد الإعلام في مصر نفسه أمام أزمة حقيقية ترتبط بأنه لا يمتلك الأدوات الكافية التي تؤهله لاستقطاب الشريحة الجماهيرية التي تتابع الملف عن كثب، لكونه أخفق في نشر معلومات حيوية.

وكان الخبر الأبرز الذي ترقبه الجمهور المصري هو معرفة ما إذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسي سيُسافر إلى الولايات المتحدة للقاء نظيره الأميركي دونالد ترامب للتشاور بشأن أزمة التهجير أم لا، وتكمن المفارقة في أن رويترز هي التي نقلت قبل أيام خبر تعليق السيسي زيارته إلى أجل غير مسمى، وسط ترحيب شعبي.

واضطر الإعلام المصري إلى نقل المعلومة عن رويترز، وسط تساؤلات كثيرة من خبراء ومتخصصين ومواطنين عاديين، حول الأسباب التي تدفع دوائر حكومية معنية بملف إدارة الإعلام إلى حرمان المنابر المحلية من معلومة مهمة وحيوية، مثل تجميد زيارة السيسي إلى واشنطن في هذا التوقيت.

واستحوذت قناة “العربية” السعودية على جزء كبير من المعلومات المرتبطة بالموقف المصري ضد تصعيد واشنطن، عقب تلويح ترامب بإمكانية تجميد المساعدات الأميركية للقاهرة، إذا تمسكت بقرارها الرافض للتهجير، حيث نشرت معلومات حيوية عن مصادر مصرية تحدثت عن عدم اكتراث القاهرة بذلك التهديد.

ونشرت القناة السعودية معلومات أخرى تحدثت عن تصعيد مصري مرتبط بمراسلات بعثت بها القاهرة إلى الإدارتين الأميركية والإسرائيلية تتعلق باتفاقية السلام، ونُشرت معلومات حول التوضيحات التي تلقتها القاهرة من واشنطن وتل أبيب.

حسن علي: من الخطأ ترك الساحة لمنابر خارجية في توقيت دقيق
حسن علي: من الخطأ ترك الساحة لمنابر خارجية في توقيت دقيق

وقال مراقبون إن وسائل الإعلام المصرية لم تستثمر تداعيات ملف التهجير لاستعادة قوتها الناعمة وتصبح المنابر التي تستحق المتابعة الجماهيرية لمعرفة المستجدات وفهم موقف القاهرة من الأحداث الجارية، لكنها اكتفت بنقل معلومات منشورة في منابر عربية وأجنبية لتنقل عنها إلى جمهورها المحلي.

ولم يُعرف بعد ما إذا كان القصور المعلوماتي الحاصل في الإعلام المصري نتاجا طبيعيا لانحرافه المعتاد عن المهنية والتفرد، أم توجها مقصودا من دوائر حكومية معنية بملف أزمة التهجير، أرادت إضفاء المزيد من التوسع في نشر المعلومات عبر إتاحتها من خلال وسائل إعلام عربية وأجنبية لتعزيز مصداقيتها.

وسواء أكان ذلك القصور المعلوماتي نتاج غرق الإعلام المصري في محليته أم مقصودا من الحكومة، فإن هناك خسارة معنوية، حيث دُفع الجمهور إلى متابعة المنابر الخارجية ومعرفة التفاصيل الدقيقة والاقتراب من الحقيقة الغائبة عن المواقع الإخبارية والشاشات المصرية، في ملف مصيري يتعلق بوطنه.

ويقول صحافيون مصريون إن الإعلام بريء من اتهامات التقصير المعلوماتي في الملفات الحيوية، لأنه لا يستطيع النجاح في استثمار قضية حيوية مثل التهجير للتقارب مع الجمهور دون دعم من دوائر حكومية، بحيث تكون لدى القنوات المحلية ميزة مضافة تُمكّنها من التفوّق على منافسيها، باحتكار المعلومات المهمة.

ولدى مصر فضائية إقليمية تحمل اسم “القاهرة الإخبارية”، ومنذ اندلاع الحرب في غزة كان يتم الاعتماد عليها للتفاعل الجماهيري بشكل لحظي مع الأزمة، وقيل إن إطلاقها جاء بهدف أن تصبح ذراعا للدولة في القضايا الحيوية من دون أن يضطر الجمهور المصري إلى متابعة منابر خارجية.

وبمرور الوقت أصبحت قناة “القاهرة الإخبارية” شبه ناطقة بلسان السلطة المصرية، وبثت معلومات موثقة عن موقف القاهرة ونقلت وجهة نظر الدولة ومؤسساتها من خلال “مصادر مطلعة”، تقوم بتوجيه تحذيرات لإسرائيل وقوى غربية داعمة لها، أو الرد بشكل صارم على ادعاءات تل أبيب ووسائل إعلامها.

ولم يظهر تفرد “القاهرة الإخبارية” في أزمة ملف التهجير سوى بمعلومات تحدثت عن قبول حركة حماس بالغياب عن التواجد في سلطة حكم غزة خلال الفترة المقبلة، ضمن خطة مصر المرتبطة بإعادة إعمار القطاع، وأن الحركة قبلت بذلك، على أن تمهد تلك الخطوة لتشكيل لجنة لإدارة غزة في غياب حماس.

ويرى خبراء في مجال الإعلام أن بعض القنوات والصحف المصرية لم تستفد من تراجع مهنية بعض وسائل الإعلام الأجنبية التي انحازت إلى جانب إسرائيل في موقفها ضد القاهرة والعرب، دون اكتراث بمعايير الحياد والموضوعية والنزاهة، وكانت أمامها فرصة ثمينة لاستقطاب الجمهور المصري لكن لم تكن على قدر الحدث.

ويفترض في مثل هذه القضايا ذات البعد الإقليمي والدولي المرتبط بالقاهرة أن يتعامل الإعلام المصري باحترافية عالية دون انكفاء أو استسلام لهيمنة منابر خارجية على المعلومات الجماهيرية، لأن الصمت والتجاهل يقودان إلى إضعاف الموقف المصري رغم صلابته الواضحة، لكن الإعلام أحيانا يقدم إيحاءات عكسية.

◙ الإعلام الذي لا يستثمر القضايا الكبرى لاستقطاب الجمهور قد لا ينجح في ملفات حيوية محلية

وقال حسن علي عميد كلية الإعلام بجامعة المدينة في القاهرة إن استقطاب الجمهور وقت الأزمات يرتبط بالتدفق المعلوماتي بشكل دائم، وإطلاع المشاهدين على المستجدات بشكل لحظي، ومن الخطأ ترك الساحة لمنابر خارجية في توقيت دقيق، لأن الدولة تكون في حاجة ملحة إلى إعلامها القومي وقت التحديات.

وأوضح في تصريح لـ“العرب” أن الإعلام الذي لا يستثمر القضايا الكبرى لاستقطاب الجمهور قد لا ينجح في ملفات حيوية محلية، لأن العبرة بكسب المعركة مع المنافسين الأقوياء وقت الأزمات العالمية، ويجب أن يحصل المشاهد على كل كبيرة وصغيرة من إعلامه، والتحديات الراهنة تفرض الحاجة إلى أذرع إعلامية قوية ولو انحازت إلى موقف بعينه، لأن الحياد وقت تهديد الأمن القومي مثالية زائدة.

وهناك مشكلة في وجود شح معلوماتي من مصادر رسمية، لكن المعضلة الأكبر تكمن في تعامل وسائل إعلام مصرية مع ملف تهجير سكان غزة بنوع من الرفض بلا تحليل منطقي، وجعلته جزءا من تغطياتها اليومية للأحداث بمناقشته كفقرة من برنامج مسائي مثل “التوك شو”، دون تشكيل غرف عمليات لحظية لمتابعة المستجدات وإتاحتها.

وترتب على ذلك أن ضجت منصات التواصل الاجتماعي بمعلومات متاحة في منابر أجنبية، وتخمينات وتحليلات من خبراء ومحللين ومواطنين عاديين، كل منهم ينشر روايته الخاصة المرتبطة بالموقف المصري من ملف التهجير وتداعياته، بينما كان الإعلام ينقل عن منابر خارجية ما يتعلق بصميم رؤية القاهرة.

وأظهرت أزمة التهجير أن الكثير من وسائل الإعلام المصرية لم تتعلم من أخطائها السابقة في التعامل بمهنية واحترافية وتميز مع الملفات الكبرى حتى لو كانت مصر جزءا أساسيا منها، وبدلا من أن تستثمرها وتتحول من تابع إلى مصدر معلومات موثوق به لدى الجمهور المحلي والإعلام الدولي انكفأت على نفسها مجددا.

كما أن تطوير أداء الإعلام المصري ليكون على قدر المسؤولية والمهنية لا يرتبط بهوية من يديرون المشهد في كل قناة أو صحيفة، بقدر ما يتعلق الأمر بوجود أزمة عند الحكومة نفسها، واستمرار نظرتها لإعلامها المحلي على أنه فاقد للجماهيرية والثقل والنفوذ، وبدلا من دعمه ليقوى تزيد من إضعافه لصالح منابر خارجية في ذروة بحثها عن قوى ناعمة تساندها في تحدياتها المتشعبة.

5