تونس في مواجهة حملات تضليل تهدد السلم المجتمعي

تونس - أعادت أخبار تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن أعضاء من حركة النهضة في السجون التونسية، والتي كذبتها لاحقا وزارة الداخلية، الجدل بشأن انتشار الأخبار الزّائفة والمضللة التي تهدد السلم المجتمعي. وأكد الصحفي صابر العيّاري مدقّق للأخبار الزائفة بمنصة "تونس تتحرّى"، أن هذه الأخبار المضللة “تتسبب في الانقسامات والخلافات بين الفئات والمناطق، وتخترق كافة المجالات دون استثناء”، ولم يستبعد وجود ما أسماه بـ”الغرف المظلمة” التي تتمّ فيها صياغة مثل هذه الأخبار لبلوغ غايات وأهداف معيّنة.
وتقول وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) إن عدّة دراسات على غرار التي يصدرها معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" الأميركي، تؤكد أنّ الأخبار الكاذبة والزائفة تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي بسرعة أكبر من الأخبار الحقيقية وبفارق كبير، نتيجة إعادة نشرها باستمرار من قبل الأشخاص.
وواجهت تونس العديد من الأخبار ومن بينها ما أشيع بشأن سوء المعاملة لأعضاء من حركة النهضة في السجون، حيث خرج الناطق الرسمي للهيئة العامة للسجون والإصلاح رمزي الكوكي، وأكد لوكالة الأنباء الرسمية التونسية أن “الهيئة العامة للسجون والإصلاح تنفي نفيا قطعيا ما يروج من معطيات واتهامات حول سوء المعاملة والتقصير الطبي لبعض المودعين”.
كما تجلى ذلك في تعامل تونس مع ملف الهجرة غير النظامية، الذي استوجب من وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج إصدار بيان الشهر الجاري لنفي “المزاعم المغرضة والأخبار الزائفة والمضللة التي تم تداولها، والتي لا تعكس حقيقة الموقف التونسي وحقيقة التعامل مع الملف”.
كما ذهبت دراسة أنجزها فريق من الباحثين من معهد الصحافة وعلوم الإخبار، في إطار مشروع “لابتراك” حول “التضليل المعلوماتي السياسي: المقاربات النظرية والفاعلون والتكتيكات في السياق التونسي”، إلى تصنيف تقنيات وأساليب وتكتيكات التضليل المعلوماتي، وأبرزها بناء شبكات منظمة للترويج للمضامين ذاتها في صفحات ومجموعات، وإدارة الصفحات من الخارج لتجاوز الآليات القانونية، وتمويل صفحات من أطراف أخرى لصالح سياسيين أو أحزاب، وتغيير طبيعة الصفحات في السياقات الانتخابية على وجه الخصوص، وخلق حسابات من الخارج والترويج لها كصفحات تدار من الداخل، وتقليد الخدمات الإخبارية والمؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى استخدام تقنيات الإثارة والمشاعر.
وأفاد العيّاري بأنّ هذا النّوع من الأخبار موجود أكثر في مواقع التّواصل الاجتماعي، باعتبارها لا تخضع للمراقبة والمتابعة والتدقيق ومفتوحة للجميع وسهلة الاستعمال، وهو ما يساهم في ارتفاع عدد الأخبار الزائفة وانتشارها على أوسع نطاق، خلافا لوسائل الإعلام التي تحكمها منهجيّة وأخلاقيات المهنة.
وشاطرت أروى الكعلي، أستاذة في مادة التحقّق من الإخبـــار بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار وباحثة في علوم الاتصال، العياري رأيه، حيث لاحظت أن العالم يعيش اليوم على وقع “الاضطراب المعلوماتي” وتواجهه العديد من المحتويات والمعلومات والإدعاءات التي يمكن أن تكون صحيحة كما يمكن أن تكون خاطئة ومضللة ومنشورة في الفضاء العام خاصّة الفضاء الرقمي، دون أن يكون لها أيّ أساس من الصحة.
وأكدت في هذا الجانب، وجود معلومات ومحتويات في الفضاء الرقمي تشمل كافة المجالات، بهدف التضليل وتصديق سرديّة أو وجهة نظر معيّنة أو اتباع جهة بعينها أو اقتناء منتج ما، مبينة أن هذه الظاهرة مركّبة إلى حدّ ما، وتتداخل فيها عناصر متعددة كسهولة إنتاج هذه الأخبار وانخفاض كلفة نشرها.
وأشارت إلى أن غالبية المحتوى الذي ينشره التونسيون في الفضاءات الرقمية تعتمد على التزييف والتضليل منخفض الكلفة، خلافا لمحتويات التضليل العميقة “ديب فايك” التي تستعمل فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي، معتبرة أن إنشاء صفحات بطريقة غير مكلفة يجعل الخطر أكبر لأنّ نشاطات التضليل ستصبح منظّمة.
بدوره ذكّر أستاذ القانون العام أيمن الزغدودي لوكالة أنباء تونس “وات” بأنّ القانون التونسي جرّم الأخبار الزائفة في تشريعين اثنين، الأول هو المرسوم 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، وتحديدا في فصله 54 الذي جرّم نشرها وأقر عقوبة تتمثل في خطية مالية، باعتبار أن جريمة نشر الأخبار الزائفة تؤكد وجود سوء نية في نشرها بما من شأنه أن يضر بالأمن العام.
أمّا النصّ الثاني، وفق الزغدودي، فهو المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، الذي جرّم في الفصل 24 منه نشر الأخبار الزائفة والإشاعات والأخبار والبيانات الكاذبة التي من شأنها أن تحدث أضرارا بالمؤسسات والأشخاص، ووضع عقوبة لها أشد من المرسوم 115، تتراوح من 5 إلى 10 سنوات سجنا وخطية مالية من 50 ألف دينار إلى 100 ألف دينار.
وبين بخصوص أيّ النصين يطبق على الأخبار الزائفة، أن هذا الجدل يجيب عنه قرار محكمة التعقيب الصادر مؤخّرا، والذي أقرت من خلاله تطبيق المرسوم 115 على الصحافيين ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، ممّا يحيل إلى الفهم بأنّ المرسوم 54 ينطبق على كل ما ينشر في الفضاء الافتراضي من قبل الأفراد باستثناء الصحافيين.
وكانت وزارة العدل قد أكّدت في الرابع عشر من يوليو 2023، أنّه سيقع تتبّع كلّ من يعمد إلى القيام بحملات مغرضة ضد مؤسسات الدولة والإطارات القضائية أو الإدارية، وبث الإشاعات وترويج الأكاذيب، أو الاعتداء على الأعراض وتشويه السمعة، وكل من يساهم في نشرها بشكل ممنهج، يضع نفسه تحت طائلة المساءلة القانونية سواء داخل تونس أو خارجها.
◙ الإعلام التونسي مطالب بإنقاذ الرأي العام من الأخبار الزائفة ودفعه إلى الشك في الأخبار المنشورة وعقلنة سلوكيات تقصي الأخبار
كما تمّت أيضا في الرابع والعشرين من أغسطس 2023 إثارة تتبعات جزائية للكشف عن هويّة أصحاب ومستغلي صفحات وحسابات ومجموعات إلكترونية، تعمد إلى استغلال هذه المنصّات لإنتاج أخبار كاذبة ونسبة أمور غير حقيقيّة، بهدف التشهير وتشويه السمعة أو الإدعاء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام والسلم الاجتماعي، والمساس بمصالح الدولة التونسيّة والسعي إلى تشويه رموزها.
وأكد الباحث في الميديا الصادق الحمامي في تصريحات سابقة، أن الصحافة المهنيّة تتعيّن عليها استعادة وظيفة التحرّي إذا ما أرادت أن تنافس الميديا الاجتماعية، وأنّ الإعلام التونسي مطالب بإنقاذ الرأي العام من الأخبار الزائفة ودفعه إلى الشك في الأخبار المنشورة وعقلنة سلوكيات تقصي الأخبار.
وكان الرئيس قيس سعيّد قد أكّد على هذا الدور أيضا خلال لقائه برؤساء مؤسسات الإعلام العمومي في الحادي عشر من فبراير الجاري، في ظلّ تواتر الإشاعات الزائفة والصفحات المأجورة في الدّاخل والخارج التي لا همّ لها سوى نشر الأكاذيب، وفق قوله.
وفي هذا الجانب، أوضحت الكعلي أنّه يمكن لأيّ كان أن يساهم في نشر أخبار مضللة دون أن تكون له النيّة في ذلك، وذلك من خلال نشر صورة أو صورة مصاحبة بتعليق غير صحيح أو اقتطاع معلومات من مقاطع مصوّرة، مضيفة أنّ عملية تكرار هذه المعلومات تجعلها تترسّخ وتحوّلها من مغلوطة إلى محتويات يتشاركها الجميع دون معرفة أنّها غير صحيحة.
وأشارت إلى أنّ الذي يبحر على منصات التواصل الاجتماعي وفي الفضاء الرقمي ليست لديه دائما الآليات التي تسمح له بالتحرّي في المعلومة أو حتى التشكيك فيها، ليأتي دور وسائل الإعلام في هذا الجانب، ويؤكد أنّ أحدث الدراسات أثبتت أنّ شبكات التواصل الاجتماعي تعتبر مصدرا للأخبار بالنسبة إلى المستخدمين، لكنها لا تخضع لعدّة معايير كالتي تخضع لها وسائل الإعلام في علاقة بالرقابة والمتابعة والتعديل.
وأبرزت الدور المهم لمنصات التحقّق من الأخبار الزائفة التي تدفع القارئ تدريجيّا وعلى المدى الطويل، إلى التفكير والتشكيك في المحتوى وتبني مهارات نقديّة تجعله يتثبّت من المعلومة، وذلك بالإضافة إلى دور هذه المنصات في التحقق من المعلومات وتصريحات السياسيين وما تنتجه وسائل الإعلام، منوّهة بفكرة إنشاء خلايا رصد للتقصّي من الأخبار بالمؤسسات الإعلامية التي تحظى بجمهور عريض.