الرئيس التونسي يطالب بتوجيه بوصلة الإعلام العمومي نحو قضايا المواطن

يطالب الرئيس التونسي قيس سعيّد الإعلام العمومي بتحمل مسؤوليته الوطنية في مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد والقيام بدور فاعل في التأثير على الرأي العام وتقديم محتوى مهني وموضوعي. كما يؤكد على أهمية الحفاظ على المؤسسات الإعلامية، خاصة الصحف، باعتبارها جزءًا من تاريخ تونس.
تونس - أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد على دور وكالة تونس أفريقيا للأنباء، ووظيفتها الأساسية في ظلّ انتشار الإشاعات الزائفة والصفحات المأجورة في الدّاخل والخارج التي تنشر الأكاذيب، وذلك خلال لقائه برؤساء المؤسسات الإعلامية الرسمية لمناقشة واقعها وسبل تطويرها.
وطالب الرئيس سعيد الإعلام العمومي في هذه المرحلة بالكلمة الحرّة التي تعبّر عن مشاغل المواطنين، معتبرا أن الكلمة لا تكون بالفعل حرّة إلاّ انطلاقا من فكر حرّ يقوم على أفكار جديدة ومفاهيم بدورها جديدة، مشيرا إلى وجود أشخاص في الدّاخل والخارج “لا تزال أضغاث أحلامه تهزّه إلى تفتيت الدّولة وتقسيمها.”
ويلعب الإعلام العمومي دورًا حيويًا في التوعية ومكافحة الإشاعات، خاصة خلال الأزمات حيث تبرز تحديات كبيرة بسبب انتشار الأخبار الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تؤثر على الرأي العام وتزيد من حالة القلق والخوف بين المواطنين. ويرى الرئيس سعيد أن مؤسسة وكالة أنباء تونس ذات الأرشيف الثريّ يجب أن تستعيد دورها وإشعاعها في هذا المجال، مشيرا إلى أنّ الأمر لا يتعلّق بدعاية لهذه الجهة أو تلك، بل بالوطن والدولة.
ويتعين على وسائل الإعلام التونسية تعزيز دورها في تقديم المعلومات الدقيقة والموثوقة، وتوعية الجمهور بأهمية التحقق من المصادر قبل تصديق ونشر أيّ خبر. كما يجب على المؤسسات الإعلامية الاستثمار في تدريب الصحافيين على مهارات التحقق من المعلومات وتعزيز ثقافة التدقيق والتثبت. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للإعلام أن يلعب دورًا في بناء الوعي الاجتماعي من خلال تقديم محتوى يساهم في تنمية الوعي العام وتحسين قدرة المجتمع على التمييز بين الأخبار الصحيحة والإشاعات.
وتعرّض سعيد مطوّلا إلى مسار التحرّر الوطني ودور الإعلام العمومي خلال اجتماعه بشكري بن نصير الرئيس المدير العام لمؤسسة لتلفزة التونسية وهندة بن عليّة الغريبي الرئيسة المديرة العامة لمؤسسة الإذاعة التونسية وناجح الميساوي الرئيس المدير العام لوكالة تونس أفريقيا للأنباء وسعيد بن كريّم الرئيس المدير العام لـمؤسسة “سنيب لابراس” ومحمّد بن سالم المفوّض بمؤسسة دار الصباح. وتطرق النقاش إلى عملية إنقاذ صحيفتي لابراس والصباح باعتبارهما “جزءا من تاريخ تونس، وهو ليس للبيع ولا للإيجار” وفق بيان للرئاسة الجمهورية.
◙ النقابة الوطنية للإذاعات الخاصة تدعو الدولة إلى تشريك القطاع الخاص في مختلف اللقاءات من أجل المصلحة الوطنية
وتُعَدُّ صحيفتا لابراس والصباح من أعرق المؤسسات الإعلامية في تونس، حيث تواجهان منذ فترة أزمة مالية خانقة. وتشغلان العشرات من الصحافيين والموظفين. وتصدر “دار الصباح” ثلاث صحف، اثنتان منها يوميتان وواحدة أسبوعية. وتأسست سنة 1951 من قبل الحبيب شيخ روحه ثم آلت إلى أبنائه من بعده قبل التفريط فيها لصخر الماطري، صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ثم تمت مصادرتها بعد الثورة.
وقررت الحكومة دمج المؤسستين نهاية شهر يوليو 2023 في إطار خطة إنقاذ لحل أزمتيهما المالية والاجتماعية جذريا. وعقد رئيس الحكومة في 27 مارس 2024 جلسة عمل وزارية خصصت لمتابعة برنامج إعادة هيكلة ودمج المؤسستين ونتائج أعمال مختلف الفرق المكلفة بذلك. كما اجتمع الرئيس قيس سعيد في 28 مارس الماضي بالمدير العام للشركة الجديدة للطباعة والصحافة والنشر ومفوض “دار الصباح” وأكد على أنه لا مجال للتفريط في المؤسستين.
وتُعَدُّ هذه الخطوات جزءًا من جهود الحكومة للحفاظ على المؤسسات الإعلامية العريقة وضمان استمراريتها في ظل التحديات المالية والرقمية الحالية.
وبحسب أستاذ التاريخ المعاصر خالد عبيد فإن جريدة “الصباح” كانت في نشأتها “اللسان غير الرسمي للحركة الوطنية التونسية، وتحديدا حزب الدستور الجديد.” وأضاف أنها عبرت عن هموم التونسيين الرازحين تحت الاستعمار وتعرضت للمنع والتضييق أكثر من مرة، مؤكدا إدراجها ضمن الخط الوطني التحريري الرامي إلى استقلال تونس معتمدة على نقل ما يحدث في تونس من تجاوزات وجرائم.
وتناول سعيد في الاجتماع أيضا جملة من المواضيع، ومن بينها ضرورة التخلّص من رواسب الماضي ومن بعض المصطلحات البائدة التي انتهت مدّة صلوحيتها، قائلا “من يُقلّب أوراق التاريخ إلى الوراء، فالوراء قد ولّى إلى الأبد وانتهى.”
وثمنت النقابة الوطنية للإذاعات الخاصة في بيان الأربعاء اهتمام رئيس الجمهورية بالإعلام كمصدر رئيسي لتقديم المعلومة الصحيحة وإنارة الرأي العام حول مجمل الأحداث في ظل انتشار الأخبار الزائفة والمضللة عبر عدد من مواقع التواصل الاجتماعي التي هي عكس المضمون الإعلامي لا تخضع إلى معايير مهنية وقوانين منظمة.
وعبرت النقابة عن انخراط المؤسسات الإعلامية الخاصة بالقيام بدورها في تقديم المعلومة والتعليق الحر في إطار الاستقلالية والحياد والمهنية والدفاع عن مصلحة البلاد مشيرة إلى دورها المحوري في ظل مخاطر التأثير السلبي على الرأي العام، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والتي أثبتت التجارب في العالم أنها قابلة للتضليل والتلاعب بها من طرف أيّ قوى ترغب في توجيهها حسب مصالحها خاصة مع انتشار الذكاء الاصطناعي.
ودعت النقابة الدولة إلى تشريك القطاع الخاص في مختلف اللقاءات كما أكدت أن الإعلام العمومي قطاع لا يمكن أن يعمل دون الإعلام الخاص مشددة على أنهما يتكاملان من أجل المصلحة الوطنية وأن الرسالة الإعلامية لا يمكن أن تصل إلا بالعمل التشاركي والمتكامل بين القطاعين العام والخاص، كما تنتظر النقابة الوطنية للإذاعات الخاصة لفتة من رئيس الجمهورية إلى القطاع الإعلامي الخاص نظرا إلى دوره المحوري في إنجاح المسار في هذه الفترة وفي مختلف الفترات.
ويقول متابعون إن الإعلام التونسي شهد تحولات جذرية، بعد الثورة وظهرت مجموعة واسعة من وسائل الإعلام الجديدة، وشهد الإطار القانوني ومؤسسات الدولة المنظمة لهذا القطاع عملية إصلاح. ومع ذلك، لا يزال الصحافيون يواجهون تحديات، مثل نقص الموارد والتدريب، ومعايير مهنية مثيرة للجدل.
وتتطلب النهضة بوسائل الإعلام التونسية يقظة من جانب الوسط الإعلامي نفسه ووعيًا بدوره كمعيار للديمقراطية في البلاد. ويجب على الإعلام العمومي أن يسعى إلى تحقيق التوازن بين الاستقلالية والمهنية، مع الالتزام بتقديم محتوى يعكس تنوع واهتمامات المجتمع التونسي. كما يتعين عليه مواكبة التطورات التكنولوجية والرقمية لضمان استمراريته وجاذبيته للجمهور.