شكرا آرت كايرو

"آرت كايرو" هو الموعد السنوي الذي تبهر فيه مصر العالم بقدرة أبنائها على الإعداد والاختيار والتنظيم والإدارة. معرض هو عبارة عن مدينة جمال تتوزع دروبها، تفترق وتتقاطع في فضاء واحدة من المدن الكبيرة في العالم، القاهرة التي لا تكف عن النظر بعينين حالمتين إلى أهرام الجيزة وتمثال أبي الهول لتكسبهما حيوية جمال مستلهم من خيال فنانيها المعاصرين.

ولأني حضرت نسخة آرت كايرو قبل سنتين يمكنني القول بثقة إن ما من مدينة في العالم تحتفي بفنون عصرنا مثلما تفعل القاهرة.

افتتاح المتحف المصري الذي يأتي متزامنا مع نسخة هذه السنة من آرت كايرو يضفي طابعا تاريخيا على تظاهرة معاصرة. ذلك حدث عميق الدلالة يقف وراءه فنان كبير هو فاروق حسني الذي كافح يوم كان وزيرا للثقافة من أجل أن تكون للعالم مساهمة في إظهار الحضارة المصرية القديمة بالصورة التي تليق بها.

ومثلما تستحق آثار مصر القديمة متحفا هو الأكبر من نوعه عالميا فإن حاضرها الفني بتنوع أساليبه وغزارة نتاجه وعمق وقوة الرؤى الجمالية التي تكسبه طابعا معاصرا وتمتن صلته بحاضر الفن في العالم يستحق تظاهرة بحجم “آرت كايرو”.

للمصريين خبرة عظيمة في تنظيم التظاهرات الفنية. كان هناك بينالي القاهرة وبينالي الإسكندرية وكلاهما اكتسبا شهرة عالمية ولم يكونا محليين. لا لأن لمصر موقعا متميزا لدى عشاق الجمال وهو أمر مؤكد بل لأن المصريين صنعوا كل شيء بأيديهم وأثبتوا أن خبرتهم تتفوق أحيانا على الخبرة العالمية في مجال صناعة التظاهرات الفنية.

أعرف أن آرت كايرو لا يتميز بحسن تنظيمه فحسب، بل وأيضا باستقباله تجارب فنانين طليعيين من مختلف أنحاء العالم. لذلك صار سنة بعد سنة بمثابة موعد للقاء فنانين عرب من مختلف الأجيال ليتحاوروا فيما بينهم ويتبادلوا خبراتهم ومن ذلك الندوة التي يحرص غاليري مصر على إقامتها كل سنة بإدارة الفنان محمد طلعت علي. فآرت كايرو هو أيضا مجموعة المبادرات الفردية التي تصب في خدمة وتطوير الذائقة الجمالية لدى الجمهور.

عروض آرت كايرو تقدم شيئا مختلفا عن ذلك الشيء الذي تقدمه عروض آرت باريس أو آرت بازل أو آرت ميامي. ما يميز العروض المصرية أنها بعيدة عن الطابع التجاري. لا شيء هنا للبيع.

يبدو الفن معافى من جرثومة الاستهلاك. ذلك لا يعني أن هناك موقفا مضادا لتسويق الأعمال الفنية، غير أن التسويق ليس هو الهدف الذي يمكن أن تتراجع أمامه الأهداف الأخرى التي تتميز بنبلها وعلو مقامها. فشكرا للمصريين وهم يعيدون لنا الثقة بالفن.