الإمارات والسعودية تقودان تحول الطاقة في الشرق الأوسط

الإستراتيجيات الحكومية للبلدين تظهر تنافسا باتجاه الاعتماد أكثر على زيادة المشاريع منخفضة الكربون.
الأربعاء 2025/02/12
من هنا نخطو إلى مستقبل نظيف

تضع الإمارات والسعودية نفسيهما بشكل إستراتيجي كقائدتين في عملية التحول في مجال الطاقة العالمية، مع استثمارات كبيرة في مشاريع الطاقة المتجددة، التي تبرز بوضوح في المنطقة العربية، في ظل الاهتمام بالتنويع وإدراكا لأهمية مسح البصمة الكربونية.

لندن - تتصدر الاستثمارات الإماراتية والسعودية السباق نحو فرص التحول الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إطار إستراتيجية مستقبلية للبلدين لمعاضدة الجهود الدولية لمكافحة تغيرات المناخ جنبا إلى جنب مع تحصيل إيرادات النفط والغاز.

وبشكل عام، تعمل المنطقة على موازنة هيمنتها التقليدية على النفط والغاز مع الحاجة إلى تبني الطاقة المتجددة، والاستفادة من مواردها الفريدة وموقعها الإستراتيجي لتظل لاعبا رئيسيا في المشهد العالمي للطاقة.

ولطالما كان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قلب عالم الطاقة العالمي، حيث تم تكليف شركات النفط الحكومية بتطوير موارد النفط والغاز الهائلة لمدة قرن تقريبا.

وفي حين ستظل المنطقة لاعبا مهيمنا في مجالات النفط والغاز التقليدية في المستقبل المنظور، فإن العديد من البلدان الرئيسية وشركات النفط الحكومية تضع نفسها بشكل إستراتيجي لتصبح مراكز رئيسية وقادة عالميين في أسواق الطاقة الناشئة الجديدة.

إد توكمان: ثمة تباعد ملحوظ في الإستراتيجيات بين دول المنطقة
إد توكمان: ثمة تباعد ملحوظ في الإستراتيجيات بين دول المنطقة

والنتيجة، وفق إد توكمان، نائب الرئيس الأول ورئيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة ريستاد إنيرجي، في تقرير نشرته منصة “أويل برايس” الأميركية، هي تباعد متزايد بين إستراتيجيات الشركات في البلدان الأكثر ميلا إلى التقدم، بقيادة الإمارات والسعودية.

وعلى مستوى أكثر إقليمية، تبرز سلطنة عُمان، والدول النفطية الأكثر تقليدية، مثل الكويت وقطر، حيث تركز شركاتها الحكومية في المقام الأول على تقديم النتائج التشغيلية والإيرادات للدولة.

وبرزت الإمارات والسعودية كلاعبين إستراتيجيين في التحول العالمي للطاقة، حيث أدركت كل من أدنوك وأرامكو أن مستقبل الطاقة سيتطلب أكثر من مجرد النفط والغاز.

ورسخت الإمارات نفسها بقوة كقائد عالمي في التحول في مجال الطاقة من خلال استضافة مؤتمر كوب 28 أواخر عام 2023.

وحينها تمت صياغة إجماع الإمارات، والذي يمثل التزاما تاريخيا “بالانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، وهو أول تعهد من هذا القبيل في أي قمة لمؤتمر الأطراف”.

وقامت أدنوك، بالتعاون مع شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) التي تقود توجهات البلد في الطاقة المتجددة باستثمارات محلية ودولية كبيرة في الطاقة الشمسية وتخزين البطاريات والهيدروجين، وخاصة في الأسواق النامية.

وكانت أدنوك قد أطلقت مؤخرا شركة إكس.آر.جي، وهي ذراع استثمارية بقيمة تقدر بنحو 80 مليار دولار تستهدف مشاريع الغاز والبتروكيماويات والمنخفضة الكربون في جميع أنحاء العالم.

وبالنسبة لمصدر فإنها ستبني محطة للطاقة الشمسية بقيمة 6 مليارات دولار بقدرة 5 غيغاواط، مع بطاريات لتخزين الطاقة بقدرة 19 غيغاواط/ساعة، وهو أكبر مشروع يتم تنفيذه على الإطلاق.

وتعمل مثل هذه التحركات على تعزيز مكانة الإمارات في طليعة المشهد الجديد للطاقة سريع التطور، وتجعل الشرق الأوسط سوق الطاقة المتجددة الأسرع نموا.

بينما تطمح سلطنة عمان إلى أن تكون مركزا إقليميا للهيدروجين، تظل الكويت وقطر تركزان على إيرادات النفط والغاز بشكل كبير

أما السعودية، فتحرز بدورها خطوات كبيرة في تنويع اقتصادها إلى ما هو أبعد من النفط مع اقتراب البلاد من علامة 10 سنوات في خطتها التاريخية “رؤية 2030”.

ومن خلال الاستثمارات الكبيرة، تهدف السعودية إلى توليد 50 في المئة من طاقتها المحلية من الطاقة المتجددة بحلول نهاية هذا العقد مع وضع نفسها كقائد عالمي في الهيدروجين واحتجاز الكربون وتخزينه، وغير ذلك من المجالات المستدامة.

وفي الوقت نفسه، ستحافظ أرامكو على مكانتها المهيمنة في قطاع النفط والغاز التقليدي، مما يضمن عائدات قوية لتغذية جهود التحديث والتنويع الاقتصادي الطموحة وبعيدة المدى في المملكة العربية السعودية.

وقد تبنت عُمان، باقتصادها الأصغر نسبيا واحتياطياتها المحدودة من النفط والغاز، نهجا أكثر تقليدية في جولات العطاءات لجذب الشركاء والمستثمرين في مجال الطاقة الجديدة.

وتسعى الدولة إلى تطوير إمكاناتها الهائلة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البرية لتنويع مزيج الطاقة المحلي والمساعدة في ترسيخ نفسها كمركز لتصدير الهيدروجين الأخضر من عام 2030.

وتتولى شركات النفط الوطنية العمانية، بقيادة شركة تنمية الطاقة العمانية، وبدرجة أقل شركة أوكيو، مهمة تعظيم موارد النفط والغاز الحالية ودفع جهود التحول في مجال الطاقة في البلاد.

ويرى توكمان أن هذا سيساعد في وضع عُمان كلاعب إقليمي رئيسي في سوق تصدير الهيدروجين الأخضر الناشئة والمشهد الإقليمي المتطور.

المنطقة العربية تسعى إلى إيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على مكانتها المهيمنة في مجال النفط والغاز واحتضان التحول في مجال الطاقة

وعلى النقيض من ذلك، تظل دول مثل الكويت وقطر وغيرهما، وخاصة في شمال أفريقيا، تركز إلى حد كبير على تطوير موارد النفط والغاز التقليدية لتعظيم عائدات الدولة للعقود القادمة.

وتركز أي جهود بشأن التحول في مجال الطاقة والالتزامات بالصفر الصافي إلى حد كبير على تحسين العمليات للحفاظ على مزايا التكلفة والانبعاثات في الأمد البعيد.

وعلى سبيل المثال، تنظر قطر إلى الغاز الطبيعي باعتباره جسرا حاسما للطاقة منخفضة الكربون، وخاصة كبديل أنظف للفحم والنفط.

وتعهدت شركة قطر للطاقة، التي تعد بالفعل من كبار مصدري الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، مؤخرا بزيادة قدرتها على تصدير الغاز الطبيعي المسال وتوسيع استثماراتها الدولية في كل من قطاعي المنبع والتسييل.

ومن شأن مثل هذه التحركات الإستراتيجية أن تساعد قطر على البقاء كلاعب رئيسي في أسواق الطاقة العالمية في المستقبل المنظور.

وتسعى المنطقة العربية عموما إلى إيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على مكانتها المهيمنة في مجال النفط والغاز واحتضان التحول في مجال الطاقة وسط مشهد عالمي متطور للطاقة.

ويقول توكمان إن عائدات النفط والغاز التقليدية سوف تتعرض حتما لضغوط متزايدة نتيجة للتحول المتسارع في مجال الطاقة، مدفوعا بأهداف المناخ، وتقدم التقنيات المتجددة ومتطلبات السوق.

ومع ذلك، فإن الهبة الفريدة التي تتمتع بها المنطقة من موارد النفط والغاز وإمكانات الطاقة البديلة، وخاصة الشمس والرياح، إلى جانب قوتها المالية ومواهبها البشرية وموقعها الإستراتيجي، تضع شركات النفط الوطنية في طليعة الريادة في هذه الأسواق.

ويعتقد توكمان أن التحول النظيف سيستغرق بعض الوقت، ولكن زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة والهيدروجين واحتجاز الكربون وغيرها من شأنها أن تضمن بقاء العديد من بلدان المنطقة لاعبين رئيسيين في المشهد العالمي للطاقة لعقود قادمة.

10