إخضاع الطبقة الحزبية للحكومة يقيد التعددية السياسية في الجزائر

حزمة من القيود في قانون الأحزاب تهدد آخر مكاسب الديمقراطية.
السبت 2025/02/08
المنافسة السياسية مهددة في الجزائر

يتواصل الجدل بشأن مشروع قانون الأحزاب في الجزائر الذي يثير المخاوف بسبب ما يتضمنه من قيود على العمل السياسي والأنظمة الداخلية للأحزاب والتهديد بإفراغها من الكفاءات.

الجزائر - عبرت قوى حزبية جزائرية عن امتعاضها وخوفها من مستقبل تجربة التعددية في البلاد جراء مشروع قانون الأحزاب السياسية الذي أعدته الحكومة، حيث أخضعت النشاط السياسي لهيمنة الإدارة، بداية من فرض التداول القسري على المناصب القيادية إلى الحصول على الترخيص، وحتى المشاركة في أنشطة سياسية خارج البلاد.

وأعرب رئيس حزب جيل جديد المعارض جيلالي سفيان عن مخاوفه من مخارج مشروع قانون الأحزاب السياسية، الذي تعتزم الحكومة طرحه على البرلمان للمناقشة والتصديق، بسبب استحداثه حزمة من القيود التي تهدد العمل السياسي وتنهي مبدأ التعددية السياسية في البلاد.

وعبّر عن استغرابه من تحويل الأحزاب السياسية إلى أجهزة ملحقة بوزارة الداخلية، بعدما تحولت الأخيرة إلى بوصلة تعود إليها القوى السياسية في أي نشاط أو مبادرة منها، فحتى المشاركة في نشاط خارج حدود البلاد، أو إبرام تحالف حزبي أو تكوين الملف الإداري للحزب، بات يخضع لمزاج وزارة الداخلية.

◙ رئيس حزب جيل جديد المعارض أعرب عن مخاوفه من مخارج مشروع قانون الأحزاب السياسية

أما رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، المؤيد للسلطة، فقد انتقد هو الآخر المشروع المذكور، كونه جعل من الحزب السياسي جهازا ملحقا بالحكومة، وليس مؤسسة سياسية مستقلة تضطلع بالتنافس على السلطة، وإيجاد برنامج سياسي واجتماعي ينتقد ويراقب السلطة وينافسها.

وتطرق الرئيس عبدالمجيد تبون، في خطابه أمام الحكومة والولاة، إلى القادة السياسيين الذين يعمرون على رأس أحزابهم، وفي نفس الوقت يطالبون بالتداول في السلطة، فكانت هذه الإشارة أولى الرسائل نحو مراجعة العديد من التقاليد الحزبية، في إطار ما أسماه في برنامجه الانتخابي بـ”أخلقة الحياة السياسية”، خاصة وأن وجوها قضت عقودا في قيادة أحزابها دون أن تسمح بالتداول الديمقراطي داخل أحزابها، على غرار لويزة حنون، التي بحوزتها 35 عاما على رأس حزب العمال اليساري، وعبدالله جاب الله، الذي أسس ثلاثة أحزاب سياسية ولم يتنح عن أي منها إلا لإطلاق حزب جديد.

وفي هذا الشأن يقترح المشروع الجديد تحديد مدة رئاسة الحزب بعهدتين فقط، كل منهما خمس سنوات، مع إمكانية التجديد مرة واحدة فقط، ويهدف هذا الإجراء حسب بعض المحللين إلى ضمان تداول القيادة ومنع احتكار المناصب داخل الأحزاب، ويعد هذا المقترح النقطة الأكثر جدلا في القانون، إذ إنه لا يكتفي بتقييد فترة رئاسة الحزب بل يتعداه إلى الهيئات القيادية الداخلية للحزب وهو ما تعتبره بعض الأحزاب تسلطا من السلطة.

كما يرى البعض أن تقييد القادة السياسيين للأحزاب بعهدتين فقط يعني الاستغناء عن النخبة السياسية وإفراغ الأحزاب من الكفاءات.

وفي نفس الاتجاه توجه المشرّع الجزائري إلى تكريس قاعدة التداول على قيادة النقابات الناشطة، وحصرها في ولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، وهو ما اعتبر تدخلا سافرا في إرادة القواعد التي تتمسك بنخبها في المواقع الأمامية لفواعلها العمالية.

ويكون التأكيد الذي أدلى به لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية حول احترامه للدستور والانصراف عن السلطة بعد انقضاء الولاية الرئاسية الحالية، رسالة أخرى لتكريس التوجه نحو قاعدة التداول في مختلف المناصب سواء كانت رسمية أو نقابية أو حزبية وحتى جمعوية.

وفي سياق متصل فرض دستور العام 2020 تحديد العهدة البرلمانية للنواب بعهدتين فقط لمنع استمرار النواب لعهدات طويلة في البرلمان وهي نقطة كانت محل انتقادات كبيرة من قبل النواب الذين أمضوا أكثر من عهدتين في البرلمان خلال فترات سابقة.

وهو ما كرسه القانون المتعلق بنظام الانتخابات، من خلال التداول على مقاعد المجلس الشعبي الوطني عندما حدد حق العضوية في المجلس بعهدتين فقط سواء أكانتا متتاليتين أو منفصلتين، حيث تنص المادة 200 من القانون في بندها الأخير على أن المرشح للمجلس الشعبي الوطني يجب “ألا يكون قد مارس عهدتين برلمانيتين متتاليتين أو منفصلتين”.

◙ مشكلة تحديد العهدات وتقنينها لا تتعلق بالجزائر فحسب وإنما هي مشكلة تبرز أيضا بكثرة في دول القارة الأفريقية

وقبل أيام أنهت المحكمة الدستورية الجدل حول عهدات الأعضاء المعينين في الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، مؤكدة في استدراك أنه لا يمكن لأي كان أن يبقى في البرلمان لأكثر من عهدتين سواء كانت بالترشح أو بالتعيين.

وكانت المحكمة الدستورية قد أصدرت في ديسمبر الماضي قرارا أكدت فيه تحديد عهدة عضو مجلس الأمة بمدة ست سنوات، وأنه لا يمكن لأحد ممارسة أكثر من عهدتين برلمانيتين منفصلتين في الزمن أو متتاليتين وكانت المحكمة الدستورية ترد وقتها على إخطار قدمه رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل لطلب تفسير حكم دستوري، والبت في وضعيته ووضعية ثلث أعضاء مجلس الأمة الذين تنتهي عهدتهم النيابية في الغرفة العليا في فبراير الجاري.

ويرى مختصون في الشأن التشريعي أن مشكلة تحديد العهدات وتقنينها لا تتعلق بالجزائر فحسب وإنما هي مشكلة تبرز أيضا بكثرة في دول القارة الأفريقية، ومن هذا المنطلق أدرجها مجلس الأمن والسلم الأفريقي ضمن أعماله وشدد مرارا على ضرورة احترام مبدأ التداول على السلطة انطلاقا من كون العهدات المفتوحة من بين الأسباب التي تؤدي إلى الصراعات والانقلابات داخل الدول الأفريقية.

ولفت خبير القانون أبوالفضل بهلولي إلى أن “التعديلات التي شهدتها القوانين الوطنية منذ وصول الرئيس تبون إلى الحكم، جاءت تكريسا واحتراما لهذا المبدأ والتزاما من الجزائر بمقترحات الاتحاد الأفريقي، وهذا ما انعكس في المشروع التمهيدي لقانون الأحزاب وقانون النقابات وقبل ذلك تعديل دستور 2020.”

وشدد المتحدث على “أهمية فرض مبدأ التداول على السلطة، فالكثير من الأحزاب السياسية وحتى النقابات لم تتكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية العالمية، فبقيت على رأسها ذات القيادات لسنوات طويلة. ومن هذا المنطلق كان على السلطة أن تفرض مبدأ التداول بقوة القانون لتنظيم وتأطير النشاط السياسي والنقابي وفق الأسس الديمقراطية.”

4