فنانون يوقظون الذاكرة من سفوح الأنديز إلى أعماق الكويت وأستراليا

الاشتغالات الفنية من التركيبات واللوحات وغيرها تختلف في طريقة طرحها لكنها تنضوي كلها في خانة الذاكرة وخزانتها.
الخميس 2025/02/06
خطى تائهة في الزمن (عمل للفنان فيسوانادهان)

محمد ناصر المولهي

الشارقة- افتتحت الدورة السادسة عشرة من بينالي الشارقة معارضها في ساحة المريجة بمدينة الشارقة القديمة منذ الأربعاء الخامس من فبراير الجاري أمام الإعلاميين والضيوف، لتكون مفتوحة للعموم بداية من الخميس السادس من فبراير.

تختلف الاشتغالات الفنية من التركيبات إلى النحت فالنسيج واللوحات والصور الفوتوغرافية والتنصيبات وغيرها من أعمال فنية تقارب كل منها ثيمة البينالي هذا العام تحت عنوان “رِحالنا”.

نقارب بعض الأعمال المعروضة في ساحة المريجة، ونبدأ من منسوجات الفنانة كلوديا مارتينيز غاراي التي توظف عناصر من الثقافة الأنديزية (نسبة إلى جبال الأنديز التي تشق أميركا الجنوبية). تجسد الفنانة الرؤية الكونية التي كانت لسكان تلك المناطق، ونظرتهم إلى الكائنات والسماء والأرض ووحدة الزمان والمكان.

نرى في عملها الذي يصور حيوان اللاما المحمل بأحمال على ظهره، بينما نجد مربوطة إليه بحبال خشنة العديد من العناصر من البيئة المحلية تلك، نجد نبتة الكاكاو والفراشة والرأس البشري المقطوع وجسدا بشريا وديكا وفلفلا، هكذا يتحول الحيوان المرتبط بشكل وثيق بثقافة تلك المناطق إلى أيقونة رمزية عندها تتجمع عناصر كثيرة من تلك المنطقة تدعو إلى إعادة السؤال عن الخصوصية الثقافية، وكما يقول ويندي فوغل فإن أعمال الفنانة تجمع بين “الشجن والفكاهة”.

عمل آخر لغاراي وهو منسوجة تصور فيها رؤية وجودية في الخلفية الصفراء؛ رجل يمسك حصانا، وفي الأسفل رجلان من السكان الأصليين يمسكان الحبال، وبين اليمين واليسار في تقسيم متواز للمنسوجة رجلان من رعاة البقر يصعد كل منهما على حصان عبر العشب الذي يشق الرجلين، بينما في الأعلى تبدو قائمتا غراب وسلاسل ودم يسيل.

العناصر التي تبدو متنافرة وهي مفردة، تمثل في اجتماعها رؤية متكاملة لثقافة تلك المنطقة وتصوراتها عن الموت والحياة والخصب، بينما يشق واقع آخر ممثلا في الاستعمار تلك الثقافة ويمحو ملامحها.

برعت الفنانة في حياكة العوالم الثلاثة التي تختصر الثقافة الأنديزية، العالم العلوي، والعالم الحي الأوسط، والعالم السفلي، وما يجسده من دلالات الفناء والتحلل.

أما أعمال دانييل بويد، الذي يعد من أبرز الفنانين من الأستراليين الأصليين، فيستعمل من خلالها صورا أرشيفية لجدته ولأمه وله، ويرسم بنمط معقد من النقاط التي يسميها عدسات أو عيونا، ورغم ما تبدو عليه الأعمال للوهلة الأولى من بساطة الفكرة وتعقيد الأسلوب، فإنها تذهب إلى كشف أبعد من الظاهر، في نقد صريح للاستعمار، وتقديم خطاب بديل يقول نحن هنا، أو هذا نحن، بعيدا عن التصورات التي يقدمها المهيمن أو المستعمر للمهيمَن عليه.

وأبدعت الفنانة الكويتية منيرة القديري في الغوص بنا إلى أعماق البحر، حيث يتم التنقيب عن النفط، لتستخرج لنا صدفتين عملاقتين قامت بتشكيلهما من الألياف الزجاجية، تعلقهما بجانب بعضهما، وتنشئ حوارا بينهما نسمعه بصوت رجل.

المثير أن الصدفتين مطليتان بالأحمر ومعروضتان وسط إضاءة حمراء، هل هو لون الخطر أم إحالة إلى طلاء السفن لمنع الصدأ، أو كلاهما، لا يمكن الحسم، لكن الأكيد أن العمل تمكن من إنشاء خطابه الجمالي والفكري، إذ يلامس المتلقي بشيء من التوجس والرهبة، خاصة مع الصوت الذي يتحدث ويروي الحوار في الخلفية.

ونجح الفنان والمخرج والكاتب فيسوانادهان عبر أعماله الشعرية في تجسيد الحركة والإمساك بها وكأنه يمسك بخطى ملونة، ربما استقاها من مسار حياته بصفته رحالة متنقلا بين المدن والأماكن. التجريد في رأيه “شعر متحرر”، هكذا جاءت حركاته الفطرية التي تلتقي فيها الألوان الترابية والنارية مع اللون الأخضر في تفاعل بين الأرضي والروحاني، وهذا ما يخلق موجات من الطفولية من جهة، ومن الترتيب الواعي والرصين من جهة أخرى.

أعمال فيسوانادهان التجريدية توقفك رغما عنك، لتقودك إلى برزخ من العوالم التي تجد نفسك فيها مجردا من قدرتك على الحسم جماليا أو فكريا، منساقا إلى خطى تتقاطع وتتشوش وتنتظم في مسار يفتح مساحة لاسترجاع الذكريات وتحرير الخيال، وبين التذكر والتخيل تناقض نجح الفنان في إلغائه ببراعة.

أعمال فنية تقارب كل منها ثيمة البينالي هذا العام

 

14