رئيس الوزراء اللبناني ماض في تشكيل حكومة كفاءات بعيدا عن تأثير الأحزاب

يبدي رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نواف سلام مرونة في التعامل مع القوى السياسية، لكن من دون أن يعني ذلك التنازل عن المعايير التي وضعها لتشكيل حكومة قوية تحظى بثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي، وتشكل قاطرة إصلاح لما أفسدته المنظومة السابقة.
بيروت - يواجه رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نواف سلام بعض التعقيدات في اختيار فريقه الوزاري، جراء الضغوط التي تمارسها القوى السياسية، لكنه ماض في هدفه لجهة تشكيل حكومة من الكفاءات بعيدا عن تأثيرات الأحزاب.
ويترقب اللبنانيون كما المجتمع الدولي ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة، على أمل أن تكون حكومة إصلاح حقيقية تقطع مع العهد السابق، لكن الأمر لا يخلو من صعوبات حيث تحاول بعض القوى، وفي مقدمتها الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل، التدخل في التشكيل والتمسك بحقائب وزارية معينة على غرار وزارة المالية.
ويرى مراقبون أنه على الرغم من الاستعراضات التي يقوم بها الثنائي ظل في موقع ضعف لا يخول له فرض رؤيته، كما أن المجتمع الدولي حريص هذه المرة على الدفع بحكومة قوية في لبنان، حيث أن الفرصة مواتية داخليا وإقليميا لتحقيق ذلك.
ووجهت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس رسائل إلى سلام تفيد بأن المطلوب تشكيل حكومة تقطع مع المنظومة السابقة.
وقال مستشار ترامب لشؤون لبنان والشرق الأوسط مسعد بولس في حديث لوسائل إعلام لبنانية “إننا نتابع التطورات السياسية في لبنان عن كثب، ونتطلع إلى التغييرات الشاملة.”
وأشار بولس إلى أنه “كما حدث في رئاسة الجمهورية والحكومة، نأمل أن ينعكس ذلك على التشكيلة الحكومية بحيث تعكس الإصلاح المطلوب، وألا يُعاد تعيين من كان له دور في المنظومة السابقة، وذلك من أجل استكمال مسيرة النهوض واستعادة ثقة المجتمع الدولي.”
وكان سلام أعلن عقب اجتماع مع رئيس الجمهورية جوزيف عون الأربعاء عن وضع معايير صارمة لاختيار أعضاء الحكومة الجديدة أبرزها فصل النيابة عن الوزارة والاعتماد على الكفاءات الوطنية العالية، وعدم اختيار مرشحين للانتخابات النيابية أو البلدية وعدم تمثيل الأحزاب في الحكومة.
وأشار رئيس الوزراء المكلف إلى أنه “في الحكومة الجديدة لا توجد وزارة حكرا على طائفة ولا وزارة ممنوعة على طائفة،” مشددا على عزمه اعتماد نهج مرن في التعاطي مع الفرقاء اللبنانيين لتشكيل الحكومة.
وقال إنه “ستكون هناك مرونة في التعامل مع الجميع وأثق في تجاوز الصعوبات وقريبا سنخرج إلى النور بحكومة تحظى بثقة اللبنانيين من أجل انتشال لبنان من أزمته.”
ويرى متابعون أن رئيس الوزراء المكلف أراد من خلال الإعلان عن معايير اختيار فريقه الوزراي توجيه رسالة إلى حزب الله وباقي القوى السياسية تفيد بأنه ليس في وارد القبول بضغوط من أحد، وأن الانفتاح على الجميع ليس ضعفا، وإنما هو حرص على الوحدة والابتعاد عن منطق الإقصاء.
ويشير المتابعون إلى أنه في حال لم تبد القوى السياسية اللبنانية، ولاسيما الثنائي الشيعي، تعاونا فإن سلام سيذهب قدما في رسم شكل وتركيبة الحكومة الجديدة وعرضها على رئاسة الجمهورية، وهو يتسلح في ذلك بدعم من الخماسية الدولية.
ودعا الرئيس اللبناني الخميس السياسيين إلى التنازل قليلا من أجل مصلحة الوطن، قائلا “يجب عدم انتظار تدخل الخارج عند كل استحقاق.”
وأضاف عون، خلال استقباله رئيس طائفة اللاتين في لبنان المطران سيزار أسايان على رأس وفد، أن “هناك الكثير من الفرص التي يجب استغلالها، آملا من السياسيين التنازل قليلا من أجل مصلحة الوطن.”
مراقبون يرون أنه على الرغم من الاستعراضات التي يقوم بها الثنائي الشيعي ظل في موقع ضعف لا يخول له فرض رؤيته
وتابع “العالم يقترب منا دون أن نقوم بالمثل، وإذا لم نكن على قدر المسؤولية فلا يمكننا لوم الآخرين،” مضيفا “علينا أن نظهر للعالم أننا قد أصبحنا على قدر كاف من النضج، وألا ننتظر تدخل الخارج عند كل استحقاق فيما نطالب بعدم تدخل أحد في شؤوننا.”
وشدد الرئيس اللبناني “على أهمية تعبير الناس عن طموحهم وتطلعاتهم من خلال الانتخابات، وأن يشارك الجميع فيها لإيصال صوتهم وإجراء التغييرات التي يرغبون وينادون بها.”
واعتبر الرئيس عون أنه ليس هناك أقلية وأكثرية، بل كفاءات “لأننا نتفيأ جميعا بظل العلم اللبناني،” في موقف يعكس تماهيا مع رغبة رئيس الحكومة في حكومة كفاءات.
وانتخب البرلمان اللبناني في التاسع من يناير الجاري قائد الجيش جوزيف عون رئيسا للبلاد، بحصوله على دعم 99 نائبًا من أصل 128.
وبعد مرور أيام على انتخابه استدعى عون القاضي نواف سلام، رئيس محكمة العدل الدولية، لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد نيله 84 صوتا في البرلمان.
وكان اللبنانيون يأملون في أن يتم تشكيل الحكومة بالنسق السريع ذاته، لكن حرص نواف سلام على التعاطي المرن مع القوى السياسية ومطالبها الكثيرة والمتنافرة أدى إلى التعثر.
ويقول مراقبون إن سلام لن ينتظر طويلا، فهو يدرك أن الوضع الداخلي لا يحتمل المزيد من التأخير، كما أنه يريد إيصال رسائل إيجابية للمجتمع الدولي.
ويستمد سلام قوته أيضا من الشارع اللبناني الذي لا يخفي ارتياحه لتوليه رئاسة الحكومة، على أمل أن يقود قاطرة الإصلاح الحقيقي.
وتجمّع عدد من المواطنين اللبنانيين الأربعاء أمام منزل رئيس الحكومة المكلّف في بيروت لدعمه.
وطالب المواطنون الذين توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية، سلام بعدم الرضوخ لطلبات الأحزاب بتقاسم الحصص في عملية تشكيل الحكومة، كما طالبوه بتأليف حكومة يكون وزراؤها من التكنوقراط ومن غير الفاسدين، بعيداً عن الأحزاب السياسية، في أسرع وقت ممكن.
اقرأ أيضاً: