"حكايات شارع البلدية" رواية تحكي تاريخ "المفرق" بعيون أبنائها

الكتاب يضم 97 فصلا تتنوع خلالها الحكايات بين أهل المفرق الأصليين وأولئك الوافدين الذين استوطنوها من كل البلدان العربية.
الخميس 2025/01/30
استعادة جزء من تاريخ الأردن

عمان - تتحدث رواية “حكايات شارع البلدية” لسمير إسحق عن بلدة المفرق الأردنية منذ خمسينات القرن العشرين حتى اليوم من خلال سرد حكايات عن أبناء البلدة، وكيف كانت الحياة رغم بساطتها هادئة ومطمئنة. ويضم الكتاب، الصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، 97 فصلا، أو مشهدا تتنوع خلالها الحكايات بين أهل المفرق الأصليين وأولئك الوافدين الذين استوطنوها من كل البلدان العربية.

في الفصل الأول من فصول الرواية يصف سمير إسحق بلدة المفرق وحالها حينذاك قائلا “‘المفرق’ في الخمسينات بلدة رائعة؛ فيها من كل بلد عائلة، وكانت حرب فلسطين قد انتهت إلى ما انتهت إليه من خسارة القسم الأكبر منها، جيوش عربية عادت إلى بلادها وقد فشلت في الدفاع والاحتفاظ بفلسطين، فأعلن اليهود إقامة دولتهم على ما احتلوه من مدن وبلدات وقرى فلسطينية فتشرد أهلها، ومنهم من اتجه إلى الأردن أو إلى سوريا ولبنان وبقية الدول العربية، حتى بلدة المفرق سكنها كثير من الفلسطينيين الذين رحلوا عنها قسرا، إذ كان لحرب فلسطين أثرها الفعال في الجيوش العربية التي خسرت تلك الحرب وتراجعت دون أن تحقق أي نصر على العدو.”

ويوضح أنه في مصر شرع الضباط الأحرار في تنظيم أنفسهم من أجل قيامهم بالثورة ضد الملكية، وقد نجحت وتحولت مصر إلى جمهورية بقيادة جمال عبدالناصر، وفي سوريا حدث انقلاب ضد حسني الزعيم، وهناك في العراق المملكة كما في الأردن، يحكم البلدين ملكان هاشميان، ولكن للإنجليز وجود عسكري فيهما، أما السعودية فإن عائلة آل سعود هي التي تحكمها. وكانت هذه هي حالة الأمة العربية في الخمسينات، بعد حرب فلسطين.

الرواية عبارة عن مجموعة من الحكايات من بلدة المفرق بكل ما فيها ومن فيها من أهلها ومن أولئك الذين استوطنوها
◙ الرواية عبارة عن مجموعة من الحكايات من بلدة المفرق بكل ما فيها ومن فيها من أهلها ومن أولئك الذين استوطنوها

ويصف سمير إسحق بلدة المفرق في الخمسينات، وكيف أنها لم تكن بلدة ككل البلدات في الأردن، وإنما حسب قوله كانت لها شخصيتها الخاصة بها، وأنها كانت تتميز عن باقي المدن والبلدات والقرى بأشياء لا تملكها كل هذه المدن والبلدات “إذ كانت المفرق تجمع عائلات من الشمال والجنوب، وكذلك تجمع عائلات من سوريا ولبنان والمغرب وبعض الشركس وأعدادا كبيرة من القبائل، وأهمها قبيلة بني حسن، وكذلك عائلات فلسطينية هاجرت من فلسطين بعد النكبة واستقرت فيها، وكانت تحوي حزبيين من البعث والقوميين العرب والحزب الشيوعي، وجزءا قليلا من حزب التحرير، وبعد الثورة المصرية كان هناك مؤيدون لعبدالناصر من الجيل الجديد.”

ومن خلال الحوار الدائر بين اثنين من أهالي البلدة في الفصل الثاني يستعرض المؤلف أبعاد القضية الفلسطينية في الشارع الأردني، ونظرة الناس إليها، ومدى تعاطفهم مع أبناء الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه يلمح بذكاء إلى قدر بلدة المفرق أن تكون ملتقى الأشقاء العرب، بل وغيرهم أحيانا، يقول سمير إسحق “سكن المفرق في ذلك الزمان الكثير من العائلات والشخصيات ممن أحبوها، فهناك السوري والمغربي والشيشاني والفلسطيني، وهناك من لبنان بعض العائلات، وهناك قبيلة بني حسن كذلك، ومن قرى وبلدات الأردن هناك من الشمال والجنوب عائلات عديدة، فالمفرق الصحراوية ذات مناخ رائع مع أنها بلدة صحراوية، فلم تكن أراضيها زراعية إلا القليل منها، وكان يزرع بها القمح والشعير والسمسم، وكانت المياه تأتيها بسيارات من الجيش توزع على الأهالي، كما أن بها بئر ماء لأبي شفيق يوزع الماء على الأهالي أيضا.”

يضفر الكاتب أحوال الوطن العربي الكبير وأحداثه على ألسنة الشخوص الذين اختارهم ليكونوا بمثابة أيقونات فقط للحكايات، بحيث يمكن للقارئ استبدال الأسماء مع انطباق الوصف على جميع أهالي المفرق تقريبا في ذلك الوقت، حتى إنه في بعض المواضع لم يختر لشخوصه أسماء محددة.

يقول سمير إسحق في الفصل التاسع “كان صاحب المكتبة يتحدث إلى بعض الشباب بلهجة المتشائم: يا شباب، الطريق إلى الحرية طويل، لن يهدأ الاستعمار أبدا، سيظل هو العثرة الأساسية لكل عمل وحدوي في البلاد العربية، لن تكون هناك دولة عربية في مأمن من ضربات الغرب ومؤامراته التي لا تنتهي. فيرد عليه أحد الشباب: وما العمل؟ وكيف ستواجه شعوب المنطقة هذه الهجمة الاستعمارية وهناك إسرائيل التي تنتظر الفرصة لتتوسع على حساب الأرض العربية؟ ويرد عليه صاحب المكتبة: بالوعي والتمسك بالمبادئ العربية وتفهم الواقع العربي، وكذلك بالعلم والثقافة والدراسة.”

وفي الفصول الأخيرة ينهي المؤلف روايته بتحديد مواقف بعض الشخصيات، تاركا نهايات بعض القصص مفتوحة، وكأنها مستمرة ما استمرت الحياة. حكايات شارع البلدية هي حكايات بلدة المفرق بكل ما فيها ومن فيها؛ من أهلها ومن أولئك الذين استوطنوها من البلدان الأخرى. ومن الجدير بالذكر أن سمير إسحق ولد في يافا عام 1944، ويعيش في الولايات المتحدة حاليا. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وصدرت له عدة روايات ومجموعات قصصية.

12