تقدم الجيش لا يغير معادلة الحرب والسلام في السودان

الحسم العسكري والمفاوضات خياران بعيدان عن البرهان.
الأربعاء 2025/01/29
جنون الحرب

يسوّق الجيش السوداني أن الأمور تتجه نحو حسم عسكري قريب على قوات الدعم السريع، لكن الوضع الميداني يوحي بخلاف ذلك، وأن الحرب الدائرة في السودان قد تستغرق سنوات، في غياب الإرادة لتسوية سياسية.

الخرطوم - أحرزت قوات الجيش السوداني بعض التقدم في أجزاء من العاصمة الخرطوم، بعد أكثر من عام ونصف العام على معارك ضارية مع قوات الدعم السريع التي تمكنت من السيطرة على عدة مناطق حيوية في الخرطوم إبان اندلاع النزاع في منتصف أبريل 2023.

وجرى تسويق تقدم الجيش على أنه بداية نهاية الحرب لصالحه، بينما الواقع يشير إلى أن المعارك قد تمتد إلى فترة طويلة، ومن الصعب حسمها عسكريا على ضوء المعارك الأخيرة، كما أن العودة إلى المفاوضات تحتاج إلى حدوث تغير في الحسابات السياسية داخل الجيش. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الاثنين، إن الهجمات المتزايدة في السودان حرمت الملايين من الحصول على المياه النظيفة والكهرباء في جميع أنحاء البلاد.

وتجاهل الجيش دعوات وجهتها منظمات وجهات عدة للعودة إلى طاولة التفاوض، وبدا قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مصمما على تحقيق نجاح عسكري، دون النظر إلى التبعات القاسية، وهو لا يزال أسيرا لتوجهات الحركة الإسلامية التي ترى في الحل السياسي هزيمة، حيث يقود إلى إبعادها عن السلطة، ما يجعل جولات الكر والفر مع الدعم السريع مستمرة دون تحقيق نصر حاسم.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأطراف المتصارعة إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وطالب بإجراء حوار عاجل لوقف فوري للأعمال العدائية وتجنيب المدنيين المزيد من الأذى، والحل المستدام يتحقق عبر عملية سياسية.

كمال بولاد: المرحلة تستوجب فتح الطريق لعملية سياسية شاملة
كمال بولاد: المرحلة تستوجب فتح الطريق لعملية سياسية شاملة

وما يبرهن على أن التطور العسكري الحالي لن يغير في معادلة الحرب أن أهداف الجيش لا تتقاطع مع رؤى المجتمع الدولي الداعي لإيجاد حل سلمي في السودان، وأن القضاء على قوات الدعم السريع الذي يريده البرهان أمنية بعيدة المنال، وقد يستمر القتال سنوات ولا يتحقق ذلك، في حين أن آثار الحرب الكارثية على دول الجوار وأمن البحر الأحمر تفضي إلى زيادة الضغوط على الجيش للاستجابة للحل التفاوضي.

ومن الخطأ أن يعول الجيش على إلحاق هزيمة بقوات الدعم السريع، حيث تملك أوراقا تمكنها من استمرار السيطرة في غالبية ولايات إقليم دارفور، فضلا عن شمال كردفان، وهناك حواضن شعبية وسياسية تشكل عائقا لخطط الجيش.

كما أن مكاسب الجيش العسكرية مؤخرا ربما تساهم في خلق توازن نسبي للعودة إلى طاولة التفاوض تحت مبدأ “لا غالب ولا مغلوب في الحرب”، لكن البرهان يرغب في الوصول إلى نصر عسكري واسع، وهو ما يصعب حدوثه في ظل امتلاك قوات الدعم السريع لمعدات تمكنها من مواصلة الحرب بوتيرة جيدة، وانتظار حدوث ضغوط خارجية على قيادة الجيش تجبرها على الاستجابة للحوار والوفاء بمتطلباته.

ويشير مراقبون إلى أن الطريق قد يكون ممهدا مع وجود إدارة أميركية جديدة تريد تقويض أيّ قوة حالية أو محتملة على البحر الأحمر لروسيا وإيران.

وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تعيين بيتر لورد مبعوثا خاصا مؤقتًا إلى السودان خلفا لتوم بيريلو الذي أنهى مهمته في يناير الجاري، ويتمتع المبعوث الجديد بخبرة واسعة في فض النزاعات وإدارة الأزمات ومكافحة التنظيمات المتطرفة والكيانات الخارجة عن القانون، وقد يكون أكثر خشونة من سلفه الذي فشل في دفع الجيش لمباحثات جنيف التي رعتها بلاده في أغسطس الماضي.

وقال عضو تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) كمال بولاد إن التفوق العسكري للجيش، إذا لم يكن مصحوبا بتغيير في الرؤية والتوجه نحو الحل السياسي لن يغير تقدمه شيئا في معادلة الحرب والسلام، وإن السودانيين يأملون أن يقود التقدم لتحول في موقف قيادة الجيش وإدارة حوار جدي مع قيادة الدعم السريع.

وأوضح بولاد في تصريح لـ”العرب” أن المرحلة الحالية تستوجب بحث جذور الحرب وأسبابها، وكل الحروب السابقة في السودان، والانطلاق نحو حوار يفضي إلى وقف إطلاق النار وفتح الطريق لعملية سياسية شاملة تشارك فيها القوى المدنية بمختلف مشاربها، وتمضي على خطى ما جرى بعد ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام عمر البشير، وتشكيل جيش مهني وطني غير مسيس وبناء ما دمرته الحرب.

كمال إسماعيل: لن يستطيع أي طرف أن يحقق انتصارا حاسما على الآخر
كمال إسماعيل: لن يستطيع أي طرف أن يحقق انتصارا حاسما على الآخر

وتتعارض تلك الرؤية مع ما قاله الجنرال البرهان، الأحد، من أن السودان سيكون خاليًا قريبًا من “المتمردين” (في إشارة إلى قوات الدعم السريع)، ولا تفاوض ولا صلح مع من وقفوا مع “التمرد”، في إشارة إلى القوى السياسية التي لم تؤيد الجيش في معركته.

وأعلن الجيش السوداني سيطرته الكاملة على مصفاة الخرطوم بمنطقة الجيلي، التي تقع على بعد نحو 70 كيلومترًا شمال الخرطوم، وهي المصفاة الرئيسية للنفط، وظلت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ نشوب الحرب في منتصف أبريل 2023.

وسبق هذا التقدم فك الجيش الحصار عن مقر قيادته العامة في الخرطوم الذي فرضته قوات الدعم السريع، بعد أن طوقته منذ اندلاع الحرب، وكسرت عناصر الجيش حصار الدعم السريع لقاعدة سلاح الإشارة في الخرطوم بحري. لكن قوات الدعم السريع نفت في بيان رسمي تحقيق الجيش أيّ تقدم، واصفة المعلومات بأنها مجرد “رفع للروح المعنوية” لعناصره.

وأكد اللواء السابق في الجيش السوداني كمال إسماعيل أن الحرب لن تنتهي سوى بجلوس طرفي الصراع إلى طاولة التفاوض، ولن يستطيع أيّ طرف أن يحقق انتصارا حاسما على الآخر، ووجود الجيش في الخرطوم يقابله أيضا وجود مماثل لقوات الدعم السريع، وهناك سلاح منتشر بين المواطنين والجماعات المسلحة لا يوحي بإمكانية حسم الحرب عسكريا، ما يجعل السودانيين يتخوفون من العودة مرة أخرى مع أن الآلة الإعلامية للجيش تسوّق لوجود مناطق مستقرة بعد تحريرها.

وذكر إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن الجيش في وضعية سانحة لتحسين موقفه التفاوضي شريطة أن يتخلى عن قناعاته بوجوب الاستمرار في الحرب، كما أن قوات الدعم السريع يمكن أن تذهب إلى المفاوضات حال كانت هناك ضغوطات حقيقية على الطرفين وتدخل دولي أكثر صرامة يمهد لعملية سياسية.

وأشار إلى أن الحديث عن حكومة شرعية تتبع هذا الطرف أو ذاك لا يصاحبه تأييد شعبي، بالتالي لا مفر من أن تأتي حكومة تمثل كل أطياف الشعب السوداني مدعومة بسلام كامل، وتؤسس لبنية تحتية قوية، وتعالج المظالم الاجتماعية.

2