التوتر بين باريس والجزائر يمتد إلى الاتحاد الأوروبي

الجزائر - شن البرلمان الجزائري هجوما حادا على البرلمان الأوروبي بعد أن دعا إلى الإفراج عن عدد من معتقلي الرأي، معتبرا أنه “تدخل أجنبي في الشأن الداخلي” للبلاد، ويعتبر هذا التوتر امتدادا لتشنج العلاقات بين باريس والجزائر والتي كان ملف المعتقلين أحد أسبابه، فيما تلوح الإجراءات الاقتصادية في الأفق.
وأدان البرلمان الجزائري بغرفتيه (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني) الاثنين، لائحة البرلمان الأوروبي معتبرا أنها تضمنت “مغالطات الغرض الوحيد منها التهجم على الجزائر ومؤسساتها”. واتهم اليمين الفرنسي بـ”الوقوف وراءها”.
وصوّت غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي الخميس الماضي على قرار يدعو إلى إطلاق سراح الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال، الموقوف في الجزائر منذ منتصف نوفمبر الماضي، إلى جانب ناشطين آخرين.
وندد البرلمان الأوروبي بـ”توقيف واحتجاز بوعلام صنصال”، وطالب بـ”الإفراج الفوري وغير المشروط عنه”. كما “دان توقيف جميع النشطاء الآخرين والسجناء السياسيين والصحافيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، وغيرهم من المعتقلين أو المدانين لممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير” في الجزائر.
وأثارت هذه الدعوة غضبا واسعا في الجزائر خصوصا أن قضية المؤثرين والإعلاميين الجزائريين كانت في صميم معركة كلامية مع باريس.
واستمر التوتر بالتصاعد، إذ ذكرت وسائل إعلام رسمية جزائرية أن وزارة الخارجية استدعت الثلاثاء السفير الفرنسي لدى الجزائر للاحتجاج على ما وصفته بالمعاملة “الاستفزازية” لمواطنيها في مطارات باريس. وقالت في بيان "الجزائر تتابع بقلق بالغ شهادات متطابقة لعدد من المواطنين الجزائريين حول المعاملات الاستفزازية والمهينة والتمييز الذي تعرضوا له من قبل شرطه الحدود في مطاري شارل دو جول وأورلي".
وعبّر البرلمان الجزائري عن “استنكاره” للتوظيف “المشين لهذه القضية في التهكم على استقلالية العدالة ومؤسساتها السيادية التي تقوم على ركائز الديمقراطية الحقة”. واعتبر أن نظيره الأوروبي اعتمد على مصادر “مشبوهة ومجردة من كل مصداقية، متجاهلا التوضيحات التي قدمتها السلطات الجزائرية”.
وأشار إلى أن اللجنة المشتركة بينهما، هي “الفضاء الأنسب لمناقشة كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك حقوق الإنسان”.
ويأتي بيان البرلمان الجزائري بعد ساعات قليلة على إعلان الرئيس عبدالمجيد تبون في اجتماع لمجلس الوزراء أن الجزائر تطالب بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي يقوم “على مبدأ رابح – رابح” دون نية في دخول نزاع مع الأوروبيين.
وجاء في بيان نشر مساء الأحد أن “مراجعة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ليست على خلفية نزاع إنما دعما للعلاقات الطيبة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي كشريك اقتصادي ترتكز على مبدأ رابح – رابح”.
وأضاف أن “التوجه نحو مراجعة هذا الاتفاق تفرضه معطيات اقتصادية واقعية إذ منذ دخوله حيز التنفيذ في 2005 كانت صادرات الجزائر تعتمد أساسا على المحروقات”. وأوضح “بينما اليوم تنوعت وتوسعت صادراتنا خارج المحروقات لاسيما في مجال الإنتاج الفلاحي والمعادن والإسمنت والمواد الغذائية وغيرها”.
البرلمان الأوروبي ندد بتوقيف واحتجاز بوعلام صنصال، وطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه
ومنتصف يونيو، أعلنت بروكسل أنها فتحت إجراء لتسوية النزاعات مع الجزائر المتهمة بتقييد منذ 2021 صادرات الاتحاد الأوروبي واستثماراته في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا ودعت إلى إجراء مشاورات مع السلطات.
واعتبر الاتحاد الأوروبي أن التدابير التقييدية التي اتخذتها الجزائر تنتهك التزاماتها بموجب اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر.
ووقّع الاتفاق عام 2002 ودخل حيز التنفيذ عام 2005 ويضع إطارا للتعاون في كل المجالات، بما فيها التجارة.
وبعد نحو 20 عاما على الاتفاق، خلصت الجزائر إلى أن خسائرها هائلة، مقارنة بما يجنيه الاتحاد الأوروبي من أرباح، لأنه لا يتم تطبيق الاتفاق الذي ينص على التبادل التجاري الحر.
وترى الجزائر أن الاتحاد الأوروبي اتخذ من البلاد متجرا لتسويق منتجاته، بينما تُمنع المنتجات الجزائرية من دخول السوق الأوروبية بسبب عراقيل فنية وإدارية.
واعتبر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في مؤتمر صحفي نهاية ديسمبر الماضي، أن اتفاق الشراكة الراهن “بمثابة أصفاد ضخمة في أرجل الاقتصاد الجزائري.” وتابع عطاف “لدينا مآخذ على شركائنا الأوروبيين الذين يرون أن الاقتصاد متوقف سنة 2005، وأن التطور الصناعي للبلاد يمثل إخلالا بالاتفاقية.”
واستدل بـ”منع الاتحاد الأوروبي دخول الصلب الجزائري إلى أسواقه، بمبرر استنفاد حصص الجزائر التي خصصت في وقت كانت لا تنتج فيه هذه المادة.”
بيان البرلمان الجزائري الغاضب يأتي بعد ساعات قليلة على إعلان تبون مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي
وأشار إلى أن فرض بروكسل ضريبة على الكربون سيمنع الكثير من الصادرات الجزائرية من الدخول، وقدَّم أرقاما تثبت أن “الاتفاقية ليست لصالح الجزائر، ومضرة.”
وأفاد بأن “بين 2005 و2023 كانت قيمة التجارة بين الجانبين نحو 1000 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الاستثمارات الأوروبية في الجزائر 13 مليار دولار.” وأوضح أن “منها 12 مليار دولار تعود للجانب الأوروبي ضمن ما يسمى تحويل للأرباح، ليبقى للجزائر 1 مليار دولار فقط.”
وأكد أن لهذه الأسباب أمر الرئيس تبون بمراجعة الاتفاق “بندا بندا، لأنه ليس في صالح الجزائر ولا في صالح الاقتصاد الجزائري.”
وقال المحلل الاقتصادي صالح سليماني إن “الاتفاق كان في صالح الاتحاد الأوروبي، والجزائر من حقها أن تعيد النظر فيه جذريا، فهو غير عادل وغير مجد وأضر أكثر مما نفع، والاتحاد الأوروبي يعلم ذلك.”
وأضاف أن “الاتفاق تم التفاوض عليه بشكل سيء من قبل الجزائر سنة 2002، حين خرجت لتوها من أزمة أمنية مرهقة أواخر التسعينات.”
واستطرد “كان اقتصادها ضعيفا ولم يعطها قدرة تفاوضية، ولم تكن في موقع قوة لتفرض شروطا، فكان الاتفاق في صالح الاتحاد الأوروبي. ويومها لم يتجاوز الناتج المحلي للجزائر 500 مليون دولار خارج المحروقات، وإلى غاية 2017 اكتفت بتصدير 15 مليار دولار مقابل حوالي 600 مليار دولار صادرات للاتحاد الأوروبي باتجاه الجزائر.”
تصويت البرلمان الأوروبي لا يعتبر سابقة في تاريخ علاقاته ومواقفه من القضايا الداخلية للجزائر
وأضاف أن الجزائر ظلت بموجب اتفاق الشراكة “عبارة عن منفذ للسلع الأوروبية، وحتى المساعدات المالية الأوروبية الموجهة لدعم وإعادة تأهيل المؤسسات، كان يستولي عليها الخبراء الأوروبيون الذين يقدمون المساعدات التقنية.”
ولفت إلى “التركيز المفرط على الشق التجاري للاتفاق، بينما توجد محاور إنسانية، إذ ينص صراحة على تحقيق تنقل حر للأشخاص بين الطرفين، لكن هذا الجانب لا يأتي على ذكره أبدا ويتم فرض التأشيرة بشروط صارمة على الجزائريين.”
من جهته، يرى الخبير في التجارة الخارجية نبيل جمعة أن الجزائر يجب أن تعيد التفاوض بالشكل الذي يسمح بتحقيق “شراكة متكافئة ومستدامة بين الطرفين.”
وقال جمعة إن الميزان التجاري مختل بشكل كبير لصالح الاتحاد الأوروبي، “فصادرات الجزائر نحو أوروبا تبلغ 150 مليار يورو خلال 15 سنة، وكلها محروقات، بينما صادرات بروكسل باتجاه الجزائر 500 مليار يورو خلال الفترة ذاتها.”
وحث جمعة الحكومة الجزائرية على وضع قيود على الواردات الأوروبية التي تضر باقتصاد البلاد، مع تحفيز الاستثمار الأوروبي في الصناعات الإنتاجية وتحويل التكنولوجيا. ولفت إلى أن أغلب هذه النقاط منصوص عليها بالفعل في اتفاق الشراكة الراهن، لكن الاتحاد الأوروبي أخل بها.
ولا يعتبر تصويت البرلمان الأوروبي سابقة في تاريخ علاقاته ومواقفه من القضايا الداخلية للجزائر.
وأصدر البرلمان في نهاية 2020 لائحة حول حقوق الإنسان، وذلك بعد سنة على تولي عبدالمجيد تبون مقاليد الحكم في البلاد، تطرق فيها إلى “تدهور وضع حقوق الإنسان في الجزائر”.
ولفت الانتباه إلى قضية الصحافي المعتقل، وقتها، خالد درارني الذي صدر الحكم بحبسه لمدة عامين في الخامس عشر من سبتمبر 2020، وأفرج عنه لاحقا.
كما سبق للبرلمان الأوروبي أن أصدر لائحة سياسية في ديسمبر 2019، دعا فيها إلى “إنهاء الأزمة السياسية في الجزائر من خلال إطلاق عملية سياسية سلمية وشاملة.”
كما ندد بما وصفه بـ”الاعتقالات التعسفية وغير القانونية لمتظاهرين وصحافيين وطلاب وناشطين شاركوا في الحراك الشعبي.”