مراجعة المعارضة لثورة يناير مدعاة قلق للسلطة في مصر

تتسع الفجوة بين السلطة وقوى المعارضة الرئيسية في مصر بعد فشل الحوار الوطني وانسحاب الأخيرة منه، وتوظف قوى المعارضة الذكرى الرابعة عشرة من ثورة يناير للدفاع عن وجودها ومحاولة إثبات الذات، لكن مراقبين يرون أن تلك القوى ليست بقادرة على إحداث التغيير الذي تنشده.
القاهرة- بعثت مراجعة أقدم عليها حمدين صباحي، وهو مرشح رئاسي سابق، بشأن مواقفه السياسية منذ اندلاع ثورة يناير قبل أربعة عشر عاما، برسائل إلى النظام المصري، مفادها أن المعارضة لن تستسلم لفكرة فشلها، وأن محاولات إنجاحها سوف تستمر، ما يتناغم مع مواقف اتخذتها الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة.
ويعد صباحي من أبرز قيادات الحركة المدنية في الفترة الماضية، وكانت الحركة صعّدت في الآونة الأخيرة من ضغوطها للإفراج عن المحبوسين، ورفضت التنسيق مع الحكومة في الانتخابات النيابية المقبلة.
وقال حمدين صباحي في مقال كتبه على موقع “المنصة” بالتزامن مع الذكرى الرابعة عشرة لخروج المصريين ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، إن “ثورة يناير لم تكتمل، ولم تنتصر لكنها لم تُهزم. لقد انكسرت وانتكست وحُوصرت وانحسرت وشُوّهت وسُرقت ولاقت من صنوف التنكيل ما يشفي غليل الكابوس في انتقامه من الحلم.”
وأضاف “اللي (الذي) انكسر يتصلّح” كما تقول حكمة شعبية بسيطة عميقة تُلهم أولياء الحلم في مواجهة “اللي انكسر عمره ما يتصلح” التي يتسلح بها “مروجو الكابوس”، في إشارة إلى أن محاولات الفعل الثوري باقية بعد أن جرى الاستسلام بأن موجة 30 يونيو التي أطاحت بجماعة الإخوان، كانت ثورة تصحيحية بعد أن مكنت الأولى الجماعة من الوصول إلى السلطة.
لا تنفصل مراجعة السياسي المصري عن حالة التباعد بين السلطة والمعارضة التي تشكل الحركة المدنية الجزء الأكبر منها، منذ أن انسحبت الأخيرة من الحوار الوطني، واتخاذ الحكومة إجراءات تصعيدية ضدها تمثلت في توجيه اتهامات إلى يحيي حسين عبدالهادي أحد أبرز مؤسسيها بالانتماء إلى جماعة إرهابية (الإخوان)، وصدور حكم قضائي ضد المعارض أحمد طنطاوي بحسبه لمدة عام في القضية المعروفة بـ”تزوير توكيلات شعبية” أثناء إجراءات ترشحه لانتخابات الرئاسة الماضية.
وتنذر مراجعة صباحي بالمزيد من التباعد بين النظام المصري وطيف مهم في المعارضة، وأن توقيت الإفصاح عنها يعبّر عن أنها جزء من الأدوات التي تحاول المعارضة الإمساك بها في مواجهة السلطة، فالتذكير بالحالة الثورية يحظى بحساسية لدى دوائر رسمية تتعامل معها باعتبارها أحد مهددات الاستقرار الداخلي.
كما أن عدم وجود أدوات شعبية يمكن أن توظفها المعارضة لمواجهة السلطة يجعلها ترتكن إلى مثل هذه الخطابات وتنتظر مآلات لتفاعلات شعبية حولها.
وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة محمد سامي إن خطاب صباحي يرتبط بسياق المواقف السياسية التي اتخذتها الحركة المدنية مؤخرا، وأن المراجعة بوجه عام تشير إلى أن عام 2011 جاء بتحديات جديدة وغير مسبوقة للقوى الوطنية، وأن الخبرات في ذلك الحين لم تكن ترقى كي تتفاعل مع خروج نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك من السلطة، ولم تتبلور رؤية محددة، وبعد 14 عاما يمكن تحليل الحدث على نحو أكبر لماذا فشلت المعارضة وتسليط الضوء على الدروس لعدم تكرارها في المستقبل.
وأوضح سامي في تصريح لـ”العرب” أن ما وصلت إليه أوضاع المعارضة المدنية لا ينفصل عن التطورات التي مرت بها منذ اندلاع ثورة يناير وما تبع ذلك من اتّباع تنظيم الإخوان سياسة التمكين للهيمنة على السلطة والاعتماد على المغالبة التي كانت سائدة في جميع مواقفها السياسية قبل رحيل مبارك، وأن تشكيل جبهة الإنقاذ التي قادت لإسقاط حكم الإخوان والخروج في ثورة 30 يونيو 2013 كان بداية لمرحلة جديدة للمعارضة المدنية قبل أن تدخل المؤسسة العسكرية للتعاون مع القوى المدنية لترتيب المرحلة الانتقالية مع تولي رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور حكم البلاد ونهاية بوضع دستور.
وشدد سامي على أن السياقات استمرت بشكل طبيعي إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية التي قادت إلى وصول عبدالفتاح السيسي لحكم البلاد عام 2014، ومع اشتداد موجات الإرهاب ومحاولات الإخوان لإدخال البلاد في فوضى جرى الانقضاض على مكاسب القوى المدنية وتحميلها جزءا من تبعات الإرهاب.
ولم تكن مراجعة صباحي هي الأولى التي قدم فيها نقدا لتجاربه الشخصية والقوى السياسية المدنية، إذ سبقت ذلك مراجعة جرى نشرها بصحيفة “الشروق” (الخاصة) قبل عشر سنوات ارتبطت على نحو أكبر بما حدث في ثورة 30 يونيو وتحدث فيها عن أن الشعب هو من أنقذ البلاد والمؤسسة العسكرية من حكم الإخوان.
وذكر محمد سامي في حديثه لـ”العرب” أن المعارضة يصعب اختزالها في الأحزاب فقط أو مكونات الحركة المدنية، وحال جرى توسيع القاعدة فهناك كمّ هائل من أصحاب الخبرات والانتماءات لديهم رؤى مغايرة عن التي تلك تطرحها الحكومة للمستقبل، وهؤلاء يصعب حسبانهم على المعارضة التقليدية، لكنهم يمنحون الأمل في التغيير.
ووجه صباحي نداء إلى المعارضين من الشباب، وعبّر عنهم بنموذج القيادي بحزب تيار الكرامة حسام مؤنس الذي جرى إطلاق سراحه كبادرة حسن نوايا من السلطة للمعارضة أثناء الدعوة لإطلاق الحوار الوطني، ما يشير إلى أن خطاب المعارضة سيوجه إلى تيارات شبابية يمكن توظيفها لإحداث حراك سياسي.
عدم وجود أدوات شعبية يمكن أن توظفها المعارضة لمواجهة السلطة يجعلها ترتكن إلى مثل هذه الخطابات
وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن فكرة المراجعة مقبولة ومطلوبة ويجب ألاّ تكون على المستوى الشخصي بل في التقييم الذي يخص الزمان والمكان ويرصد الظروف وطبيعة تكوينات القوى السياسية والظرف الاجتماعي المصاحب للثورة، وتقييم صباحي يبدو أقرب إلى الذاتية من الموضوعية وحديثه عن ترشحه للانتخابات الرئاسية مدخل ذاتي أكثر من تركيزه على التقييم الموضوعي للظرف السياسي.
وأكد أسعد في تصريح لـ”العرب” أن صباحي المقتنع بأن الثورة لم تنته وإنما تعرضت لانتكاسة لم يوضح ما إذا كان هناك تنظيم ثوري يستطيع أن يستكملها من عدمه، وأن شعار “الثورة لم تمت” يتواجد طول الوقت طالما أن هناك ظرفا موضوعيا باعتبار أن ذلك طبيعة إنسانية للبحث عن الأفضل، لكن المعارضة لا تمتلك الأدوات التي تجعلها قادرة على تحويله إلى فعل.
ولم يتحدث صباحي عن الإصلاح وركز على أن التغيير من خلال الثورة، وهناك فارق بينهما، فالإصلاح قد لا يترتب عليه إسقاط النظام ومع اعترافه بعدم وجود بديل حاليا، كما أن السياق السياسي يتنافى مع ما ذهب إليه صباحي، في حين أن المعارضة والنظام معاً في حاجة إلى إعادة صياغة تحالف 30 يونيو برؤية جماهيرية وشعارات إصلاحية وفقا لأجندة يتوافق عليها الجميع دون الاتجاه نحو البحث عن بديل فوضوي.