مجلس الإعلام المصري يقرر محاربة الإعلانات المضللة بنظام "تأجير الهواء"

القاهرة - استيقظ مجلس الإعلام المصري أخيرا، وقرر محاربة الإعلانات المضللة التي تغزو بعض القنوات الفضائية وتتسلل إلى برامجها، ووضع حدا لبث أيّ محتوى ترويجي لأغذية أو أدوية أو وصفات طبية تؤثر سلبا على حياة الجمهور من دون الحصول على ترخيص مسبق قبل العرض على الجمهور، بالاتفاق مع الجهات المختصة، في خطوة تمهد الطريق للقضاء على فوضى الإعلانات.
واعتادت بعض البرامج التلفزيونية التي تُقدم على شاشات مصرية تحقيق عوائد مالية ضخمة من خلال الإعلان عن سلع ومنتجات مجهولة مستغلة غياب الرقابة بدعوى أنها لا تخضع لمسؤولية القناة، كون الكثير من هذه البرامج تقدم بنظام “تأجير الساعات”، أو ما يعرف بـ “تأجير الهواء”، الذي أصبح جزءا رئيسيا من الخارطة البرامجية في بعض القنوات المصرية.
وهناك شركات متخصصة في إنتاج البرامج المؤجرة من الفضائيات لما تحققه من عوائد مالية لا تتوافر في برامج أخرى، بفعل عملها بنظام تأجير الهواء، وفيها يتم ظهور المذيع/المذيعة نظير مقابل مادي معين، حيث تحقق أرباحا كبيرة، لكن تظل المشكلة في عدم وجود رقابة أو سيطرة عليها من قبل المسؤولين في القناة أو الهيئات المخول لها إدارة المنظومة الإعلامية، ما أدى إلى فوضى في بث الإعلانات.
واتفق مجلس تنظيم الإعلام مع الهيئة القومية لسلامة الغذاء على وضع ضوابط وآليات للإعلانات الخاصة بالمنتجات الغذائية والمكملات لمواجهة الخادع، إذ توجه رسائل مضللة وتروج لمنتجات غير صحية أو مقلدة، مع عدم إذاعة أيّ إعلان إلا إذا ذُكر فيه الرقم التوثيقي والترخيص الحاصل عليه المنتج من الهيئة القومية لسلامة الغذاء.
وأعلن المجلس عن قرارات جديدة سوف تصدر خلال الفترة المقبلة، تتعلق بعدم نشر أو إذاعة إعلانات الأدوية إلا بعد الحصول على موافقة المجلس والهيئة المختصة بالدواء في مصر، مع اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، سواء أكانت برامج تلفزيونية أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لمواجهة ظاهرة إعلانات الأدوية المضللة والمهربة وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي.
وقرر المجلس بالتعاون مع جهاز حماية المستهلك الوقف الفوري للإعلانات المخالفة لقيم وتقاليد المجتمع، والمسابقات التي تتم دون الحصول على إخطار جهاز حماية المستهلك، بما يحمي الجمهور من الخديعة والتضليل من جانب أيّ منبر إعلامي، مع الفحص المسبق لكل مسابقة يتم الإعلان عنها بأيّ وسيلة إعلانية للتأكد من صحتها.
وانعكس تركيز البرامج المدفوعة أو المؤجرة التي تتخللها الكثير من الإعلانات الترويجية على جودة المحتوى المقدم إلى الجمهور، حيث تركز على الجانب الدعائي من دون أن تساهم في تقديم خدمة ثقافية أو توعوية للمواطنين، وغالبا ما يتم استغلال حالة الأمية المجتمعية أو مصداقية القناة نفسها، للبحث عن أكبر قدر ممكن من العوائد المالية ولو ببث إعلانات زائفة.
ومع الوقت تحولت الإعلانات الترويجية في برامج ساعات الهواء إلى تجارة مشتركة بين بعض الفضائيات الباحثة عن المال لتعويض جزء من خسائرها وبين الشركات المنتجة لتلك البرامج بما يحقق المنفعة للطرفين، ومع كثرة ظهور سلع ومنتجات مجهولة المصدر تدخّل مجلس تنظيم الإعلام عقب تعدد شكاوى الجهات المسؤولة عن رقابة السوق.
كما أن استفاقة مجلس تنظيم الإعلام لمحاربة الإعلانات الوهمية تمثل ضربة موجعة لبعض الفضائيات التي اعتادت استغلال غياب الرقابة بتأجير الهواء لشخصيات مجهولة أو مغمورة، واستفادت من عدم تطبيق القواعد المنظمة للعمل الإعلامي، فلا توجد معلومات كافية عن الراغبين في الظهور مقابل دفع أموال.
وعلى مستوى ضيوف تلك البرامج، فإن التحذيرات التي أطلقها مجلس الإعلام قد تمنع تسلل بعض الشخصيات من خلال برامج مؤجرة بطرق ملتوية، عبر استغلال ارتفاع نسبة الأمية وبحث بعض المشاهدين عن حلول لمشكلاتهم الصحية والنفسية والاجتماعية، وبينهم من يتعامل مع الشخصيات والمنتجات والسلع التي يروجون لها، وكأنها المنقذ بالنسبة إليهم.
بعض البرامج التلفزيونية اعتادت تحقيق عوائد مالية ضخمة من خلال الإعلان عن سلع ومنتجات مجهولة مستغلة غياب الرقابة
وبلغ الأمر حد وجود سماسرة عند بعض القنوات الفضائية في مصر، تتم الاستعانة بهم كوسطاء بين البرامج والشخصيات الراغبة في الظهور بمقابل مادي للترويج لأدوية ومنتجات وإطلاق مسابقات، وحصولهم على نسبة من القيمة المالية التي سيتم دفعها، مع عدم وجود معايير حاكمة لسياسة تأجير الهواء في بعض القنوات.
ويعتقد خبراء في مجال الإعلام أن ظاهرة الإعلانات المضللة على بعض الفضائيات، والترويج لسلع ومنتجات غير مرخصة، نتاج طبيعي لفوضى تأجير البرامج ووصول الإعلام إلى مرحلة متدنية في الفوضى بشكل جعل الجمهور يرتبك في تحديد البوصلة، ولا يستطيع التفرقة بين المادة التحريرية الجادة والإعلانية الزائفة، حيث يتم تقديمهما عبر برامج تتجاهل قيمة التوعية.
وتزداد المعضلة عندما يتعمد بعض ضيوف ومقدمي برامج الشهرة مقابل المال، إثارة الضجيج ولفت انتباه الناس إليهم بادعاء امتلاك الحل السحري لحل أيّ مشكلة أو مرض مزمن، والترويج لسلع ومنتجات خارقة في غياب رقابة الجهات المختصة، وقد تتم الاستعانة بشخصيات عامة للتحدث عن مزايا المنتج المجهول لزيادة المبيعات.
وأكد الخبير الإعلامي محمد شومان أن تدخل مجلس الإعلام لضبط المشهد الإعلاني ضرورة لمنع كل تضليل يقع على الجمهور، لأنه يثق بالقناة الفضائية أو لا يجيد التفرقة بين ما هو صواب وخطأ، ويجب وضع ضوابط صارمة لظاهرة تأجير الفقرات لأنها حولت بعض الشاشات إلى محتوى دعائي يفتقد إلى المعايير المهنية المطلوبة.
وأشار في حديث لـ”العرب” إلى وجود برامج دعائية تقدم نفسها على أنها إعلام هادف، وهذا كان من الضروري مواجهته بحسم، ومن المهم أن يحصل كل إعلان على موافقة مسبقة لمراجعة محتواه، خاصة إذا كان يتعرض لصحة وحياة الجمهور، مع وجود ضوابط لاستضافة بعض الشخصيات التي تروج لنفسها كعالمة ببواطن المهن المصيرية، مثل الطب، لمحاصرة كل أنوع الخداع.
وتظل الأزمة أمام مجلس تنظيم الإعلام لمحاربة التضليل الإعلاني على بعض الشاشات، أن هناك قنوات تبث على القمر الصناعي المصري “نايل سات” لا تزال خارج سيطرة الجهات المصرية، وهذه موجودة على القمر الفرنسي “يوتل سات” الذي يتواجد في نفس الحيز المداري للقمر المصري، وجميعها مدفوعة التكلفة وبلا ضوابط مهنية صارمة.
ومن السهل على الهيئات الإعلامية مراقبة المحتوى الإعلاني في الفضائيات المعروف ملكيتها وتؤجر البرامج بما يضع خطا أحمر يصعب تجاوزه أو الانزلاق إلى مستوى متدنِ من الإعلام، لكن من الصعب تكرار نفس الأمر مع قنوات لا تخضع لسلطة تلك الهيئات، ما يجعلها مطالبة بالبحث عن توسيع صلاحياتها لتحصين الجمهور ومنع تعرضه للتضليل.