فشل المشاريع القومية الكبرى يضع السيسي في موقف صعب

القاهرة - يعمل الرئيس عبدالفتاح السيسي على تنفيذ مشاريع ضخمة بدرجة غير مسبوقة. لكن تعطل هذه المشاريع وارتفاع تكاليفها زادا الانتقادات الموجهة إليها، ما جعل الرئيس المصري في موقف صعب، في وقت يقول فيه المنتقدون إنه كان حريا بالحكومة المصرية توظيف أموال تلك المشاريع في تحسين أوضاع المصريين.
وكشف السيسي النقاب عن قصر رئاسي جديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، يبلغ حجمه 10 أضعاف حجم البيت الأبيض، ويغطي حوالي 170 فدانا. ولاقى الإعلان عنه انتقادات بسبب كلفته وحجمه حيث شُيّد بينما تعاني البلاد أزمة ديون كبرى وزيادة قياسية في معدلات الفقر.
وكانت الانتقادات شديدة إلى درجة دفعت الرئيس السيسي إلى الرد. وذكر أن شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية تحملت كلفة إنشاء مباني المدينة الجديدة وأن الحكومة تستأجر المباني بكلفة سنوية إجمالية تتراوح بين 7 و10 مليارات جنيه مصري. لكنه لم يشر إلى أن الشركة مملوكة بنسبة 51 في المئة للجيش الذي يتهم بوضع يده على المشاريع الكبرى.
ويرى السيسي في المشاريع القومية الكبرى تجليا ماديا لمفهوم النهضة القومية وقوة الدولة، ما يحسب له هو شخصيا كمنجزات على المديين المتوسط والبعيد بدل إنفاق الأموال على عمليات تحسين الخدمات لتمر دون أن يشعر بها أحد.
وانطلقت قصة المشاريع الضخمة في بداية عهد السيسي مع مشروع توسعة قناة السويس الذي بدأ عام 2015 وبلغت كلفته حوالي 8 مليارات دولار. ولاقى ترويجا كبيرا على وسائل الإعلام التي يسيطر عليها النظام، حيث صرح رئيس هيئة قناة السويس آنذاك، مهاب مميش، بأن التوسعة ستجلب إيرادات تصل إلى 100 مليار دولار. وكانت تلك دعاية اعتمدت حسابات غير مبنية على الواقع.
وفشل المشروع في تحقيق الانتعاش الاقتصادي الموعود، فتراجع السيسي عن روايته قائلا في 2023 إن الهدف يكمن في “رفع الروح المعنوية الوطنية”. وطُبّق المنطق نفسه على مشاريع أخرى لم تقدم عائدا اقتصاديا كبيرا. ونذكر على سبيل المثال كوبري تحيا مصر، وهو أوسع جسر معلق في العالم، وقد افتتح عام 2019.
كما شُيّد المسجد الكبير في العاصمة الإدارية الجديدة قبل افتتاحه في 2023. وقُدرت كلفة المسجد آنذاك بـ800 مليون جنيه مصري (25.9 مليون دولار). وأصبح ثاني أكبر مسجد في أفريقيا، وبه أطول منبر في العالم يبلغ ارتفاعه 16.6 متر. كما يحدد مشروع المسجد أن به أكبر ثريا في العالم ويبلغ قطرها 22 مترا ووزنها 24300 كيلوغرام. وكان افتتاح المسجد في حفل حضره السيسي في أبريل 2023 خلال ذروة أزمة الديون المصرية.
وتتمثل الأزمة الكبيرة التي تواجه النظام في ضعف القدرة على تسويق أولوياته في ظل غياب لافت للمعلومات المرتبطة بالمشاريع القومية وعوائدها، فيما بات المصريون يميلون إلى تصديق الانتقادات التي تقول إن تلك المشاريع لا فائدة منها وأنه كان من الأولى أن يتم توظيفها في تحسين واقع المصريين.
ويرى الكاتب المصري ماجد مندور أن تنفيذ المشاريع الكبرى مقوم أساسي في السردية الأيديولوجية العامة التي يروج لها السيسي، والتي تؤكد أن هذه المشاريع وجيهة ومعقولة وتجسيد مادي للعظمة القومية.
وقال مندور في تقرير لموقع عرب دايجست إن الرئيس المصري لا يركز مفهومه للقومية على مواجهة عدو خارجي، بل على العدو الداخلي، وينأى بنفسه عن نهج استعراض القوة خارج مصر لاكتساب الشرعية وحشد الدعم بين قاعدته القومية عبر إنجازات داخلية مرئية يمكن بناؤها بسرعة، لتعكس روح الأمة القوية التي أحياها من جديد. وأضاف “تبقى المشاريع مثل العاصمة الإدارية الجديدة والقصر الرئاسي مشهدا بصريا مصمما لجذب مؤيدي النظام. كما تهدف إلى إرعاب أعداء النظام المفترضين وإخضاعهم.”
وحسمت الحكومة المصرية موقفها باستكمال المشاريع القومية وفسح المجال لإمكانية تدشين مشاريع أخرى، رغم المطالبة بإعادة تحديد الأولويات والتوجه نحو التعامل مع أزمات الغذاء والطاقة وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل أكبر، والتي أحدثت تأثيرات سلبية على حياة شريحة من المصريين.