سوريون يفضلون مخيم الزعتري على العودة إلى الديار

الوضع الأمني لا يزال هشا على نحو كبير وهناك انفلاتات تسجل في عدد من المحافظات السورية.
الجمعة 2025/01/24
يفضل البقاء على الذهاب إلى المجهول

 المفرق (الأردن) - يتردّد سوريون يقطنون مخيم الزعتري في الأردن أكبر مخيمات اللاجئين السوريين في العالم في العودة إلى بلدهم بعد مرور حوالي شهر ونصف الشهر على سقوط حكم بشار الأسد، بسبب ما وجدوا فيه من استقرار طوال سنوات النزاع.

فشارع “الشانزليزيه” في مخيم الزعتري الواقع على بعد حوالي 70 كيلومترا شمال شرق عمان، الذي سمّي تيمّنا بالجادة الباريسية الشهيرة لما يشهد من حركة تجارية ومطاعم ومحال مختلفة، يبدو أقل ازدحاما مما كان عليه في سنوات سابقة.

ويقول يوسف الحريري البالغ 60 عاما، صاحب محل مواد بناء في الشارع “لا يمكنني العودة. العودة تعني الخسارة من كل الجوانب وبيع المحل صعب.”

ويضيف “الوضع الداخلي غير مناسب في سوريا حاليا، فهناك غلاء فاحش وعناصر مسلحة متمردة. بيوتنا هناك مدمرة.”

ويؤكد أن “الرؤية لما يجري في سوريا غير واضحة حتى الآن، والأفضل أن أبقى هنا أنا وعائلتي بأمان.”

المخيم كان مجرد خيام نصبت في أرض خالية، قبل إيصال الخدمات إليه ليتحول إلى ما يشبه مدينة

وسقط حكم الأسد في الثامن من ديسمبر بعدما دخلت فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، التي كانت تتبع في سابق لتنظيم القاعدة، إلى دمشق إثر هجوم خاطف.

ولا يزال الوضع الأمني هشا على نحو كبير وهناك انفلاتات تسجل في عدد من المحافظات السورية الأمر الذي يجعل من الكثير من اللاجئين لا يتحمّسون للعودة سريعا.

وبعدما اندلع النزاع في سوريا العام 2011 الذي خلّف الملايين من اللاجئين، افتتح مخيم الزعتري في العام 2012 في محافظة المفرق وأصبح سريعا أكبر مخيم للاجئين السوريين في العالم.

وكان المخيم حينها مجرد خيام نصبت على عجل في أرض خالية، قبل إيصال الخدمات إليه واستبدال الخيام ببيوت جاهزة ليتحول إلى ما يشبه مدينة.

وبعدما وصل عدد قاطنيه إلى 140 ألفا في بعض السنوات، بات الآن يؤوي 75 ألفا وفقا للناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في الأردن رولان شونبور.

ومعظم قاطني المخيم فروا سيرا من درعا في جنوب سوريا الحدودية مع الأردن، “مهد الثورة” من حيث انطلقت شرارة أحداث أدت لاندلاع الحرب.

ويسأل خالد الزعبي (72 عاما) صاحب متجر في المخيم الذي يقيم فيه منذ 13 عاما “إلى أين نعود؟ 90 في المئة من الدور مهدمة والجو بارد جدا والحالة المادية لمعظمنا لا تسمح بالعودة، فلا أحد يعرف كيف سيكون الوضع هناك.”

خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والصحة والتعليم تتوافر بالمجان في الزعتري، ويتلقى كل سوري مساعدات نقدية للغذاء

ويضيف متكئا على عكاز خشبي “هربنا من الظلم والاستبداد في سوريا في عهد عصابات الأسد حيث لا قيمة للإنسان، هنا في الأردن شعرت أنني إنسان وأفضل البقاء الآن.”

ويقول الرجل الذي كان يعمل “مخللاتيا” في درعا إن عائلته كانت مؤلفة من ستة أفراد عندما وصل وباتت الآن تضم 18 فردا ما يصعب العودة إلى “وضع مجهول (..) خصوصا أن المفوضية (الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين) لا تقدم أيّ مساعدة للعودة.”

وتتوافر خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والصحة والتعليم بالمجان في الزعتري، ويتلقى كل سوري مساعدات نقدية للغذاء مع إمكانية المغادرة للعمل خارجه والعودة، ما يجعل قاطنيه مترددين تجاه العودة.

ويقول رضوان الحريري (54 عاما)، وهو أب لثلاثة أبناء وجد لـ12 حفيدا ولدوا جميعا في الأردن، إن عائلته تحصل شهريا على مساعدة مادية من المفوضية.

ويضيف الرجل الذي كان عامل بناء في درعا وهو اليوم إمام مسجد في المخيم، أن في سوريا “لا أحد يساعدك ولا يوجد عمل، وكل من نتصل به هناك ينصحنا بعدم العودة الآن.”

ويؤكد “منذ جئنا إلى المخيم تعودنا على الحياة هنا، من الصعب أن نتركه.”

وتقول عمّان إن عدد السوريين الذين غادروا الأردن عبر معبر جابر الحدودي مع سوريا تجاوز 52 ألفا منذ سقوط الأسد.

وقدّرت الأمم المتحدة الشهر الماضي أن مليون لاجئ سوري قد يعودون إلى بلدهم من دول اللجوء بين يناير ويونيو 2025. إلا أنها ترى أن الظروف قد تكون غير ملائمة لعودتهم إلى بلدهم.

Thumbnail

ويقول رولان شونبور “انعدام الأمن لا زال مقلقا، وهناك الكثير من عدم الاستقرار واشتباكات مسلحة في بعض المناطق، وعدد متزايد من الضحايا المدنيين بسبب مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة.”

لكنه يؤكد أن “لكل لاجئ الحق في العودة إلى وطنه والمفوضية تقدم المشورة والمعلومات له، لكن تحديد الوقت المناسب للعودة الطوعية يبقى قرارهم.”

وأعلنت السفارة السورية في الأردن عن إصدار حوالي 25 ألف جواز سفر مجانًا خلال أول أسبوعين من العام الحالي، ضمن جهود لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وقال القائم بأعمال السفارة، إحسان الرمان الخميس الـ23 من يناير إن السفارة أصدرت 15 ألف تذكرة مرور، التي تتيح للعائلات السورية مغادرة الأراضي الأردنية إلى سوريا.

وأضاف أن السفارة وجهت تعليمات بتقديم خدمات استخراج الأوراق الثبوتية وتصديقها بشكل مجاني، حيث أصدرت قرابة 4500 وثيقة في أول أسبوعين من عام 2025.

وتفيد الأمم المتحدة أن الأردن استضاف منذ بدء النزاع السوري نحو 680 ألف سوري مسجلين كلاجئين لديها، بينما تؤكد المملكة أنها استقبلت 1.3 مليون سوري.

ويشوب الحزن صوت مريم مسالمة البالغة 63 عاما عندما تتحدث عن المخيم الذي لجأت إليه قبل 12 عاما بينما تحزم أمتعتها استعدادا لمغادرة، “حنينا للوطن”.

وتقول مسالمة التي ارتدت ثوبا أسود مطرزا بالورود “أنا حزينة على فراق الزعتري، فقد أصبح وطني.”

وتؤكد بينما تتفقد حديقة زرعتها بجانب منزلها بشجيرات ورد وتفاح وفاكهة إن أبناءها عادوا إلى سوريا بعد سقوط الأسد لذا قررت العودة مع زوجها.

ويتحرق آخرون للعودة إلى سوريا على غرار محمد عتمة (50 عاما) الذي يستعد للمغادرة مع أفراد أسرته الثمانية. ويقول “حان الوقت للعودة، لم أر أمي وإخوتي منذ 13 عاما.”

ويضيف “عوملنا هنا بكل لطف واحترام وكرامتنا كانت محفوظة (..) لكن مصير الإنسان العودة إلى بلده.”

2