التعلم في الطبيعة لا يجعل الأطفال بالضرورة أكثر ذكاء

التعلم في الهواء الطلق لا يسرع الإنجاز الأكاديمي ولكنه قد يؤثر على رفاهية الطلاب وانخراطهم في العملية التعليمية.
الجمعة 2025/01/24
تطوير للمهارات الشخصية

شولبرون (ألمانيا) - فوق جذع شجرة موضوع فوق جدول مائي صغير في غابة شبيسارت الألمانية تعبر مجموعة من الأطفال من مختلف الأعمار إلى الضفة المقابلة. وخلال ذلك مد طفلان أكبر سنا واثنان بالغان حبلا ليمسكه الأطفال أثناء العبور لتحقيق التوازن. ورغم أن الجدول ليس عميقا ويمكن في الواقع لمعظم الأطفال عبوره بسهولة، كان الهدف من تلقي المساعدة من الأكبر سنا أن يتعلم الأطفال شيئا آخر: أنا لست وحدي، يمكننا التغلب على العقبات معا.

في مخيم “أوتوبيكامب” في منطقة شولبرون شمال مدينة فورتسبورج الألمانية تقوم مجموعة من الأطفال بمعايشة الطبيعة لمدة أسبوع خلال فصل الصيف. هناك يتعلم الأطفال أنه ليس من الضروري أن يشتروا كل طعامهم من المتاجر، فهم يجمعون خلال تلك الجولة الأعشاب البرية والتوت ويستخدمونها في صنع مثلجات وملح عشبي، كما يتعلمون كيف ينظمون أوقات فراغهم بشكل فعال، وكيف يتصرفون بفعالية مع الحياة في الغابة، وذلك ببناء خيام مخروطية من فروع الأشجار والسباحة في الماء والتعامل بشكل سليم مع الحشرات أو القراد حتى لا تزعجهم.

يقول أخصائي التربية توماس مولر – شول “يجب أن يكون مقياس التعليم الناجح هو مدى الحماس والرغبة في التعلم”، موضحا أنه عندما يكون هذا هو المعيار، سيكون كل شخص قادرا على تعلم كل ما يثير اهتمامه بسرعة طوال حياته، مشيرا إلى أن معايشة الطبيعة والتفاعل مع المجتمع من شأنهما أن يساعدا في ذلك.

يقضي الأطفال اليوم وقتا أطول في داخل الفصول المدرسية والأماكن المغلقة مقارنة بالماضي. لذلك يفكر بعض الآباء في ما إذا كان ينبغي عليهم تسجيل أطفالهم في ما يسمى بـ”روضة أطفال الغابات” أو في مدارس ودور حضانة توفر أيضا إمكانية التعلم في الهواء الطلق وسط مساحات خضراء، وذلك في حديقة المدرسة أو تقديم المحاضرات في الهواء الطلق أو الرحلات إلى الطبيعة.

يقول معدو ورقة بحثية نشرت عام 2022 في دورية “فرونتيرز إن بابليك هيلث” حول تعليم الأطفال في الطبيعة “التعلم في الطبيعة له فوائد قابلة للقياس ويجب دمجه في الحياة المدرسية لكل طفل.” في هذا البحث قيم الباحثون دراسات من 20 دولة، وتبين لهم أن الطلاب الذين تلقوا تعليما في الطبيعة أصبحوا أكثر انخراطا في العملية التعليمية وظهرت عليهم بوادر تحسن في الأداء الأكاديمي والمهارات الاجتماعية والرفاهة.

◙ مقياس التعليم الناجح هو مدى الرغبة في التعلم وعندما يكون هذا هو المعيار سيكون كل شخص قادرا على تعلم كل ما يثير اهتمامه 

كما توصل علماء أستراليون إلى استنتاج مماثل في عام 2020 في بحث تقييمي آخر حول العروض المقدمة لأطفال المدارس الابتدائية. وخلص هذا البحث إلى أن “التعليم في الطبيعة يظهر بوجه عام تأثيرات إيجابية بدرجات متفاوتة على مجالات مختلفة من الحياة.”

قد يبدو الأمر محسوما لصالح التعلم في الطبيعة للوهلة الأولى، لكن من يأمل أن يحقق أطفاله تحسنا كبيرا في مواد دراسية تقليدية مثل الرياضيات واللغات، فمن المحتمل أن يشعر بخيبة الأمل، إذ إن العديد من المشروعات، مثل مخيم “أوتوبيكامب” في شبيسارت، تركز على المهارات الاجتماعية والرفاهة أو على موضوعات مرتبطة بالطبيعة مثل المعرفة بحماية البيئة والنباتات والحيوانات والتغذية، لكنها لا تركز على المهارات المعرفية العامة أو الدرجات المدرسية.

وتوصلت الدراسات بالإجماع تقريبا إلى تأثيرات إيجابية في ما يتعلق بالدافع إلى التعلم والرفاهة والمهارات الاجتماعية والإبداع. أما النتائج المتعلقة بالأداء الأكاديمي فكانت أكثر اختلاطا، حيث وجد بحث تقييمي للعب الحر في الطبيعة تأثيرات إيجابية على التطور المعرفي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و12 عاما.

ومع ذلك، فإن إحدى الدراسات المذكورة في هذا البحث المنشور في دورية “فرونتيرز إن بابليك هيلث” لم تجد أي فارق في نتائج التعلم في المواد الدراسية التقليدية مقارنة بمجموعة ضابطة في الفصل المدرسي. وكتب فريق البحث “هذا يشير إلى أن التعلم في الهواء الطلق لا يعيق ولا يسرع الإنجاز الأكاديمي، ولكنه قد يؤثر على رفاهية الطلاب وانخراطهم في العملية التعليمية”.

وكانت نتيجة دراسة أجريت على مشروع مدرسي في الغابة لمدة ثلاثة أشهر في بريطانيا مماثلة: فقد كان الأطفال الذين تعلموا في الغابة أقل تعبا ومللا، وأكثر هدوءا وسعادة وتعاونا، لكن التفكير البصري المكاني لم يكن أفضل ولا أسوأ من تفكير المجموعة الضابطة التي بقيت في الفصل المدرسي.

وتعتبر العديد من الدراسات حول التعلم في الطبيعة ضعيفة منهجيا. وعلى الرغم من أن الكثير منها رصد تحسنات، فإنها لم تشتمل على مجموعة ضابطة من الأطفال الذين يتعلمون داخل الفصول المدرسية لمقارنة نتائج التعلم. بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما كانت تجري مراقبة مجموعات مكونة من عدد قليل من الأطفال، وفي بعض الأحيان كان يتم سؤال الآباء أو المعلمين بدلا من قياس قدرات الأطفال فعليا.

وفوق كل ذلك، هناك نقص في الدراسات التي تتابع الأطفال على مدى زمني طويل. علاوة على ذلك، فإن العروض التعليمية وأشكال التعلم في الطبيعة متنوعة للغاية وغالبا لا يمكن تقييمها معا بسهولة. وجاء في بحث تقييمي في “فرونتيرز إن بابليك هيلث”، “هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لتحديد الظروف التي يكون فيها التعلم في الهواء الطلق أكثر فعالية في مجالات مختلفة من الحياة”.

◙ التعلم في الهواء الطلق لديه إمكانات كبيرة لتطوير المهارات الشخصية والاجتماعية التي تعتبر حاسمة في معظم مجالات العمل والحياة

ورغم أن الأبحاث التي أجريت على رياض الأطفال في الغابات أقل من تلك التي أجريت على التعلم القريب من الطبيعة بين أطفال المدارس، تميل النتائج لأن تكون متماثلة. وبحسب أحد الأبحاث التقييمية، كانت هناك تأثيرات إيجابية على العافية والنشاط البدني والنوم والفضول والإبداع لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وست سنوات، ولكن النتائج كانت مختلطة من حيث التطور المعرفي.

وهذا يعني ببساطة أن الطبيعة ليست بالضرورة أفضل للقدرات المعرفية من الأنشطة الداخلية أو الحضرية. ولم تتوصل أي دراسة إلى نتائج تشير إلى انتكاسات بالنسبة للأطفال الذين يتعلمون في الطبيعة. وبحسب الدراسات، بدا أطفال رياض الأطفال في الغابات مستعدين تماما للمدرسة الابتدائية مثل أطفال رياض الأطفال العادية.

وقد يكون للتعلم في الطبيعة على الأرجح تأثير ضئيل على النجاح التعليمي بالمعنى الكلاسيكي، كما هو الحال في دراسات البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (بيزا)، ومع ذلك، لا ينبغي الاستهانة بالمهارات “الناعمة”، كما يرى بعض العلماء: فالأطفال الذين تعلموا عبر الطبيعة من المفترض أن يكونوا أكثر مرونة من الناحية النفسية، وأكثر قدرة على التفكير الإبداعي، وأكثر تحفزا للعمل، وأفضل تعاونا مع الآخرين، كما من المرجح أن يكونوا أكثر استعدادا لحياتهم اللاحقة، بما في ذلك حياتهم العملية.

وكتب باحثون أستراليون في كتاب عن التعلم في الهواء الطلق “التعلم في الهواء الطلق لديه إمكانات كبيرة لتطوير المهارات الشخصية والاجتماعية التي تعتبر حاسمة في معظم مجالات العمل والحياة في القرن الحادي والعشرين”.

حتى بين أطفال مخيم “أوتوبيكامب” في شبيسارت، لا أحد يعرف ما إذا كان أسبوع الطبيعة له تأثير طويل الأمد. يستمتع الأطفال باللعب ويبتكرون أفكارا جديدة للألعاب ويتعلمون كيفية التعايش مع أطفال من أعمار مختلفة ودعم بعضهم البعض. قد لا يهتمون بما إذا كان هذا يعني أن أداءهم سيتحسن في المدرسة أو أنهم سيحصلون على وظيفة أفضل في المستقبل، لكن معظمهم يرغبون في المشاركة في المعسكر مرة أخرى في العام المقبل.

16