الذكاء الاصطناعي نار القرن الحادي والعشرين الجديدة

الذكاء الاصطناعي هو النار الجديدة. لكن، إيلون ماسك ليس بروميثيوس، ودونالد ترامب، ليس كبير الآلهة زيوس. ليس في نية أي منهما أن يقدم شعلة الذكاء الاصطناعي للبشر هدية مجانية.
الجمعة 2025/01/24
نادي كبار المستثمرين

ما كان للجنس البشري أن يتميز عن باقي الثدييات لولا اكتشاف النار، التي وفق الأساطير اليونانية تم حجبها عن البشر من قبل كبير آلهة الأوليمب زيوس، حتى لا يطغوا ويفرضوا سيطرتهم على باقي الكائنات الحية.

وفق الأسطورة، البشر لم يكتشفوا النار، بل سرقوها من الآلهة وقدمها لهم بروميثيوس، وهو واحد من الجبابرة (التيتان) الذين تحدوا كبير الآلهة زيوس. وكان البشر قبل ذلك يعيشون في ظلام وبرد شاملين. تسلل بروميثيوس إلى جبل الأوليمب في اليونان القديمة وسرق النار من الآلهة، وأعطاها هدية للبشر. عندما اكتشف زيوس ما فعله بروميثيوس، غضب بشدة وقرر معاقبته على فعلته. كان العقاب شديدا يناسب حجم الجريمة، قام بربطه إلى صخرة في جبال القوقاز، وسلط عليه نسرا يأتيه كل يوم يلتهم كبده، الذي كان يتجدد كل ليلة ليعاني من جديد في اليوم التالي.

إلا أن تضحيته لم تذهب هباء. فإلى جانب الدفء الذي نعم به البشر لأول مرة، تعلموا طهي الطعام وصنع الأدوات. نحن نعيش لحظة غير مسبوقة لا تختلف عن اللحظة التي اكتشف فيها البشر قدرات النار، والتي دونها ما كان للبشر أن يطوروا هذه الحضارة التي ننعم بالعيش فيها اليوم.

سِجلُّ الاكتشافات البشرية التي تلت تلك اللحظة طويل، ولكن أبرزها وأكثرها تأثيرا أربع: النار، العجلة، الكتابة، والكهرباء. خامس تلك الاكتشافات هي الإنترنت، إلى أن حضر الذكاء الاصطناعي، ليصبح سيد الاكتشافات جميعا.

إيلون ماسك: الذكاء الاصطناعي هو أقوى أداة علمية تم اكتشافها
إيلون ماسك: الذكاء الاصطناعي هو أقوى أداة علمية تم اكتشافها

الذكاء الاصطناعي هو النار الجديدة. لكن، إيلون ماسك ليس بروميثيوس، ودونالد ترامب، ليس كبير الآلهة زيوس. ليس في نية أي منهما أن يقدم شعلة الذكاء الاصطناعي للبشر هدية مجانية.

اكتشفت آلهة الأوليمب الجديدة في مقرها بالبيت الأبيض قيمة النار الجديدة، وأصبح واضحا لها أن من يقبض على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ويسيطر عليها سيكون قد سيطر على أهم اكتشاف للبشرية منذ أن كانت النار.

في يوم تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، ولولا معرفتنا المسبقة أن دونالد ترامب هو المرشح الفائز، لاختلط علينا الأمر، وظن بعضنا أن إيلون ماسك هو الرئيس الأميركي المنتخب. إلى جانب الحماس الكبير الذي أبداه منتصرا لترامب، كان ماسك قد تبرع بربع مليار (250 مليون دولار) لتمويل حملة ترامب الانتخابية. ولولا أن القانون الأميركي لا يسمح بانتخاب شخص حاصل على الجنسية ومولود خارج الأراضي الأميركية، لكان إيلون هو الرئيس المنتخب الجديد.

هل إيلون ماسك مجرد واجهة أميركية لجمع التمويل لمرحلة صناعية غير مسبوقة، سينجم عنها نظام استعماري جديدة؟

قبل تقديم إجابة عن السؤال لابد أن نعرف بعض المعلومات عن إيلون ماسك، لندرك أنه ليس مجرد واجهة، بل هو شريك فاعل في صنع التاريخ الأميركي ومبشر بتاريخ جديد للبشرية يؤرخ له باكتشاف نار جديدة.

سبق أن وصفت في مقال آخر ماسك الذي ولد في يونيو عام 1971 في بريتوريا، جنوب أفريقيا، بأنه مالئ الدنيا وشاغل الناس. انتقل إلى كندا في سن السابعة عشرة للدراسة في جامعة كوينز، ومنها إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء والاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

بدأ ماسك سيرته المهنية بتأسيس شركة Zip2، التي تم بيعها لاحقًا لشركة كومباك مقابل 307 مليون دولار. ليشارك بعدها في تأسيس شركة X.com، التي أصبحت في ما بعد باي بال (PayPal)، وهي واحدة من أكبر منصات الدفع الإلكتروني في العالم.

"الذكاء الاصطناعي هو مفتاح المستقبل، وعلينا أن نكون في المقدمة"، وإزالة "العقبات أمام الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وليس أن نضع المزيد منها"

في عام 2002- لاحظوا أن عمره حينها 31 عاما- أسس شركة سبيس إكس بهدف تقليل تكاليف السفر إلى الفضاء لاكتشاف إمكانية العيش على كواكب أخرى. نجحت الشركة في إطلاق صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام، محدثة ثورة في صناعة الفضاء.

انضم ماسك إلى شركة تسلا عام 2004 وأصبح الرئيس التنفيذي للشركة. تحت قيادته، أصبحت تسلا رائدة في صناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة. وأسس شركة نيورالينك لتطوير واجهات بين الدماغ والحاسوب بهدف علاج الأمراض العصبية وتحسين القدرات البشرية.

وقدم ماسك مفهوم الهايبرلوب، وهو نظام نقل فائق السرعة يستخدم كبسولات تسير داخل أنابيب مفرغة من الهواء، مما يقلل من وقت السفر بين المدن الكبرى. باختصار، إيلون ماسك يُعتبر رمزًا للابتكار والتحديث، وقد ترك بصماته على العديد من الصناعات، وعندما يتحدث سيصمت الجميع.

وإذا كان كل هذا غير مقنع، تعالوا نسمع إلى بعض مما قاله ماسك عن الذكاء الاصطناعي. بالنسبة له “الذكاء الاصطناعي هو أقوى أداة علمية تم إنشاؤها على الإطلاق، وقد يكون لها تأثير عميق على مستقبلنا.” و”الذكاء الاصطناعي سيكون أذكى من أذكى إنسان بحلول عام 2025، وأذكى من البشرية مجتمعة بحلول عام 2029.”

سواء كنت فردا أو دولة تبحث عن الاستثمار، من أين تأخذ النصيحة، هل تأخذها من مُضارب يخسر أكثر مما يحقق الربح، أم من صاحب رؤية مستقبلية مثل إيلون ماسك. نحن نعيش في عصر آخر ما يمكن أن نقول عنه أنه يعاني من شح في الأموال. على العكس تماما، العالم لا تنقصه الأموال. في الحقيقة هناك أزمة سببها، أحيانا، تراكم الأموال. لكن، المعضلة أن نعرف بالضبط أين نضع أموالنا.

هل هناك من يمتلك سيرة مهنية أفضل من السيرة التي يملكها إيلون ماسك نلجأ إليه طلبا للنصيحة، أو على الأقل نراقب أين يضع أمواله.

الحديث المؤدلج عن عصر استعماري جديد نسمعه من أشخاص مازالوا أسرى أفكار طوباوية، هو تسفيه لنقلة فكرية، أو بالأحرى هو نقلة للبشرية تعتبر الأكبر منذ أن كانت النار.

دونالد ترامب: الذكاء الاصطناعي هو مفتاح الولوج إلى المستقبل
دونالد ترامب: الذكاء الاصطناعي هو مفتاح الولوج إلى المستقبل

لا يوجد استعمار جديد، توجد فجوة اقتصادية وعلمية وجدنا فيها أنفسنا في موقف سلبي لأننا ترددنا طويلا قبل اتخاذ الخطوة الأولى.

صحيح أن قرار امتلاك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لم يعد قرارا يتخذ بسهولة. واليوم بعد أن غير ترامب شروط المداولة، أصبح الاستثمار في هذه التكنولوجيا هدفا يصعب تحقيقه ولكن بالتأكيد ليس مستحيلا.

الثروات في باطن الأرض والأموال المخزنة في البنوك لا قيمة فعلية لها ما لم يتم استثمارها في مشاريع ناجحة. انظروا كيف يتحرك العالم باحثا عن مشاريع يضع فيها أمواله.

هي حتما ليست مهمة سهلة وهنا يأتي دور أشخاص يستطيعون رؤية ما لا يراه الآخرون، أشخاص مثل إيلون ماسك.

لاشك أن مشروع “ستارغيت” الذي كشف ترامب عنه يوم تنصيبه محاطا برؤساء مجموعة سوفت بنك اليابانية، وأوراكل، وأوبن إيه آي المطورة لتشات جي بي تي، قد سبقته مشاورات مع إيلون ماسك الذي أسند إليه ترامب مهمة إدارة كفاءة الحكومة التي تم إنشاؤها حديثا.

المشروع الذي جمع الأطراف الثلاثة غير شروط اللعبة. لقد تم الاتفاق على وضع مبلغ “500 مليار دولار على الأقل” فوق الطاولة، في مقامرة مضمونة العواقب تستثمر في البنى التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.

المشروع جاء في الوقت تكافح فيه شركات التكنولوجيا الكبرى لتلبية نهم متطلبات حوسبة الذكاء الاصطناعي وتأمين الطاقة الكهربائية اللازمة لتطوير هذه التكنولوجيا الجديدة.

ووفق ترامب يوفر المشروع أكثر من 100 ألف وظيفة جديدة في الولايات المتحدة، و”يمثل إعلانا واضحا على الثقة في إمكانات الولايات المتحدة تحت إدارة رئيس جديد.”

“الذكاء الاصطناعي هو مفتاح المستقبل، وعلينا أن نكون في المقدمة،” وإزالة “العقبات أمام الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وليس أن نضع المزيد منها.”

هذا ما يطمح إليه ترامب وهو طموح عال جدا، يصعب لحاق الراغبين بالانضمام إلى نادي الكبار، خاصة بلد يفتقد التمويل الكافي. لكن، من امتلك الرصيد للانضمام لنادي الكبار، لن يلوم إلّا نفسه إذا قرر الانتظار لتفوته المشاركة في حمل شعلة نار الذكاء الاصطناعي الجديدة.

12