شيخوخة الشاعر
ثمة سؤال ملح يطرح نفسه عندما نقرأ لشعراء معروفين نصوصا شعرية جديدة، لم تعد تحمل أية قيمة إبداعية مهمة، إن لم نقل إنها باتت تستهلك من رصيد منجزهم السابق.
المشكلة عند البعض أنه لا يريد الاعتراف بذلك. الشاعر أدونيس أعلن ذات مرة عن توقفه عن كتابة الشعر، لكنه فيما يبدو لم يستطع احتمال هذه الفكرة، باعتبارها تلغي مفاعيل أبديته، فعاد إلى الكتابة من جديد، وعندما أحس أن لا جديد تحت شمس تجربته، انتقل إلى الفن وهو في الثمانين، وكأن الشيخوخة في الشعر لا تطال الإبداع في الفن، على الرغم من أنه لم تعرف عنه، أي علاقة تربطه بالفن التشكيلي.
قد يفسر البعض هذا الانتقال بأنه محاولة تعويض، لكن واقع الحال لا يقول ذلك، لأن أدونيس لا يقيم معارضه في دمشق أو بيروت، بل في مدينة محددة حيث يعرف أن هناك من يشتري أعماله بالأسعار التي يريد.
سعدي يوسف شاعر آخر ما زال يصرّ على مواصلة الكتابة، ويرفض الاعتراف بأن ما يكتبه لا يرقى إلى نص من نصوصه التي كتبها في “الأخضر بن يوسف” أو “ديوان نهايات الشمال الأفريقي”.
عندما أصدر ديوان قصائد ساذجة 1996، كتبت عنه آنذاك في إحدى الصحف اللبنانية، بأنه عمل ينمّ عن تراجع واضح في مستوى تجربته، وأن التجربة من عنوانها تقرأ. لكنه لم يملك شجاعة الاعتراف بأن ما يكتبه قد فقد صلاحيته الإبداعية. ربما هذا ما يفسر مواقف سعدي السياسية الصاخبة والمستفزة، لكي يظل موضوعا للتداول الثقافي.
ما ينطبق على هذين الشاعرين، ينسحب على أسماء كثيرة، تمتد من عبدالمعطي حجازي وإبراهيم أبو سنة، إلى فايز خضور ونزيه أبوعفش، وبعض شعراء الستينات في العراق.الاعتراف بشيخوخة التجربة، لا يلغي من قيمة المنجز السابق، بل يحافظ عليه ويمنح صاحبه الاحترام.
في الشعر كما في السياسة يجب أن يسقط مفهوم الأبدية، سيرورة التجربة لم تبدأ معهم، ولن تنتهي معهم. ثمة شعراء جدد يولدون حاملين روح الحياة الجديدة ولغتها.
كاتب من سوريا