إشراك الإعلام العراقي في محاربة الفساد يتطلب حرية غير موجودة

قيود تفرضها قوانين النشر على معلومات ذات طابع سياسي وأمني واقتصادي.
الاثنين 2025/01/20
العراق بيئة غير مواتية لوجود صحافة استقصائية حقيقية

تعدّ هيئة النزاهة العراقية وسائل الإعلام الوطنيَّة شريكا في مُحاربة الفساد، لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن أن يقوم الصحافيون بهذه المهمة وهم يواجهون جملة من التحديات أثناء فتح ملفات الفساد، من الملاحقة القانونية إلى انتقام الأحزاب السياسية المتنفذة.

العراق - قررت هيئة النزاهة العراقية الأحد تبني آلية حديثة لتلقي المعلومات عن شبهات الفساد، بإشراك وسائل الإعلام في هذه المهمة، في حين أن الواقع يشير إلى صعوبات كبيرة أمام الصحافيين نظرا للقيود التي يواجهونها والملاحقة القانونية أو الانتقام من قبل المتنفذين ما يجعل المهمة شديدة الصعوبة وتعرّض الصحافيين لمخاطر عديدة.

وتعتبر هيئة النزاهة وسائل الإعلام الوطنية شريكا حقيقيا للهيئة وداعما أساسيا لجهود مكافحة الفساد وما تتناوله يتم رصده بشكل يومي، في حين أنها لا تمتلك الهامش الكافي من الحرية للمضي قدما في المساهمة بكشف الفساد.

ولا يمتلك الصحافيون قانونا يتيح لهم الحصول على المعلومة، إذ أن مشروع هذا القانون مازال حبيس أدراج مجلس النواب بسبب الخلافات السياسية، فيما تسعى بعض الكتل السياسية إلى تقييد حرية الصحافة والتعبير من خلال قانون جرائم المعلوماتية وقانون حرية التعبير والتظاهر اللذين يعتزم مجلس النواب تشريعهما.

وقال رئيس هيئة النزاهة محمد علي اللامي في حوار خاص مع وكالة الأنباء العراقية (واع) إن “آلية تسلم المعلومات عن شبهات الفساد الحديثة مهمة وتتعدَّى كونها مجرد طريقةٍ لتسلُّم المعلومات من قبل دوائر الهيئة المعنيَّة من المنافذ المُخصَّصة لذلك، فضلاً عن كونها برنامجاً مدروساً ومُفصَّلاً يتجاوز العراقيل والصعوبات والتداخلات كافة التي يمكن أن تكتنف عمليات تلقّي الهيئة للمعلومات والإخباريات والشكاوى عبر المنافذ المُخصَّصة لذلك عبر وضع ضوابط خاصة لكل منفذ.”

وأضاف أنه “تم وضع طريقة محددة لتسلم المعلومة وتسجيلها ويتم إعطاؤها تسلسلا خاصاً ضمن سجل مخصص لهذا الغرض؛ تمهيداً للنظر بصلاحية تسجيل المعلومة كإخبار،” مؤكداً على “وضع ضوابط للتعامل مع المعلومات والإخبارات الخاصة والعامة محددة العناوين الإدارية التي تعرض عليها في مراحلها المختلفة إلى أن يتم اعتمادها والتأكد من عدم ورودها سابقاً، مع توضيح طريقة التعامل مع المعلومة الواردة في وقت سابق.”

وعن طريقة التعامل مع المعلومة التي يتمُّ تناولها عبر وسائل الإعلام، بين اللامي أنَّ “مهمَّة رصد ومتابعة تلك الوسائل أوكلت إلى مكتب الإعلام والاتصال الحكومي في الهيئة، حيث يتولَّى رصد ومُتابعة ما يتم تناوله من معلومات تتعلَّق باختصاص الهيئة وعرضها بشكل يومي؛ بغية اتخاذ الإجراءات اللازمة بصددها وفق الآلية الجديدة.” وشدد على أنه “يجب على وسائل الإعلام، الحرص وتوخّي الدقة والحذر بتناول المعلومات المتعلقة بشبهات الفساد، والتأكّد من الأدلة والإثباتات؛ لغرض تحقيق الأهداف المُشتركة في تحجيم الفساد وتقليص مسالكه.”

وتنطلق الهيئة في خطتها من حقيقة أن تمكين وسائل الإعلام والمجتمع المدني للإبلاغ عن الفساد والتحقيق فيه يعزز الشفافية والمساءلة وهما أمران ضروريان لمجتمع يعمل بكفاءة. ويجب أن يساهم الصحافيون الاستقصائيون في كشف الممارسات الفاسدة وتعزيز الشفافية. ويدرك الصحافيون أن دورهم مهم في الكشف عن المعلومات المهمة ونشرها للجمهور ومع ذلك غالباً ما يتم استهدافهم بسبب المعلومات الحساسة التي ينشرونها.

ويعاني الصحافيون من تحديات أثناء ممارستهم لهذه المهنة وخصوصا بالنسبة إلى ملفات الفساد، منها صعوبة الحصول على المعلومة، والملاحقة القانونية، والاعتقال، والترهيب، والترغيب، وقد تصل أحياناً إلى التصفية الجسدية، وهو ما حدث مع عدد من الصحافيين العراقيين خلال الأعوام الماضية.

◙ الصحافيون يطالبون بضرورة تشريع قانون يحميهم، ومعالجة القيود التي تفرضها قوانين النشر المتعلقة بالمعلومة

ويطالب الصحافيون بضرورة تشريع قانون يحميهم، ومعالجة القيود التي تفرضها قوانين النشر المتعلقة بالمعلومة التي غالباً ما تكون ذات طابع سياسي وأمني واقتصادي لكتم حرية التعبير وحجب نشر قضايا فساد بعض المتنفذين، في ظل “هاجس حكومي يخشى الصحافة وخاصة الاستقصائية للتستر على الوثائق وملفات الفساد نتيجة غياب الشفافية.”

وأكد رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية، هادي جلو مرعي أنه “على الرغم من انحسار عمليات قتل الصحافيين كما كان في السابق والتي فُقد بسببها أكثر من 500 صحافي، إلا أن الانتهاكات لا تزال مستمرة لكن بأوجه مُختلفة،” مبينا أن “هناك مسؤولين وجهات معينة يرفعون دعاوى قضائية ضد صحافيين بسبب نشر مادة لم ترق لهم.”

وأضاف مرعي في تصريحات صحفية سابقة أن “هناك مشاكل اقتصادية يعاني منها صحافيون وحتى صحافيات بالإضافة إلى الانتهاكات، من خلال التضييق عليهم، في وقت لا تدافع إدارات القنوات الفضائية ووسائل الإعلام عن منتسبيها بالشكل المطلوب.”

وهو ما يتفق معه رئيس فرع نقابة الصحافيين العراقيين في محافظة كربلاء، حسين عبدالأمير العلياني، حول وجود معوقات عديدة لعمل الصحافيين، منها “إقامة دعاوى كيدية عليهم من قبل مؤسسات حكومية أو غير حكومية”. وأشار إلى أن “أغلب الصحافيين يعانون أيضاً من مشكلة قدرة الحصول على المعلومة.”

بدورها تطلب الصحافية قدس السامرائي “من القضاء، ونقيب الصحافيين مؤيد اللامي، حماية حقوق ومصالح الصحافيين، وأن يعيدوا مسألة تقديم الدعاوى والشكاوى القضائية ضد الصحافيين.” وبينت لوكالة شفق نيوز المحلية أن “هذه محاولات لكتم حرية التعبير ومنع نشر قضايا فساد بعض المتنفذين، وهذا ما حصل لبعض الصحافيين والإعلاميين في العراق، وأنا منهم.”

ويُصنف العراق ضمن البلدان عالية الخطورة في العمل الصحفي، وفق تقارير منظمة مراسلون بلا حدود، “ما ينم عن الواقع الخطر أو الأرضية الهشة التي يعمل بها الصحافيون في العراق،” وفق الصحافي الاستقصائي حسن شون. وأوضح شون أن “العراق بات بيئة غير مواتية لوجود صحافة استقصائية حقيقية كما هو موجود في البلدان الأوروبية وحتى العربية التي بدأت يتطور فيها هذا النوع من الصحافة لوجود بعض القوانين التي تساعد على تنميتها وتطويرها.”

وأضاف “الصحافة الاستقصائية غائبة بشكل واضح في العراق إلا ما ندر، بسبب القيود المفروضة على الصحافي والإعلامي في ما يتعلق بالحصول على المعلومة، وكذلك عدم وجود برامج تدريبية داخل المؤسسات الإعلامية لتطوير أدوات الصحافيين والتوجه نحو الصحافة الاستقصائية.”

وقال “دائما تركّز تلك المؤسسات على الصراعات والمضاربات السياسية بهدف التسقيط والربح المادي لعائدية هذه المؤسسات لجهات سياسية معينة، في ظل هاجس حكومي يخشى الصحافة الاستقصائية، وبالتالي يتم التستر على الوثائق وملفات الفساد نتيجة غياب الشفافية.”

وتضغط منظمات معنية بالصحافة والحريات باتجاه إشراكها في محادثات إجراء التعديلات المطلوبة على مقترح قانون حق الحصول على المعلومة قبل إقراره في البرلمان العراقي، حيث اعتبر صحافيون أن مقترح القانون الحالي يعتمد وجهة نظر السلطات ويتناقض مع الهدف المراد منه.

في المقابل قالت اللجنة القانونية النيابية إن الهدف من تشريع القانون هو تفعيل مبدأ الشفافية والحد من الفساد والشائعات وإعطاء المواطن ووسائل الإعلام الحق في الحصول على المعلومات في ما يخص عمل ومشاريع الوزارات والمؤسسات الأخرى، بما يضمن آلية لكشف الفساد وسوء الأداء.

5