رسائل طمأنة للمصريين بتوفير السلع لا تخلو من أهداف سياسية

تعهدات باستقرار أسعار السوق قبل أيام من ذكرى ثورة 25 يناير.
الاثنين 2025/01/20
هذا أكثر ما يهم المصريين.. لقمة العيش

القاهرة– بعثت الحكومة المصرية رسائل طمأنة بشأن توافر السلع الأساسية قبل أيام قليلة من ذكرى ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقبل أسابيع من بدء موسم رمضان الذي يشهد طلبا مضاعفا على بعض السلع.

وحملت الطمأنة الاقتصادية أهدافا سياسية، تتعلق بإقناع المواطنين بأن الحكومة تتخذ الآليات التي بمقتضاها تعزز سيطرتها على الأسواق، مع انتقادها بسبب عدم قدرتها على إحكام قبضتها عليها.

واتخذت مسألة ضبط الأسعار في مصر بعدا سياسيا، لأنها تتعلق بمدى الرضا الشعبي على الأوضاع المعيشية، ومع ارتفاع معدلات التضخم مؤخرا بات المنغص الأول لحياة الملايين يتمثل في ضعف القدرة الشرائية، وتسببه في عدم تلبية الاحتياجات وبروز السخط المجتمعي الذي تظهر معالمه في التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.

الحكومة تجد في التأكيد على توفير السلع وضمان عدم تحريك أسعارها مدخلا لكسب شرائح من المواطنين

وذكر بيان للحكومة المصرية السبت أن “احتياطي البلاد الإستراتيجي من القمح يكفي لتغطية استهلاك أربعة أشهر، وأن رصيد مختلف السلع آمن ويغطي حتى آخر شهر رمضان، ورصيد السلع التموينية يتجاوز رمضان ويغطي 13.5 شهرا.”

ولا ينفصل تقييم بيان الحكومة عن الاستنفار على مستويات مختلفة، تزامنا مع ذكرى ثورة يناير، إذ تطغى في هذا التوقيت من كل عام الأبعاد السياسية على أي تحركات أخرى، وإن جاءت في سياق اقتصادي باعتباره المهيمن على اهتمامات المصريين.

وتأتي تصريحات الحكومة في وقت تتجه فيه أسعار السلع الغذائية إلى الارتفاع التدريجي، بعد أشهر من الاستقرار الذي كان يعول على استمراره قطاع من المواطنين، بفعل استقرار قيمة الجنيه، وتراجع الضغط على الدولار، وعدم تكدس البضائع في الموانئ، كما كان سابقا، بسبب صعوبات توفير العملة الصعبة.

ويمكن وضع الرسائل الأخيرة في خانة تخفيف قلق المواطنين بما يقوض هستيريا الشراء التي تظهر كلما شهدت الأسواق اختلالا بين العرض والطلب، وتكون كلفة ذلك ضخمة على الحكومة التي تجد نفسها مرغمة على التدخل لتخفيفها، ما يشكل ضغطا على الموازنة العامة للدولة.

ويقول مراقبون إن الحكومة تجد في التأكيد على توفير السلع وضمان عدم تحريك أسعارها مدخلاً لكسب شرائح من المواطنين الذين ينتظرون هذه التصريحات التي تؤكد أن أجهزة الدولة حاضرة في مشهد ضبط الأسواق.

لكن مردودها العكسي يبدو جليا أكثر حاليا، فمثل هذه التطمينات تتكرر بشكل مستمر دون أثر واضح على الأرض، خاصة أن التجار لديهم قدرة على التحكم في حركة السوق مقابل اكتفاء الحكومة بمزاحمتهم في استقطاب المواطنين لتخفيف الطلب على السلع.

حخ

ويحتاج تعزيز ثقة المواطنين بما تقدمه الحكومة من تطمينات إلى خطوات عملية، فالأثر السياسي يمكن أن يتحقق حال استقرت أسعار السلع والخدمات، وتكرار نفس الأساليب مع الأزمة ذاتها ليس مطلوبا في وقت يتم فيه النفخ في بعض المشكلات الاقتصادية، والتي تعد من أهم مسببات زعزعة الأوضاع الداخلية.

ودفع ذلك جهات حكومية إلى تشديد إجراءاتها لضبط منظومة استيراد القمح بعيدا عن هيئة السلع التموينية التابعة لوزارة التموين، وإسنادها إلى أحد الأجهزة التابعة للجيش، بعد أن جرى تحريك قضايا فساد بحق عدد من قيادات وزارة التموين.

ولم يعد التوسع في إقامة الأسواق بأسعار مخفضة مرضيا كثيرا، وتم النظر إليها كإجراءات مؤقتة، وتعيد تذكير المواطنين المنتمين إلى الطبقة الوسطى بأنهم دخلوا في طبقة أدنى مع اضطرارهم إلى التزاحم على الأسواق الشعبية، بحثا عن شراء السلع بأسعار زهيدة، تتماشى مع طبيعة دخولهم التي انخفضت قيمتها بسبب تراجع الجنيه.

وقال الباحث في الاقتصاد السياسي كريم العمدة إن تعدد خطابات الطمأنة الحكومية يبرهن على وجود مساع لاستباق أي محاولة لإحداث حالة من الذعر وسط المواطنين، حال واجه الاقتصاد مطبات جديدة، وتدرك الحكومة أن اهتمامات المواطنين تتعلق بالحالة المعيشية، وليس بإصلاحات سياسية لا تحظى بأولوية شعبية.

تعزيز ثقة المواطنين بما تقدمه الحكومة من تطمينات يحتاج إلى خطوات عملية، فالأثر السياسي يمكن أن يتحقق حال استقرت أسعار السلع والخدمات

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الأسابيع التي تسبق موسم رمضان دائما تشهد مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم وتحاول الحكومة إقناع المواطنين بأن هذا العام يختلف عن الأعوام الثلاثة الماضية، والتي شهدت اضطرابا في الأسواق منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، مرورا بتراجع قيمة الجنيه، ونهاية بالتأثير السلبي على مستوى عوائد الدولار مع اندلاع الحرب على قطاع غزة، لكنها لم تقدم المزيد من الإثباتات والبراهين التي تؤكد أن الأسواق مستقرة.”

وشدد العمدة على أن الأسواق قد تكون أكثر استقرارا هذا العام، ليس بفعل نجاح إجراءات الحكومة لضبطها، وإنما لأن هناك ركودا تعانيه الكثير من السلع، مع تراجع معدلات الاستهلاك واقتصارها على السلع الرئيسية في مواسم معينة وليس على مدار العام، وهناك اقتناع بأن سياسات الحكومة الاقتصادية قادت إلى هذا الوضع.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات على أساس سنوي بنسبة 20.3 في المئة، وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المئة على أساس شهري. ويتوقع البنك المركزي المصري أن يستمر التضخم في التباطؤ أوائل العام الجاري بسبب السياسة النقدية الصارمة.

ويبقى تركيز الحكومة المصرية بشكل أكبر على توفير القمح الذي يدخل في إعداد الخبز (العيش) باعتباره السلعة الأهم بالنسبة إلى المواطنين وتقدمه مدعوما لأكثر من 70 مليون مواطن، ويعد مسألة تواجده بشكل مستقر في الأسواق دليلا على قدرتها على توفير الجزء الرئيسي من الاحتياجات اليومية للمواطنين، مع الحاجة المستمرة إلى زيادة كميات الشحنات المستوردة كي تواكب الارتفاع في زيادة الاستهلاك.

وواجهت مصر مؤخرا تحديات في استيراد الحبوب، وتضاءلت احتياطات بعضها الإستراتيجية، وأشارت بيانات تجارية إلى أن القاهرة استوردت العام المنقضي نحو 14.7 مليون طن من القمح في عمليات شراء حكومية، و74.3 في المئة منها جاءت من روسيا، بينما كشفت الأرقام السابقة عن استيراد 10 ملايين طن سنويا.

 

اقرأ أيضا:

         • تحفظ شعبي ضد توجه مصر لتكريس الدين في التعليم

1