القضية المالية في العراق تتخذ بعدا مناطقيّا

نواب يطالبون باستحقاقات محافظات الجنوب على غرار استحقاقات إقليم كردستان.
الاثنين 2025/01/20
حنفية نفط البصرة شغل شاغل لناهبي موارد الدولة

يكشف إقحام اعتبارات مناطقية في المسألة المالية بالعراق، وضمن قضية الموازنة الاتّحادية، أن الخلافات حول تلك المسألة ليست تقنية أو اقتصادية خالصة بل سياسية مرتبطة بمآرب القوى المتنفّذة في الدولة واستعدادها لتوظيف قضية الموارد وطريقة إدارتها واستخدامها كورقة ضغط على خصومها، بغض النظر عن تداعيات ذلك على قسم من السكان وجزء من المجتمع.

بغداد - مثّل دخول العامل الجهوي والمناطقي على خطّ الخلافات الدائرة حول تعديل قانون الموازنة العراقية عامل تعقيد إضافيا للخلافات الحاصلة في البلد بشأن القضايا المالية القائمة، وخصوصا منها الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول حصّة الأخير من موازنة البلاد ورواتب موظّفيه وإعادة تصدير النفط المنتج في حقوله.

وفي وقت صعّدت فيه حكومة إقليم كردستان مطالبتها لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني بالتعجيل في تمكين الإقليم من استحقاقاته المالية حتى تتمكّن من الإيفاء بالتزاماتها تجاه السكان من رواتب وخدمات أساسية، بادرت قوى سياسية معنية باستدامة الضغط على سلطات منطقة الحكم الذاتي لأكراد العراق بلعب ورقة استحقاقات محافظات الجنوب والوسط باعتبار أن النفط المنتج في بعض تلك المحافظات يمثّل أهم مورد مالي للدولة، وأنّ الأجدر أن يتمتّع سكانها بتلك الموارد قبل سكان مناطق أخرى في مقدمتها محافظات الإقليم.

وتقف تلك القوى ذاتها والممثلة بأبرز الأحزاب والفصائل الشيعية العراقية وراء تشدّد حكومة السوداني في مسألة حصّة إقليم كردستان من موازنة الدولة وعدم تحويلها ما يكفي من أموال لتغطية رواتب موظفيه. كما وقفت وراء تأخّر تعديل قانون الموازنة الاتحادية باتجاه تحديد كلفة إنتاج برميل النفط في الإقليم تمهيدا لإعادة تصدير الغام المنتج في حقوله والذي أدّى توقّفه بناء على دعوى قضائية دولية أقامتها حكومة بغداد إلى خسارة موارد مالية كبيرة وتعميق الأزمة الاقتصادية والمالية للإقليم.

ياسر الحسيني: هدفنا تحصيل حقوق محافظاتنا على غرار محافظات الغرب والشمال
ياسر الحسيني: هدفنا تحصيل حقوق محافظاتنا على غرار محافظات الغرب والشمال

وأعلن الأحد عن تشكيل تجمع نيابي داخل مجلس النواب العراقي باسم “جبهة نواب الوسط والجنوب” قال مؤسسوه إنّه يتبنى مطالب سكان تلك المحافظات باستحقاقاتهم من موارد الدولة.

وتمثّل المحافظات المذكورة المعقل الرئيسي للطائفة الشيعية في العراق وتنظر إليها الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة باعتبارها خزّانها الجماهيري. غير أنّ سكانها ينظرون إلى تلك القوى نفسها باعتبارها مسؤولة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها، وذلك بفعل فسادها الذي تسبب في إهدار أموال ضخمة من عوائد النفط وأدى إلى استشراء الفقر والبطالة وتردّي الخدمات العامّة.

وسبق لسكّان محافظات جنوب ووسط العراق أن عبّروا بوضوح عن غضبها الشديد من الأحزاب والميليشيات التي تدّعي تمثيلهم والتحدّث باسمهم، وذلك من خلال الانتفاضة الشعبية العارمة التي انطلقت شرارتها من نفس تلك المحافظات سنة 2019.

وقال ياسر الحسيني، رئيس كتلة الآمال النيابية، إنّ الهدف من التجمع النيابي الجديد هو “الدفاع عن حقوق أبناء الوسط والجنوب في المحافظات التي يمثلونها مع حفظ حقوق جميع المحافظات العراقية.”

وأوضح في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن “جبهة نواب الوسط والجنوب”، المشكّلة من نواب مستقلين وآخرين ينتمون إلى كتل سياسية مختلفة، ستعمل على “استحصال كامل حقوق محافظات الوسط والجنوب في الموازنة فضلا عن تشريع القوانين غير الجدلية داخل مجلس النواب.”

وتوعّد بأن يكون التجمّع “صاحب اليد العليا لاستحصال كامل حقوق المحافظات في قطاعات المياه والزراعة والكهرباء، فضلا عن المشاريع الأخرى.”

وأشار إلى أن “نواب الجبهة لن يصوتوا على الموازنة ما لم تتضمن استحقاق كامل محافظات الوسط والجنوب أسوة بالمحافظات الغربية والشمالية.”

وعملت قوى سياسية ممثلة تحت قبّة البرلمان العراقي على عرقلة تعديل المادة 12 في قانون الموازنة والمتعلّقة بنفط إقليم كردستان. واعتبر النائب مصطفى الكرعاوي أن التعديلات المقترحة على تلك المادّة تفرض أعباء مالية إضافية على الدولة العراقية دون أن تلزم إقليم كردستان بأي التزامات مقابلة في ما يتعلق بالمسؤوليات المالية أو التنفيذية، ما قد يعقد الوضع المالي في البلاد ويزيد الضغوط على الموازنة العامة.

وقال في تصريحات لوسائل إعلام محلية إنّ “هذه القضية تستدعي مراجعة دقيقة من قبل مجلس النواب لضمان عدم تحميل بغداد أعباء مالية إضافية من دون تحقيق التوازن بين الأطراف المعنية،” ودعا إلى “التوصل إلى حلول منصفة تضمن حقوق جميع الأطراف مع الحفاظ على العدالة المالية والاجتماعية في تنفيذ الموازنة.”

وعلى الطرف المقابل اتهمت أشواق الجاف، العضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد الرئيسي لحكومة إقليم كردستان العراق، جهات سياسية بعرقلة التوصل إلى اتفاق لحل الخلافات المالية بين الإقليم والسلطة الاتّحادية.

القوى الشيعية المتحكّمة بشكل رئيسي في زمام السلطة الاتّحادية في العراق تعمل على تصوير إقليم كردستان باعتباره "عالة" على الدولة، وخصوصا على محافظات الجنوب المنبع الرئيسي للنفط

وقالت لوكالة بغداد اليوم الإخبارية إنّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني “يمكن التفاهم معه ويريد الحلول للأزمات والمشاكل التي يعاني منها إقليم كردستان لكن هناك جهات سياسية تحاول عرقلة التوصل إلى اتفاق بين بغداد وأربيل لأغراض سياسية وانتخابية وتدفع باتجاه عدم نجاح أي اتفاق وتريد عرقلة عمل حكومة الإقليم. وهذه الجهات مسيطرة في بغداد.”

ومع تأثّر الوضع الاقتصادي والاجتماعي في إقليم كردستان بالسياسات المالية للحكومة الاتّحادية تجاهه، باتت قياداته تشعر بخطورة استدامة ضغوط الجهات النافذة في بغداد عليه، وتعبّر عن غضبها من تلك السياسات والضغوط.

وخلال اجتماع استثنائي عقدته حكومة الإقليم مؤخّرا لمناقشة مشكلة الرواتب، قال رئيس الحكومة مسرور بارزاني إن الإقليم لن يقبل بعد الآن بالتعامل الحالي لبغداد معه، مشددا على ضرورة تصحيح العلاقات بين أربيل وبغداد.

وتعمل القوى الشيعية المتحكّمة بشكل رئيسي في زمام السلطة الاتّحادية في العراق على تصوير إقليم كردستان باعتباره “عالة” على الدولة، وخصوصا على محافظات الجنوب المنبع الرئيسي للنفط.

وكثيرا ما استُخدم نفط البصرة، التي تنتج حوالي ثلاثة وسبعين في المئة من النفط المنتج في العراق وتمدّ موازنة الدولة بأكثر من ثمانين في المئة من مواردها المالية، كمحور للدعاية السياسية والانتخابية لتلك القوى.

ورغم غناها المادي الكبير إلاّ أن المحافظة التي تتولّى أحزاب شيعية إدارة حكومتها المحلّية تعاني مشاكل كبيرة مترتّبة على تعثّر التنمية في ربوعها طوال أكثر من عشريتين من الزمن حيث تعرف تهالكا كبيرا في بناها التحتية وارتفاعا في معدّلات البطالة والفقر وكذلك التلوث البيئي وما يترتّب عليه من مشاكل صحية للسكان.

وخلال الأزمة القائمة حاليا بسبب الخلافات المالية بين بغداد وأربيل برز الحديث مجدّدا عن نفط البصرة ومنع وصول عائداته إلى مناطق عراقية أخرى. وقال النائب علاء الحيدري إنّ المحافظة التي تنتج أربعة ملايين برميل يوميا موازنتها أقل بأضعاف من الموازنة الواصلة إلى إقليم كردستان.

3