فقدان الثقة يولد موجة عراقية لسحب الودائع من البنوك

أدى قرار البنك المركزي العراقي إغلاق منصة تحويل الدولار إلى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي، في ظل موجة سحب ودائع مالية سواء لأفراد أو شركات خشية تعرض البنوك للإفلاس وعجزها عن سداد أموالهم، لعدم تماشي إجراءاتها مع متطلبات صناع القرار النقدي ووزارة الخزانة الأميركية.
بغداد- تظهر بيانات البنك المركزي العراقي تقلصا في حجم الودائع في البنوك التجارية إلى أدنى مستوى في اثنين وعشرين شهرا، إلى 123 تريليون دينار (93.9 مليار دولار) في نوفمبر الماضي، مقابل 127.5 تريليون (97.3 مليار دولار) قبل شهر.
وتقلص حجم الودائع بمقدار 7 تريليونات دينار (5.3 مليار دولار) في ستة أشهر من يونيو إلى نوفمبر العام الماضي، ما يعكس اتجاهاً مستمراً نحو تراجع مستويات الادخار في النظام المصرفي خلال الأشهر الأخيرة.
وكان البنك المركزي يقوم منذ مطلع 2023 بالمراقبة المباشرة للحوالات المالية بالدولار من خلال منصة خاصة بهدف إعادة تنظيم العملية بين البنوك العراقية.
وأتاحت الخطوة مراقبة استباقية بدلاً من الرقابة اللاحقة التي كان يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) من خلال تدقيق الحوالات اليومية، لكن المركزي قرر هذا العام إنهاء العمل بتلك المنصة اعتباراً من بداية 2025.
وأدرجت الولايات المتحدة 14 بنكا عراقيا، تمثل نصف إجمالي مؤسسات القطاع المصرفي، على القائمة السوداء، ومنعتها من إجراء معاملات بالدولار للاشتباه في استخدامها لغسل الأموال وتحويل الأموال إلى إيران وسوريا.
وأوضح وليدي عيدي المدير المفوض للشركة العراقية لضمان الودائع أن الشركة تستشعر وجود تخوف لدى المودعين في البنوك التي تعرضت لعقوبات أميركية.
وأكد أن الأرقام الإحصائية تشير إلى أن العديد من المودعين خاصة التجار منهم استطاعوا سحب أموالهم وإيداعها في حسابات لدى البنوك الحكومية أو غير المعاقبة بهدف استمرار أعمالهم وإزالة الهواجس والخوف الذي يشعرون به.
لكن عيدي ذكر لبلومبيرغ الشرق أن الشركة لم تتلق أي مطالبات تعويض من المودعين في أي بنك، مُشدداً على أن التعويض مرتبط بصدور قرار من مجلس إدارة المركزي الذي يقضي بإعلان بنك معين إفلاسه و”لم يصدر مثل هذا القرار حتى الآن.”
والبنوك المخولة بحوالات الدولار، هي مصرف بغداد ومصرف المنصور ومصرف الأهلي ومصرف أبوظبي ومصرف الائتمان وتي.بي.آي الحكومي والمصرف العراقي التجاري الإسلامي والمصرف العربي العراقي ومصرف الأردن ومصرف الاتحاد الأردني.
ويشير رئيس رابطة المصارف العراقية الخاصة وديع الحنظل إلى أن البنوك المحلية تتمتع بقدرة مالية قوية تمكنها من التعامل مع تقلبات السوق أو أي تغيرات في آليات التحويل دون التأثير على ودائع متعامليها.
ويعمل في العراق 83 بنكا من بينها 8 حكومية و24 تجارية و31 إسلامية، إضافة إلى 17 فرعا لبنوك أجنبية تجارية وإسلامية عاملة وثلاثة مكاتب تمثيلية لمصارف أجنبية.
وبحسب صفوان قصي، أستاذ كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية، لم تمنع القيود الدولية التي فُرضت على بعض البنوك العراقية من تعويض المفقود من الأرباح من التحويلات الدولية بالدولار.
5.3
مليار دولار مقدار تقلص حجم الودائع بين شهري يونيو ونوفمبر من العام الماضي
وأكد أنها لجأت إلى تشغيل الودائع الموجودة لديها في مختلف القطاعات الاقتصادية المدرة للدخل، فضلا عن البدء بعمليات إصلاح لتكون مقبولة دوليا.
ويرجح قصي أن يسهم فتح نافذة التحوط على الدينار العراقي في هذه البنوك سيرفع من كمية الودائع وتنتقل السيولة من خارج القطاع المصرفي إلى داخله ولو تدريجياً.
ويكافح العراق الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة منذ أكثر من أربعة عقود بحثا عن حلول تساعد في تحفيز القطاع المالي حتى يسهم بدور فعال في تنمية الاقتصاد، الذي ظل متوقفا منذ الغزو الأميركي في 2003 عبر تخفيف مستوى البطالة وتضييق دائرة الفقر.
ولطالما حث الخبراء صانعي السياسة النقدية في البلد النفطي العضو في أوبك إلى الإسراع في اعتماد استراتيجية جديدة لترقية نشاط القطاع حتى يحسّن وضعه لدى وكالات التصنيفات الائتمانية الرئيسية.
ويقر المدير المفوض لمصرف الخليج التجاري عادل نوري بوجود تأثير على الودائع لدى البنك والبالغة 210 مليارات دينار (1.63 مليار دولار) بنهاية العام 2024.
ويعزو نوري ذلك إلى عدم دخول البنك في منصة بيع الدولار واعتبره تأثير نسبي ومحدود، مؤكداً أن الخليج التجاري بدأ بتوسيع نشاطاته وفعالياته المصرفية الاستقطاب أكبر عدد ممكن من الودائع من خلال عروض تنافسية تم طرحها في السوق.
لكن بالنسبة إلى مصرف التنمية الدولي فيؤكد رئيس مجلس إدارته زياد خلف أن عمل البنك البالغ حجم ودائعه 2.9 تريليون دينار (2.2 مليار دولار) لم يتأثر بإغلاق المنصة لأنه عمل على بناء علاقات استراتيجية مع البنوك المراسلة ومؤسسات التمويل الدولية.
وقال “لقد ضمن ذلك سير عمليات التمويل التجارية الخارجية من خلال التعامل بالعملات الأخرى كاليوان الصيني والدرهم الإماراتي واليورو بالإضافة إلى الروبية الهندية.”
واستكمل التنمية الدولي كافة متطلبات الامتثال التي ستمكنه قريباً من فتح حساب دولار مع أحد البنوك الأميركية، فضلا عن زيادة حصة العمليات التجارية المنفذة بين العراق والإمارات.
كما أنه بصدد الحصول على رخصة إضافية للتعامل مع قطاع الأفراد في دولة الإمارات وبما يسهم في زيادة الودائع المصرفية.
ويرى مدير مؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية منار العبيدي أن التخوف كان نتيجة إعلان الوصاية على مجموعة من البنوك مع توفر مصادر استثمار أخرى كالعقارات والتجارة قلل من قيمة العائد من الاستثمار في القطاع المصرفي.
لكن الخبير المالي زياد الهاشمي يؤكد أن ثمة تحديات لا تزال ماثلة أمام البنوك تتعلق أولا بـ”ضعف الثقة المجتمعية وهو ما ثبت لسنوات عبر حالة الاكتناز المرضية والتي يمكنها أن تنهي أو تقوض نشاط ونمو أي قطاع مصرفي مهما كان متقدماً وتنافسيا.”
والمشكلة الأخرى هيكلية، بحسب العبيدي، وتتعلق بـ”طبيعة نموذج عمل ونشاط وقدرات البنوك والتي تتسم بالتقادم وعدم الحداثة والانعزالية عن الأسواق والقطاعات الاقتصادية وضعف برامجها التسويقية.”
وهذا ما جعل، في رأيه، تلك البنوك غير قادرة على توسيع قاعدة المودعين ولا تقديم خدمات ائتمانية ومصرفية متنوعة ذات جودة تجذب قطاعات الأعمال والأفراد.
وكان المركزي العراقي قد تعاقد في أغسطس الماضي، مع شركة أوليفر وايمان لإجراء مراجعة شاملة لأوضاع البنوك المحلية، ولا سيما تلك الممنوعة من التعامل بالدولار الأميركي، بغية محاولة دمجها ضمن القطاع المصرفي العراقي والدولي.