المنافع المتبادلة تدفع عجلة التكامل الاقتصادي بين تونس والجزائر

تذليل التحديات في صدارة الأولويات لحكومتي البلدين لتحفيز النمو المستدام وتعزيز الاستثمار والتجارة والتعاون في الطاقة والسياحة والزراعة.
الخميس 2025/01/16
الطاقة رابط مهم في مسار التكامل

فرضت مسألة تبادل المنافع وتطويرها، على المسؤولين وأوساط الأعمال في تونس والجزائر تكثيف تعاونهم في هذا المسار، والذي يشكل أحد محاور طموحات البلدين لتقوية اقتصادهما من بوابة الطاقة والاستثمار، مع تعزيز التجارة البينية في السنوات المقبلة.

تونس - شكل تدخل الجزائر مع مطلع 2025 لحل أزمة الغاز المنزلي التي عانت منها تونس، وسط ارتفاع الطلب المحلي بسبب تدني درجات الحرارة التي تضرب شمال أفريقيا هذه الفترة، إحدى العلامات الكثيرة على التعاون الاقتصادي تحت يافطة المساعدات.

وتمثل الجزائر شريكا إستراتيجيا لتونس سواء من حيث احتياجاتها من الطاقة سواء نفط أو غاز أو كهرباء أو مشتقات التكرير، أو من حيث التجارة المتنوعة، خاصة في قطاعي الأغذية الزراعية والسلع الاستهلاكية.

وأعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية في الثالث من يناير الجاري حصولها على أكثر من 22 ألف طن من الغاز المنزلي من الجزائر، لمواجهة زيادة الطلب المحلي بسبب موجة البرد التي تعيشها البلاد خلال فصل الشتاء.

وتعتبر الجزائر وتونس، من بين الدول القليلة في منطقة شمال أفريقيا، التي تربطها مشاريع مشتركة، وهما توليان اهتماما كبيرا للمناطق الحدودية، بما في ذلك إنشاء مناطق تجارية حرة.

نصرالدين بن حديد: مداخيل التونسيين من سكان الحدود مدعومة من الجزائر
نصرالدين بن حديد: مداخيل التونسيين من سكان الحدود مدعومة من الجزائر

ومنذ ثمانينيات القرن الماضي جسدتا العديد منها كمصنع صناعة الإسمنت الأبيض والأعمدة الكهربائية وخط لسكة الحديد، ضمن إطار مشروع الاتحاد المغاربي، لكنها تعطلت لأسباب مختلفة، وتسعى قيادتا البلدين إلى إحيائها من جديد لتعزيز التعاون والتكامل بينهما.

وفي تصريحات سابقة للأناضول، قال أيمن الرحماني مدير الدراسات والتعاون الدولي بالديوان الوطني للسياحة إن السوق الجزائرية حققت رقما قياسيا لأول مرة عام 2023، تجاوزت بمفردها أكثر من 3 ملايين سائح إلى تونس من بين قرابة 9.3 ملايين سائح.”

وليست هذه المرة الأولى التي تساعد فيها الجزائر البلد النفطي العضو في منظمة أوبك جارتها في السنوات القليلة الماضية، مع ارتفاع حدة التحديات المالية والاقتصادية لتونس.

ففي 2020، أودعت الجزائر مبلغ 150 مليون دولار لدى تونس، أتبعته بقرض بقيمة 30 مليون دولار في ديسمبر 2021 وقرض آخر بقيمة 200 مليون دولار، ومنحة مالية بقيمة 100 مليون دولار في ديسمبر 2022.

وفي ذات سياق التعاون، وقع البلدان في ديسمبر 2021 على 27 اتفاقية تخص الأمن والقضاء والصناعة والطاقة.

ويرى الإعلامي الجزائري المقيم في تونس نصرالدين بن حديد، أن الأهم من القروض الرسمية “هو غض الجزائر الطرف عن تمرير السلع الأساسية إلى تونس من قبل تونسيين يزورون الجزائر وفسح المجال لهم للتزود من السوق الجزائرية.

أيمن الرحماني: تدفق الجزائريين حقق رقما قياسيا لأول مرة عام 2023
أيمن الرحماني: تدفق الجزائريين حقق رقما قياسيا لأول مرة عام 2023

وقال بن حديد في تصريحات للأناضول “من طبرقة بولاية (محافظة) جندوبة شمالا إلى حزوة من ولاية توزر جنوب غرب البلاد الدخل الأساسي للتونسيين مدعوم من الجزائر.. عدا عن كون تونس وجهة أساسية للسياحة الجزائرية للخارج.”

وحول خلفيات القروض التي أسندتها الجزائر لتونس، قال بن حديد “الجزائر لها 6 آلاف كيلومتر حدود كلها متوترة، والعلاقة مع المغرب متوترة وكذلك مع جنوب الصحراء وعدم استقرار الوضع في ليبيا، تبقى فقط تونس مستقرة.”

وأشار إلى أن غلق الأبواب أمام التوترات لا يأتي من الناحية العسكرية والأمنية فقط، “بل بالاستقرار السياسي وتحسين أحد أسبابه الاستقرار الاجتماعي بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.”

وشدد على أن “الجزائر تتعامل مع تونس مهما كان من يقودها، فقد تعاملت مع حركة النهضة عندما كانت في الحكم (بين 2011 و2021) والجزائر لها اليوم نفس العلاقة الجيدة مع الرئيس قيس سعيّد.”

ويؤكد بن حديد أن علاقات الجزائر مع تونس لا مكان فيها للأيدولوجيا، فهي تتعامل مع الجهات الرسمية القائمة مهما كانت أفكارها، والجزائر تريد حفظ الأمن والتعاون، ومنذ سنوات هناك نحو 300 ألف تونسي يشتغلون في سوقها.

ولوحظ في السنوات الأخيرة تطور ملحوظ في حجم الاستثمارات البينية، فبحسب التقديرات، تحتضن تونس قرابة 74 مشروعا في مختلف المجالات، بينما يبلغ عدد الاستثمارات التونسية في الجزائر حوالي 42 مشروعا.

وبالنسبة للمبادلات التجارية، فهي في ارتفاع مطرد فقد حققت 1.6 مليار دولار في 2019، لكنها تراجعت خلال عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا، وفي عام 2022 نمت إلى 1.9 مليار دولار لتبلغ في العام قبل الماضي 2.2 مليار دولار.

رضا الشكندالي: العلاقة تبدو أحادية على أساس أن لتونس عجزا في الغاز
رضا الشكندالي: العلاقة تبدو أحادية على أساس أن لتونس عجزا في الغاز

وقال زير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس “ما يمكن قوله إن التواصل والتعاون أمانة وأخوة وتفتح، ويدلان على وعي جديد لمركزية الجزائر في إيمانها بأنها هي التي تمسك مفتاح تأسيس المغرب الموحد الكبير.”

وأضاف “هناك إيمان من القيادة الجزائرية المتواصلة بأن لها رسالة تاريخية بحكم المركزية الجغرافية لها، وبحكم الطاقة الاقتصادية التي تمتلكها، فهي المرجع في التقدم لتأسيس المغرب الكبير.”

وحول تدهور العلاقات الجزائرية – المغربية ودور تونس أوضح ونيس أن ذلك له أبعاد جيواسترتيجية، وبالنسبة لتونس “لا نرى ضرورة في تفضيل الشرق على الغرب، الضرورة المتأكدة أن نؤسس المغرب الموحد.”

وأضاف “نؤكد أننا لا نرتاح للقطيعة بين الجزائر والمغرب، كما أننا نأسف لتواصل الأزمة ما بين الجزائر وجيرانها في ما يخص قضية الصحراء الغربية.”

وتباع “نحن في تونس، مررنا بثورة ديمقراطية زعزعت أركان الأنظمة المحيطة بنا، ففي ليبيا تفجرت القضية ضد (الراحل معمر) القذافي.”

وتابع “وفي المشرق العربي تزعزعت الأنظمة في مصر وسوريا واليمن، إلا أن الجزائر حافظت على خيارها السياسي ومد يد المساعدة إلى تونس التي احتاجت إلى مساعدة اقتصادية أعمق من جيرانها.”

ومع أن الاتفاقيات التي تمت بين الجزائر وتونس السنوات الأخيرة عملت بعض الشيء في تحقيق نقلة منتظرة في مستوى العلاقات، لكن يبقى مجال الطاقة أحد أسس التعاون.

ولفت رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية إلى جوانب أخرى اقتصادية شجعت على “العلاقات الجيدة” بين الطرفين. وقال للأناضول “العلاقة الاقتصادية هي أحادية الجانب على أساس أن تونس لها عجز طاقي في الغاز الذي تحتاجه من الجزائر.”

وأضاف “الاقتصاد لا يتحرك إلا بالطاقة، وهناك نوع من التبعية التونسية للجزائر التي لم يكن لنا عجز تجاري معها.. الآن أصبحت الثالثة بعد الصين وروسيا.”

وبدا حذرا من أنه “ربما تكون هناك تبعية في اتخاذ القرارات السياسية الهامة، ومنها التوجه نحو المعسكر الشرقي، وحتى اتباع سياسات تتجه للحمائية.”

10