صندوق النقد الدولي يبث الحياة في جهود الخصخصة في مصر

قررت السلطات المصرية تسريع وتيرة برنامج الطروحات الحكومية وبيع عدد من الشركات التابعة للجيش، بهدف تخفيف قبضة الدولة عن الكثير من الكيانات الاستثمارية بالطرح في البورصة أو البيع لمستثمر إستراتيجي أجنبي (فرد أو مؤسسة) بشكل مباشر.
القاهرة- تتجه الحكومة المصرية نحو زيادة عدد الشركات المطروحة للبيع ضمن برنامج الطروحات، استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي الذي طالب القاهرة ببذل مجهود أكبر لتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تهدف بشكل أساسي إلى إفساح المجال للقطاع الخاص.
وكشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أخيرا عن نية الحكومة الإعلان عن شركات جديدة لطرحها للقطاع الخاص في 2025، بالإضافة إلى الشركات العشر التي تم الإعلان عنها في وقت سابق وكان من المقرر أن يقتصر البرنامج عليها هذا العام.
وأعلنت السلطات المصرية قبل أيام طرح 10 شركات العام الجاري، منها 4 شركات تابعة للقوات المسلحة، هي: وطنية للبترول وشل أوت وسايلو فودز وصافي للمياه.
وتتضمن الطروحات كلا من بنك القاهرة وبنك الإسكندرية ومحطة رياح جبل الزيت، وشركة الأمل الشريف للبلاستيك، ومصر للصناعات الدوائية، وشركة “سيد” للأدوية.
وجاء القرار في وقت حساس، حيث تستعد مصر لاستقبال شريحة جديدة من قرض صندوق النقد في يناير الحالي، ما يفتح باب التساؤلات عما إذا كان هذا التوسع في الطروحات شرطًا ضمنيًا للحصول على القرض، وتأثيره على الاقتصاد والعمالة، ومدى ملاءمة التوقيت الحالي.
ووفقا للمراجعات السابقة التي أجراها الصندوق، كان هناك تركيز واضح على تسريع تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية كجزء أساسي من الإصلاحات المطلوبة.
ويعبر تسريع وتيرة الطروحات عن رغبة الحكومة في الالتزام بتعهداتها تجاه صندوق النقد، لكنه يثير أسئلة عديدة حول تأثير هذه الخطوة على الاقتصاد المحلي ومستقبل العمالة التي تمثل زيادة ملكية الدولة أمانًا وظيفيًا.
ويقول محللون إن قرار بيع الشركات الحكومية يأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من تحديات هيكلية، أبرزها ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع قيمة الجنيه، وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يستوجب الحيطة والحذر لتحقيق الاستفادة القصوى للاقتصاد والأفراد.
ومع رؤية الحكومة أن الطروحات ستساعد في تعزيز ميزان المدفوعات وتوفير السيولة الأجنبية، يرى بعض الخبراء أن بيع الأصول الحكومية قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على قطاعات إستراتيجية، ما يجعل الاقتصاد المصري أكثر عرضة لتقلبات الأسواق العالمية.
ويثير توقيت الطروحات تكهنات حول مدى مناسبته في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة مع تراجع قيمة الجنيه، وبالتالي قد يؤدي بيع الشركات حاليا إلى حصول المستثمرين الأجانب على الأصول بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، ما يمثل خسارة محتملة للدولة.
وتحتم توقعات استمرار سعر العملة عند مستوياتها الحالية خلال الأجلين القصير والمتوسط على الحكومة تسريع البرنامج الذي لا مفر منه.
ومن العراقيل التي تقوض تحقيق أقصى ميزة من وراء البرنامج، أن البيئة الاستثمارية العالمية تواجه تحديات مثل ارتفاع أسعار الفائدة، وتقلبات الأسواق الناشئة، وانخفاض شهية المستثمرين للمخاطرة.
وهذه العوامل تجعل من الصعب جذب مستثمرين جدد، ما يعزز المخاوف من أن يكون بيع الأصول الحكومية حلاً قصير الأجل على حساب الاستدامة طويلة الأجل.
ومن الجوانب المهمة التي ينبغي أن تأخذها الحكومة في الحسبان، تأثير الطروحات على العمالة، لأنه عادة ما تؤدي الخصخصة إلى إعادة هيكلة الشركات، وهو ما ينتج عنه تقليص عدد الوظائف.
وفي بلد يعاني من معدلات مرتفعة للبطالة، قد يؤدي أي تسريح جماعي للعمال إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على العمالة، ودائما ما توجه الحكومة رسالة طمأنة للعاملين بأن وظائفهم مصونة.
وبالرغم من أن الحكومة أكدت قدرتها على وضع ضوابط لحماية حقوق العمال، أثارت التجارب السابقة لعمليات الخصخصة قلقًا حول القدرة على الوفاء بتعهداتها في هذا الصدد.
وقال الخبير الاقتصادي خالد الشافعي إن “الحكومة تسعى لتسريع وتيرة الإصلاحات المطلوبة لتجنب تأخير صرف الشريحة الجديدة من القرض، خاصة في ظل الحاجة الماسة إلى السيولة لتخفيف الضغط على الاحتياطي النقدي وتوفير العملة الصعبة لاستيراد السلع الأساسية.”
وأضاف لـ”العرب” أن “السؤال الأهم هو: هل ستؤدي هذه الطروحات إلى تحقيق النمو الاقتصادي المنشود أو أنها مجرد استجابة لضغوط خارجية؟”
وأوضح أنه “ينبغي أن يتزامن مع ذلك تحسين بيئة الأعمال عبر تبسيط الإجراءات الإدارية وتوفير حوافز ضريبية للمستثمرين، لتعزيز الاقتصاد دون الحاجة إلى بيع المزيد من الأصول الحكومية.”
وتأتي الخطوة كإشارة واضحة إلى المستثمرين تفيد بأن مصر ملتزمة بسياسات الإصلاح والانفتاح على القطاع الخاص، وهذا الالتزام من شأنه أن يعزز ثقة المستثمرين ويحفز تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى السوق، ما يسهم في رفع الاحتياطات النقدية وتقليل العجز التجاري.
وذكرت نيفين عبدالخالق، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، أن التحدي الأكبر أمام الحكومة هو تحقيق التوازن بين تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد وحماية الاقتصاد الوطني من المخاطر المحتملة.
وقالت لـ”العرب”، “لا بد أن تترافق الخطوة مع دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بجانب تنويع مصادر التمويل بجذب استثمارات مباشرة في مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة بدلًا من بيع الأصول القائمة.”
ومن أهم مزايا الطروحات أنها تسهم في تحسين أداء الشركات الحكومية وغالبًا ما تواجه تحديات مرتبطة بالكفاءة التشغيلية والإدارة بسبب البيروقراطية وعدم توفر الحوافز المناسبة.
وعندما يتم إدراج الشركات في البورصة أو بيع حصص منها لمستثمرين إستراتيجيين، فإنها تكون ملزمة بتحقيق معايير أعلى من الشفافية والكفاءة لتحافظ على جاذبيتها، وهذا التطور يؤدي أيضًا إلى تحسين جودة المنتجات والخدمات المقدمة من قبل هذه الشركات.
ويشير محللون إلى أنه إذا تم تنفيذ الطروحات بحكمة، مع وضع خطط واضحة لإعادة استثمار العوائد في مشاريع تنموية مستدامة، فقد تحقق هذه الخطوة فوائد طويلة الأجل للاقتصاد المصري.
أما إذا تمت بشكل متسرع لتلبية شروط الصندوق فقط، فقد تكون العواقب وخيمة على الاقتصاد المحلي ومستقبل العمالة، لأنها ستجلب حفنة قليلة من الدولارات ولن تتم الاستفادة منها، سواء في دعم استيراد السلع أو الموازنة العامة للدولة.