أكراد سوريا يتعظون من أخطاء كردستان العراق

تشكل المرونة التي يبديها الأكراد في سوريا دافعا مهما لجهود المجتمع الدولي في إقناع تركيا والقادة الجدد في دمشق بتغيير موقفهم في ما يتعلق بإشراك هذا المكون في التغيير الجاري في البلد، ووقف العمليات العسكرية.
دمشق - يبدي الأكراد في شمال شرق سوريا مرونة كبيرة في التعاطي مع المستجدات الطارئة بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، محاولين تجنب الوقوع في أخطاء أكراد العراق، التي كادت أن تكلفهم غاليا، لاسيما حينما أصروا على الذهاب في خيار الاستفتاء على الانفصال.
ويظهر الأكراد في سوريا انفتاحا على المشاركة في المرحلة الجديدة، ويؤكدون رغبتهم في تطبيع العلاقات مع تركيا، وتقديم التطمينات اللازمة بأنهم لا يحملون أي مشروع عدائي للدولة الجارة، أو انفصالي.
ويلقى الموقف الكردي تفاعلا إيجابيا من المجتمع الدولي الذي يبدي استعدادا لمد يد العون لهذا المكون المجتمعي في سوريا، وهو ما يترجم في المواقف الغربية التي تؤكد أهمية دمج الأكراد في أي عملية سياسية، ووقف العمليات العسكرية التي تقودها فصائل موالية لتركيا بحقهم.
وأكد مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الجناح العسكري للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، الأربعاء، على رفض “أي مشاريع انقسام” تهدد وحدة البلاد.
وقال عبدي إن لقاء “إيجابيا” جمعهم مع القيادة الجديدة لسوريا، نهاية الشهر الماضي في دمشق، مضيفا “نتفق أننا مع وحدة وسلامة الأراضي السورية، وعلى رفض أي مشاريع انقسام تهدد وحدة البلاد.”
يظهر الأكراد في سوريا انفتاحا على المشاركة في المرحلة الجديدة، ويؤكدون رغبتهم في تطبيع العلاقات مع تركيا
وتخضع مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا لسيطرة الإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد بعد اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، وانسحاب القوات الحكومية منها من دون مواجهات.
وبنى الأكراد الذين تصدّوا لتنظيم الدولة الإسلامية مؤسسات تربوية واجتماعية وعسكرية، وحاولوا طيلة سنوات النزاع الحفاظ على مكتسباتهم، في وقت حملت عليهم السلطة السابقة نزعتهم “الانفصالية”.
وكان وفد من قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردي عمودها الفقري وتدعمها واشنطن، التقى قائد الإدارة الجديدة في دمشق أحمد الشرع في الثلاثين من ديسمبر، في أول محادثات بين الطرفين منذ إطاحة الأسد في وقت سابق من الشهر ذاته.
وقال عبدي “ناقشنا معا المرحلة المستقبلية بعد سقوط نظام الأسد وكيفية النهوض مجددا بسوريا مبنية على ركائز متينة.”
وأكد على “دعم مساعي الإدارة الجديدة ليكون هناك استقرار في سوريا من أجل تهيئة الأجواء لحوار بناء بين السوريين”، معتبرا أن “الإدارة الجديدة يقع على عاتقها التدخل من أجل وقف إطلاق النار في عموم سوريا.”
ورفع الأكراد السوريون، بعد هزيمة الأسد، علم الاستقلال الذي تعتمده فصائل المعارضة، على مؤسساتهم، في بادرة حسن نية تجاه السلطة الجديدة، في خطوة رحّبت بها واشنطن.
الموقف الكردي يلقى تفاعلا إيجابيا من المجتمع الدولي الذي يبدي استعدادا لمد يد العون لهذا المكون المجتمعي في سوريا
ويرى محللون أن التعاطي الكردي حتى الآن يبدو مشجعا للقوى الغربية للتدخل لدى تركيا من أجل وقف هجمات حلفائها وفتح قنوات تواصل مع الأكراد.
ويشير المحللون إلى أن الأكراد في سوريا اتعظوا من الأخطاء التي وقع فيها أبناء جلدتهم في شمال العراق، حينما تبنوا مواقف حدية، في إحدى الفترات، ومضوا في العام 2017 في استفتاء لتقرير المصير.
وقوبلت خطوة الأكراد في العراق حينها برفض دولي، وتعرضوا لضغوط شديدة في الداخل، وأيضا من قبل الجارتين إيران وتركيا، ما دفعهم في الأخير إلى التراجع، حيث أدركوا أن مشروع الانفصال سيؤدي إلى خنقهم.
ولا يختلف وضع أكراد سوريا عن ذلك، بل إن الوضع بالنسبة لهم أكثر تعقيدا، فأكراد العراق كانوا استفادوا من الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين، على خلاف نظرائهم في سوريا، الذين وإن لم تكن علاقتهم مع الأسد في أفضل حالاتها خلال سنوات الأزمة، لكن الأخير حرص على عدم مواجهتهم، وهو ما استفادوا منه بشكل واضح في تعزيز وضعهم.
لكن الموقف تغير في الثامن من ديسمبر حينما نجحت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها في الوصول إلى دمشق في أعقاب هجوم مباغت على حلب ثم حمص، ويجد أكراد سوريا اليوم أنهم مجبرون على خفض سقف تطلعاتهم وإظهار انفتاحهم، لإدراكهم أن تركيا والقادة الجدد الموالين لها في دمشق لن يفوتوا فرصة إنهاء وجودهم.
وكانت الفصائل الموالية لتركيا أطلقت عملية عسكرية ضد الأكراد بالتوازي مع التحرك العسكري للإطاحة بالأسد، ولا تزال هذه العملية جارية خاصة في منبج من محافظة حلب.
التعاطي الكردي حتى الآن يبدو مشجعا للقوى الغربية للتدخل لدى تركيا من أجل وقف هجمات حلفائها وفتح قنوات تواصل مع الأكراد
وتعتبر أنقرة الوحدات الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة “إرهابية” ويخوض تمردا ضدها منذ عقود.
ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارا الأكراد في سوريا إلى إلقاء أسلحتهم وإلا “سيُدفنون” معها.
ولوّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأسبوع الجاري بشنّ عملية جديدة ما لم توافق القوات الكردية على شروط أنقرة لمرحلة انتقالية “غير دموية”.
وقتل خمسة مدنيين وأصيب 15 آخرون الأربعاء جراء قصف تركي استهدف قوافل مدنية كانت في طريقها إلى سد تشرين في ريف حلب الشرقي، بحسب الإدارة الذاتية، وذلك استجابة لدعوة وجهتها تنديدا بالقصف المستمر على المرفق الحيوي.
وأسفرت اشتباكات متواصلة بين قوات سوريا الديمقراطية وفصائل سورية موالية لأنقرة في ريف منبج (شمال) رغم إعلان هدنة بوساطة أميركية، عن مقتل أكثر من مئة شخص خلال يومين حتى فجر الأحد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ومنذ عام 2016، نفذت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا وتمكنت من السيطرة على شريط حدودي واسع.
ويعد الأكراد رابع أكبر مجموعة عرقية في منطقة الشرق الأوسط، ويقدر تعدادها ما بين 36.4 و45.6 مليون نسمة وفق إحصائية نشرها المعهد الكردي بباريس عام 2017، ويتركز وجودها في أربع دول هي: سوريا وتركيا وإيران والعراق.
وتختلف التوجهات الفكرية للأكراد في الدول الأربع، أهمها التياران القومي واليساري اللذان تمثلهما حركات وأحزاب، أبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في العراق وحزب العمال الكردستاني في تركيا والاتحاد الديمقراطي في سوريا.