هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة بعد تمديد عمل المفوضية

بغداد – أثار تمديد مجلس القضاء الأعلى في العراق مدة ولاية أعضاء مجلس المفوضين للدورة الحالية سنتين إضافيتين، الكثير من التساؤلات حول إمكانية إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وذلك في ظل الخلافات المتصاعدة حول تعديل قانون الانتخابات.
إلا أن المعطيات الحالية وإجتماع رئاسة الجمهورية ومجلسي النواب والقضاء الأعلى، في قصر بغداد، تشير إلى أن العراق سوف يتجه لإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد في أكتوبر المقبل.
وذكر بيان لرئاسة الجمهورية أن "الرئاسات، عقدت الأربعاء في قصر بغداد، اجتماعا ضم رئيس الجمهورية عبداللطيف جمال رشيد، ورئيس مجلس النواب محمود المشهداني، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان".
وبحسب البيان "بحث المجتمعون الاستعدادات لإجراء الانتخابات النيابية لسنة 2025 ووجوب توفير المستلزمات اللوجستية والفنية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات".
ولفت إلى أنه "في الشأن المالي تمت مناقشة قضية السيولة النقدية وتمويل الوزارات والمحافظات من الموازنة الاستثمارية وموازنة تنمية الأقاليم، وتم التأكيد على ضرورة تلبية الالتزامات المالية للمؤسسات والوزارات، واتباع معايير الرقابة والتدقيق على الصرفيات لحماية المال العام والحد من عمليات الفساد".
وبين أن "الاجتماع ناقش تأخر عرض بعض مشروعات القوانين المهمة المعدة من قبل رئاسة الجمهورية على جلسات مجلس النواب، وتم التأكيد على ضرورة العمل والتنسيق المشترك بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب لإدراج مشاريع القوانين المتأخرة على برنامج جلسات المجلس لارتباطها بمصالح وعمل المواطنين".
وأكد المجتمعون "ضرورة دعم الحكومة في إنجاز واستكمال فقرات برنامجها من خلال الارتقاء بواقع الخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ودعم الاقتصاد العراقي وتشجيع القطاع الخاص وبما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة".
وحول التطورات الجارية في المنطقة، تم التأكيد، بحسب البيان، على "ترسيخ الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وأهمية دعم الجهود الدولية والمساعي لتطويق الأزمات وإيجاد الحلول للمشاكل والقضايا من خلال الحوار البنّاء الذي يعزز السلم والأمن الدوليين".
وأكد السياسي المستقل عائد الهلالي، الأربعاء، أن التمديد لمفوضية الانتخابات سيسمح بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
وقال الهلالي في تصريح لموقع المعلومة" العراقي إن "مجلس النواب لم يتمكن من عقد الجلسة الاستثنائية بشأن مفوضية الانتخابات وكانت هناك آراء متعددة ومختلفة لدى القوى والكتل السياسية حول التمديد لمجلس المفوضين من عدمه ولكل طرف أسبابه”، مبيناً أن "هناك تحديات كبيرة جداً وهناك تشنج خارجي ولا داعي لأزمة جديدة في العراق".
وأضاف أن "التمديد للمفوضية يعني إمكانية إجراء الانتخابات النيابية العامة بموعدها المحدد في شهر تشرين الأول المقبل”، مؤكداً أن "رغم الأوضاع الدولية والإقليمية الضاغطة والمتشنجة بعض الشيء إلا أن العراق في وضع مستقر".
ومن جانبه، قال النائب سجاد سالم عن اللجنة القانونية، إن مجلس القضاء اضطر لإجراء "عملية جراحية" بتمديده ولاية مفوضية الانتخابات بعد عجز البرلمان عن معالجة الأمر.
وأضاف في تصريح إعلامي أن "بعض النواب حسموا أمرهم بالترشح مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهناك من هو ضد رئيس الوزراء، وهذا أمر راجع لهم في تحديد علاقاتهم السياسية مع باقي الأطراف".
وتابع قائلا 'أنا مع إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، ومع قرار مجلس القضاء الأعلى في تمديد عمل مفوضية الانتخابات، لأن انتهاء عمل المفوضية يعني دخولنا في لحظة فراغ سياسي وقانوني، وتعليل القرار كان جيداً بأن لحظة الفراغ قد تضر عملية التداول السلمي للسلطة".
وأوضح أن "انتهاء عمل المفوضية في ظل غياب مجلس النواب، يؤشر عجز البرلمان عن الاتفاق بشأن ملف مجلس المفوضين، ويؤشر أن التناقضات داخل النظام السياسي تفاقمت لدرجة عدم قدرة القوى السياسية على التوصل إلى أبسط الحلول".
واعتبر أن قرار مجلس القضاء الأعلى بالتمديد سليم قانونياً، وجاء في لحظة ضرورية، فعدم وجود مفوضية انتخابات يعني عدم إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، ويهدد عملية التداول السلمي للسلطة، فجاء القرار كعملية جراحية.
وأشار إلى أن "تمديد عمل المفوضية ترك الباب أمام مجلس النواب للتعامل مع الملف في حال حصل اتفاق لاحقاً، فقرار المجلس لم يأتِ ليستولي على صلاحيات البرلمان، ولكن لسد فراغ قانوني".
وفشل البرلمان خلال الفترة الماضية في عقد الجلسة الاستثنائية في 5 يناير الجاري، لمناقشة ملف تمديد عمل مفوضية الانتخابات بسبب العطلة التشريعية، وذلك لكون موعد الجلسة وقع بين عطلتين.
وكان تغيير قانون الانتخابات أحد ابرز عوامل الخلافات السياسية للعام 2024، حيث ان فريق وحلفاء رئيس الوزراء محمد السوداني لا يرون بضرورة تغيير قانون الانتخابات، فيما يصر مناوئي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على ضرورة تعديل قانون الانتخابات، وهو ما قرأه مراقبون بانه يستهدف التضييق على السوداني ومنعه من الحصول على مقاعد كثيرة في الانتخابات المقبلة، فاذا كان القانون بصيغته الحالي بـ18 دائرة، بحيث توجد دائرة انتخابية في كل محافظة، فإنه سيكون بصالح السوداني، لذلك تهدف بعض اقطاب الإطار التنسيقي الى تعديل قانون الانتخابات لرفع عدد الدوائر وجعلها متعددة اكثر بواقع دائرتين ربما في كل محافظة ليصل عدد الدوائر الى بين 35 الى 40 دائرة انتخابية.
وشهد العراق الشهر الماضي حراكا سياسيا من قبل كتل سياسية داخل الإطار التنسيقي، وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون، لتعديل قانون الانتخابات.
وكان نواب قد أقروا بصعوبة تعديل قانون الانتخابات، بسبب الانقسام السياسي بين كبار الكتل السياسية، منوهين إلى أن كل طرف سياسي سيعمل على تمرير القانون وفق ما يخدم مصلحته الحزبية، ولذا تم تأجيل هذا التعديل لحين حسم القوانين الخلافية المعلقة منذ أشهر دون التصويت عليها.
ويتضمن البرنامج العام لحكومة السوداني، التي منحها البرلمان العراقي الثقة في 27 أكتوبر 2022، مجموعة بنود ومحاور أبرزها بسط الأمن والاستقرار، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، واستئناف العمل بالمشاريع المهمة، ومكافحة الفساد، ومنها أيضا بند ينص على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وشهد العراق تشريع ستة قوانين انتخابية منذ عام 2003، الأول كان في مرحلة الدولة الانتقالية، حيث كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة، مع إقرار قوائم انتخابية مغلقة.
ورغم اعتماد القانون الانتخابي (رقم 16 لسنة 2005) القوائم المغلقة ونظام القاسم الانتخابي في احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، إلا أنه قسم العراق إلى 18 دائرة انتخابية، واستمر العمل به حتى عام 2010، ليشهد بعدها تعديلا تمثل في اعتماد القوائم الانتخابية شبه المفتوحة.
وفي 2014 أصدر البرلمان قانونا جديدا للانتخابات، اعتمد فيه نظام سانت ليغو حسب معادلة 1.7، لكن هذه المعادلة شهدت تغييرا في انتخابات 2018 الذي شهد إصدار قانون انتخابي جديد اعتمد معادلة 1.9.
وشهد القانون تغييرا جذريا عام 2020، استجابة لمطالب احتجاجات تشرين (أكتوبر 2019)، إذ اعتمد على الأكثرية بدلا من النسبية، وقسم المحافظة التي كانت في القوانين السابقة دائرة واحدة إلى عدة دوائر انتخابية، ما أسهمت بفوز عشرات المستقلين لأول مرة، وتراجع في حظوظ غالبية الأحزاب الكبيرة التي لم تتمكن من تحقيق الأغلبية، الأمر الذي دفع الأحزاب التقليدية للسعي إلى تغيير القانون، وهو ما حدث بالفعل في 27 مارس 2023، أي قبل إجراء انتخابات مجالس المحافظات بشهور.
وكانت تصريحات نائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، في أغسطس الماضي، حول وجود صفقة "إطارية – رئاسية" يجري العمل عليها لتعديل قانون الانتخابات وتحجيم شعبية رئيس الحكومة محمد شياع السوداني انتخابيا، قد أثارت غضب رئاسة الجمهورية، واصفة إياها بـ"الشائعات" من أجل إرباك الساحة السياسية، ملوحة بمقاضاته.
وكان البرلمان العراقي قد صوت خلال جلسته التي عقدت في 27 مارس 2023 بحضور 218 نائبا على قانون "التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لعام 2018".
وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات تشرين الأول أكتوبر 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.
وبحسب سياسيين، فإن الأحزاب الناشئة والمرشحين المستقلين استفادوا من قانون الدوائر المتعددة، الذي يمنح المرشح فوزه المباشر من خلال أعداد المصوتين له، لكن نظام الدائرة الواحدة يعطي للقائمة الانتخابية أصوات الناخبين للمرشحين ضمن هذه القائمة، لكن في المقابل رأى مراقبون للشأن العراقي أن التعديلات الأخيرة تعزز هيمنة الأحزاب التقليدية على حساب القوى الناشئة.