تقلص صادرات النفط يعيد تشكيل طرق التجارة العالمية

المصافي والأنابيب الجديدة تغير ديناميكيات إمدادات الخام ومبيعاته في الأسواق.
الأربعاء 2025/01/08
مسارات جديدة في عالم مضطرب

تعرضت تدفقات الخام العالمية للاضطراب للعام الثاني في 2024 بسبب الحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط، مع إعادة توجيه شحنات الناقلات وانقسام الموردين والمشترين إلى مناطق، الأمر الذي أعاد تشكيل طرق التجارة العالمية، والذي من المتوقع أن يستمر خلال هذا العام.

هيوستن (الولايات المتحدة) - أظهرت بيانات الشحن أن حجم صادرات النفط العالمية في عام 2024 انخفض بنسبة اثنين في المئة، وهو أول انخفاض منذ وباء كورونا، بسبب ضعف نمو الطلب وإعادة ترتيب طرق التجارة نتيجة تغييرات المصافي وخطوط الأنابيب.

وتقلصت صادرات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا وذهب المزيد من النفط الأميركي ونفط أميركا الجنوبية إلى أوروبا. وتمت إعادة توجيه النفط الروسي، الذي كان يذهب سابقًا إلى أوروبا، إلى الهند والصين.

وأصبحت هذه التحولات أكثر وضوحًا مع إغلاق مصافي النفط في أوروبا وسط استمرار الهجمات على الشحن في البحر الأحمر.

آدي إمسيروفيتش: التحول في تدفقات النفط الخام يفرز تحالفات انتهازية
آدي إمسيروفيتش: التحول في تدفقات النفط الخام يفرز تحالفات انتهازية

وأظهرت بيانات تتبع السفن من شركة كابلر للأبحاث أن صادرات النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا انخفضت بنسبة 22 في المئة بنهاية عام 2024.

ونسبت وكالة رويترز إلى آدي إمسيروفيتش، مستشار الطاقة والتاجر السابق في النفط، قوله إن التحول في تدفقات النفط “يفرز تحالفات انتهازية”، مستشهداً بالعلاقات الوثيقة بين روسيا والهند والصين وإيران التي تعيد تشكيل تجارة النفط.

وأضاف إمسيروفيتش “لم يعد النفط يتدفق على طول منحنى الكلفة الأقل، والنتيجة الأولى هي الشحن الضيق، وهو ما يرفع أسعار الشحن ويخفض في نهاية المطاف هوامش التكرير.”

وكانت الولايات المتحدة بإنتاجها المتزايد من الصخر الزيتي فائزة في تجارة النفط العالمية. وتصدر البلاد 4 ملايين برميل يوميًا، ما يعزز حصتها في تجارة النفط العالمية إلى 9.5 في المئة، خلف كل من السعودية وروسيا اللتين تقودان تحالف أوبك+.

كما تمت إعادة ترتيب طرق التجارة بسبب بدء تشغيل مصفاة دانجوتي النفطية الضخمة في نيجيريا، وتوسيع خط أنابيب ترانس ماونتن الكندي إلى الساحل الغربي للبلاد، وانخفاض إنتاج النفط في المكسيك، وتوقف قصير في صادرات النفط الليبية، وارتفاع أحجام غيانا.

ومن المتوقع أن يستمر الموردون خلال عام 2025 في التعامل مع انخفاض الطلب على الوقود في مراكز الاستهلاك الرئيسية مثل الصين. كما ستستخدم المزيد من الدول كميات أقل من النفط ومزيدًا من الغاز، في حين ستستمر الطاقة المتجددة في النمو.

وقال إريك برويخويزن، مدير الأبحاث والاستشارات البحرية في شركة السمسرة البحرية بوتين آند بارتنرز، لرويترز إن “هذا النوع من عدم اليقين والتقلبات هو الوضع الطبيعي الجديد وكان عام 2019 هو آخر عام طبيعي.”

صادرات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا تراجعت بنسبة 22 في المئة خلال 2024
صادرات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا تراجعت بنسبة 22 في المئة خلال 2024

ويعتقد برويخويزن أن التغييرات في توقعات الطلب سحبت البساط من تحت افتراضات نمو سوق النفط التاريخية طويلة الأجل.

وقال “في الماضي كان بإمكانك دائمًا القول إنه سيكون هناك نمو صحي في الطلب على المدى الطويل، وهذا يحل الكثير من المشاكل بمرور الوقت. لا يمكن اعتبار ذلك أمرًا مفروغًا منه حقًا،” مستشهدًا بالطلب الأضعف في الصين وأوروبا.

وانخفضت واردات الصين بنحو 3 في المئة العام الماضي مع المكاسب في السيارات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن، والاستخدام المتزايد للغاز الطبيعي المسال في شاحناتها الثقيلة.

أما بالنسبة إلى الوضع في أوروبا فقد أدى انخفاض القدرة التكريرية والتفويضات الحكومية للحد من الكربون إلى خفض واردات الخام بنحو واحد في المئة.

وفي خضم ذلك يبرز موردون جدد وطرق جديدة، فقد خفضت مصافي التكرير الأوروبية في البداية الواردات الروسية وزادت مشتريات النفط من الولايات المتحدة والشرق الأوسط بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

وأدت الهجمات على السفن في البحر الأحمر في أعقاب حرب إسرائيل على غزة إلى ارتفاع كلفة الشحن من الشرق الأوسط، حيث كثفت المصافي وارداتها من الولايات المتحدة وغيانا إلى مستويات قياسية.

وانخفضت الصادرات من العراق بمقدار 82 ألف برميل يوميًا وانخفضت صادرات الإمارات العربية المتحدة بمقدار 35 ألف برميل يوميًا في عام 2024. وأضافت أوروبا 162 ألف برميل يوميًا من غيانا و60 ألف برميل يوميًا من الولايات المتحدة.

إريك برويخويزن: تغيير الطلب سحب البساط من تحت افتراضات نمو السوق
إريك برويخويزن: تغيير الطلب سحب البساط من تحت افتراضات نمو السوق

وأدى تصاعد الصراع في الشرق الأوسط في أواخر سبتمبر الماضي، والمخاوف من فرض المزيد من العقوبات من قبل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى تقليص العرض وارتفاع أسعار النفط الإيراني.

ويقول المحللون إن هذا الوضع دفع المصافي الصينية إلى النظر في النفط من غرب أفريقيا والبرازيل.

واستهلكت مصفاة دانجوتي الجديدة في نيجيريا ما يكفي من الإمدادات المحلية للاحتفاظ بنحو 13 في المئة من صادرات نيجيريا من الخام في البلاد عام 2024، ارتفاعًا من اثنين في المئة عام 2023، وفقًا لشركة كبلر.

وأدى ذلك إلى خفض صادرات نيجيريا إلى أوروبا، كما استوردت نيجيريا 47 ألف برميل يوميًا من خام غرب تكساس الوسيط الأميركي، وهو أمر غير معتاد بالنسبة إلى مصدر صافٍ رئيسي.

ومن المرجح أيضًا أن تؤدي زيادة طاقة التكرير الجديدة في البحرين وسلطنة عمان والعراق وكذلك دوس بوكاس في المكسيك إلى امتصاص إنتاج النفط في تلك المناطق.

وفي كندا يمكن لخط أنابيب ترانس ماونتن الموسع الآن شحن 590 ألف برميل إضافي يوميًا إلى ساحل المحيط الهادئ، وهو ما يرفع صادرات البلاد المنقولة عبر المياه إلى مستوى قياسي يبلغ 550 ألف برميل يوميًا.

وكان لهذا تأثير متتال، فمع زيادة تدفق الخام الكندي إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، اشترت المصافي في المنطقة كميات أقل من الخام السعودي وخام أميركا اللاتينية، في حين أدت الشحنات المباشرة من كندا نحو الدول الآسيوية إلى خفض إعادة التصدير من ساحل الخليج الأميركي.

وبينما كانت الصين المشتري الرئيسي لكندا، وجد الخام أيضًا مستوردين في الهند واليابان وكوريا الجنوبية وبروناي ومن المرجح أن يشتري المزيد من المصافي الآسيوية النفط، كما لاحظ المحللون.

ويرى المحللون أن التعريفة الجمركية التي اقترحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بنسبة 25 في المئة على الخام الكندي والمكسيكي، أكبر موردي نفط للولايات المتحدة، قد تغير أيضًا تدفقات النفط في عام 2025.

11