حراك نيابي في الأردن لإقرار عفو عام ذي طابع سياسي

الظروف المحيطة تفرض على المملكة إزالة منغصات تحاول قوى سياسية استغلالها.
الاثنين 2024/12/30
لجنة الحريات تعتزم تبني مذكرة نيابية لمقترح مشروع قانون للعفو العام

يجري إعداد مشروع قانون للعفو العام في الأردن من المتوقع أن يتخذ طابعا سياسيا بإمكانية شموله لنشطاء، في خطوة لا تخلو من رسائل للداخل الأردني عن وجود حرص على تفكيك كل العقد التي يحاول البعض الاستثمار فيها.

عمان - تشهد الساحة النيابية في الأردن تحركات من أجل صياغة مشروع قانون للعفو العام، وسط ترجيحات بأن يشمل نشطاء سياسيين ونقابيين. وتأتي الخطوة استجابة لضغوط شعبية وسياسية، وأيضا تأثرا بالمناخ الإقليمي العام الذي يفرض على الأردن إزالة المنغصات في الداخل، وتعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات القائمة.

وأعلنت لجنة الحريات النيابية، الأحد، أنها ستتبنى مذكرة نيابية لمقترح مشروع قانون العفو العام. وأكد رئيس اللجنة النائب سليمان الزبن أن “الحريات العامة” ستتبنى المذكرة وعرضها على مجلس النواب للسير بإجراءاتها القانونية. وجاء ذلك خلال اجتماع عقدته لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان النيابية، برئاسة النائب سليمان الزبن، لبحث آلية عملها للمرحلة المقبلة.

وتحدث الزبن، عن المهام المناطة بـ”الحريات النيابية” على الصعيدين التشريعي والرقابي، مؤكدا أن اللجنة معنية بالحفاظ على هذه الحقوق والحريات وتعزيز مكانتها على المستوى الوطني وفق التشريعات الناظمة لها وبما ينسجم مع الرؤى والتوجهات الملكية الداعمة إلى صون حقوق المواطنة والحريات التي كفلها الدستور والتشريعات الوطنية.

من جهتهم قدم أعضاء اللجنة جملة من الملاحظات والمقترحات من أهمها السعي التنسيق مع الجهات المختصة بالتوقيف الإداري وبما يضمن صون الحقوق والحريات العامة، وبذل الجهود للإفراج عن الموقوفين إدارياً بالتنسيق مع الجهات المعنية. ويعرب سياسيون ونقابيون عن أملهم في أن يفضي الحراك النيابي إلى إقرار قانون يفرج عن العشرات من النشطاء بينهم عضو البرلمان الأسبق أسامة عجارمة الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة اثني عشر عاما، على خلفية تصريحات وصفت بأنها مسيئة للملك عبدالله الثاني والمجتمع.

كما يتساءل الكثيرون عما إذا كان القانون في حال إقراره، سيفضي إلى إطلاق سراح مسجونين مشهورين على غرار رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله المتهم في قضية “الفتنة” الشهيرة، والمتورط فيها الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني الأمير حمزة بن الحسين.

وكان العاهل الأردني صادق في أبريل الماضي على قانون للعفو العام، بمناسبة اليوبيل الفضي، شمل أكثر من سبعة آلاف سجين، في قضايا مرتبطة بجرائم جنائية وجنحية ومخالفات وأفعال جرمية، التي وقعت قبل تاريخ 19 مارس 2024. واستثنى القانون الذي أعدته حينها الحكومة السابقة، ثمان وثلاثون جريمة، أبرزها ما يتعلق بأمن الدولة والإرهاب والاتجار بالبشر والتجسّس والاغتصاب والتزوير وغسل الأموال.

◙ الأردن يواجه تحديات كبيرة لاسيما بعد الأحداث التي شهدتها سوريا، وأدت إلى صعود الإسلاميين إلى السلطة

ويرى مراقبون أن مشروع القانون الذي يجري إعداده تحت قبة المجلس النيابي، سيتخذ طابعا سياسيا، على خلاف القوانين السابقة، وأنه من غير المنتظر رؤية موانع كثيرة تحول دون ذلك في ظل شعور متعاظم بأن هناك حاجة لتمتين اللحمة الداخلية وسد الطريق على أي ثغرات قد تستغلها قوى سياسية، مثل جماعة الإخوان المسلمين.

ويواجه الأردن تحديات كبيرة لاسيما بعد الأحداث التي شهدتها سوريا، وأدت إلى الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد وصعود الإسلاميين إلى السلطة. ولم يكن الأردن على وفاق مع نظام الأسد لكنه حرص على مدار سنوات الأزمة التي اندلعت في العام 2011 على اتخاذ مسافة مما يجري، لكن التطورات الأخيرة في سوريا وسيطرة هيئة تحرير الشام، التي كانت تنتمي في السابق لتنظيم القاعدة، على الحكم في سوريا تشكل تحديا كبيرا للمملكة.

ويرى المراقبون أن هناك توجها في داخل المملكة فرضته الظروف المحيطة من أجل استيعاب جميع المكونات المجتمعية والقوى السياسية بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين التي كانت أول المرحبين بالتغيير الحاصل في سوريا، على خلاف باقي القوى في المملكة التي أبدت حذرا. ويشير المراقبون إلى أن إقرار قانون العفو العام يعكس هذا التوجه، على الرغم من كون السلطات الأردنية تنفي وجود أي معتقلي رأي أو سياسيين في سجونها.

وقال الخبير القانوني إبراهيم الحنيطي، إن العفو العام يمثل خطوة قانونية هامة تهدف إلى تمكين الجناة من التصالح مع أنفسهم والمجتمع وبدء حياة جديدة. وأضاف في تصريحات صحافية أن العفو العام بالتعريف القانوني، يعني إسقاط الجرم من أساسه، مما يلغي السوابق القضائية بحق الجاني، ويفتح الباب أمامه لمصالحة شاملة مع الوطن.

ولفت الحنيطي إلى أن العفو العام يصدر بقانون ويتطلب المرور بإجراءات قانونية دقيقة، تبدأ بتقديم مشروع قانون العفو العام إلى الحكومة، التي تدرس مدى جدواه والحاجة إلى صدوره، وإذا أقر مجلس الوزراء الأسباب الموجبة، يُحال المشروع إلى ديوان التشريع والرأي لمناقشته، بعد ذلك، يُعاد المشروع إلى مجلس الوزراء لإقراره رسميًا. وتابع “بمجرد إقرار الحكومة للقانون، يُرسل إلى مجلس الأمة، حيث تُناقش أسبابه وحيثياته، وفي حال إقراره من المجلس، يُعاد إلى الحكومة لرفعه إلى جلالة الملك لتوشيحه بالإرادة الملكية.”

وأوضح أن العفو العام عادة ما يشمل جميع الجرائم، لكنه قد يستثني جرائم خطيرة مثل الإرهاب، الجرائم الاقتصادية، والجرائم التي تمس الأمن المجتمعي، مشيرًا إلى أن من يستفيد من العفو العام هو كل من ارتكب جريمة مشمولة بالقانون، سواء كان موقوفًا أو محكومًا أو مطلوبًا لتنفيذ حكم. وشدد الخبير القانوني على أهمية النص في قانون العفو العام على استثناء المعتادين على ارتكاب الجرائم، حتى لا يُستغل القانون من قبل الفئات التي تعتمد في سلوكها الإجرامي على احتمالية صدور عفو عام، موكدًا أن هذا الإجراء يهدف إلى حماية المجتمع من المخاطر الجرمية لهذه الفئات.

وطالب النائب بسام الروابدة من رئاسة مجلس النواب دراسة عفو عام في المرحلة القادمة. ونوه الروابدة إلى أن هناك اعتصامات تجري منذ أربع سنوات أمام مجلس النواب للمطالبة بعفو عام. ومنذ جلوسه على العرش عام 1999، أصدر العاهل الأردني أربعة قوانين عفو عام، كان أولها عام 1999، وثانيها عام 2011، وثالثها عام 2019، والرابع هذا العام. ومنذ تاريخ العفو العام الأول في الأردن عام 1924، يعد العفو العام الأخير الثامن عشر.

2