التوترات في طرطوس وحمص تعكس حجم التحديات الأمنية للإدارة السورية الجديدة

مسألة تفكيك الإرث الثقيل من الأزمات المجتمعية والطائفية ليست بالأمر السهل كما يتصور الكثيرون.
السبت 2024/12/28
مهمة صعبة

دمشق - تعكس التوترات في محافظتي طرطوس وحمص حجم التحديات الأمنية التي تواجه الإدارة السورية الجديدة بقيادة الإسلاميين.

وتُتهم طهران بالوقوف خلف إثارة مثل هذه التوترات الطائفية، لكن مراقبين يرون أن المسألة لا تنحصر فقط في التدخل الإيراني، فهناك اليوم حالة انفلات أمني في سوريا، فضلا عن ظهور ردود فعل انتقامية من المسيطرين على المشهد السوري حاليا تساهم في تأجيج الوضع، مشيرين إلى أن التبريرات المقدمة على أنها “أعمال فردية” غير مقنعة.

وأطلقت الإدارة الجديدة التي تتزعمها هيئة تحرير الشام منذ الخميس حملة أمنية في مدينة طرطوس التي قُتل فيها 14 عنصرا من قوات الأمن التابعين لها، وتعهدت بملاحقة ما أسمتهم “فلول” نظام بشار الأسد المتهمين بوقوفهم وراء الهجوم.

وتمثل أعمال العنف في محافظة طرطوس، وهي جزء من المنطقة الساحلية التي تضم العديد من أفراد الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، المواجهات الأكثر دموية التي تواجه الإدارة التي يقودها إسلاميون من السنة والتي أطاحت بالأسد في الثامن من ديسمبر.

وكان لأفراد الأقلية العلوية، وهي طائفة من الشيعة، نفوذ كبير في سوريا في عهد الأسد الابن وقبله الأب، حيث هيمنوا على المواقع القيادية في البلاد خلال العقود الماضية.

وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن إدارة العمليات العسكرية أطلقت الخميس عملية لملاحقة فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ريف محافظة طرطوس بغرب البلاد.

إدارة العمليات العسكرية أطلقت الخميس عملية لملاحقة فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ريف محافظة طرطوس

وقالت الوكالة “إدارة العمليات العسكرية بالتعاون مع وزارة الداخلية تطلق عملية لضبط الأمن والاستقرار والسلم الأهلي وملاحقة فلول ميليشيات الأسد في الأحراش والتلال بريف محافظة طرطوس.”

وجاء الإعلان عن هذه الحملة في الوقت الذي حذرت فيه السلطات في دمشق من محاولة إثارة الفتنة الطائفية، بعد انتشار مقطع فيديو يعود تاريخه إلى أواخر نوفمبر على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر حريقا داخل مزار علوي في حلب. وقالت وزارة الداخلية إن مجموعات مجهولة ارتكبت أعمال العنف وإن قواتها تعمل “ليل نهار” لحماية المواقع الدينية.

وتعهدت هيئة تحرير الشام، التي كانت تتبع تنظيم القاعدة في السابق وقادت حملة المعارضة التي أطاحت بالأسد، مرارا بحماية الأقليات الدينية، التي تخشى أن يسعى الحكام الجدد إلى فرض حكم إسلامي متشدد. ويشعر العديد من المنتمين إلى الأقليات، ومنهم مسيحيون، بالقلق.

وفي حي تسكنه أغلبية علوية في دمشق، قال الشيخ العلوي علي ضرير إن منازل تعرضت لتخريب وتعرض الناس للضرب على أساس هويتهم الدينية، رغم وعود هيئة تحرير الشام بمعاملة الطائفة باحترام. وألقى باللوم على “طرف ثالث” محملا إياه مسؤولية محاولة إثارة الفتنة.

وقال ضرير لرويترز إن الطائفة مدت يدها للحكومة الجديدة ولكن “حدثت تجاوزات كثيرة،” مشيرا إلى عدة روايات عن تعرض الناس للضرب عند نقطة تفتيش.

وتحدث مقاتل من هيئة تحرير الشام في المنطقة عن واقعة جرت الخميس إذ جرى إنزال علويين من حافلة وضربهم بسبب ديانتهم، لكنه نفى أن تكون هيئة تحرير الشام مسؤولة عن ذلك.

اليوم هناك حاجة ماسة إلى مصالحة مجتمعية والابتعاد عن الطائفية التي كانت أحد أسباب اندلاع احتجاجات 2011

وقال ضرير “الموضوع موضوع فتنة لا نريد أن ننساق وراءه… الآلاف من الناس غاضبون ومتوترو الأعصاب وأهينت كرامتهم ومقدساتهم… مازلنا متمسكين بسلميتنا.”

وحذر طاهر ضوا، وهو علوي يبلغ من العمر 38 عاما وكان متطوعا عسكريا في عهد الأسد، من مغبة تحميل طائفة واحدة “عبء الأخطاء كلها.” وأضاف “نحن لا نريد الانقسام.”

وفي انعكاس للتوترات ذات الطابع الطائفي، أظهرت الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي الأربعاء متظاهرين هتفوا “يا علي” خلال احتجاج خارج مقر محافظة طرطوس، في إشارة إلى الإمام علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد.

وفي حمص وسط سوريا قتل شخصان من قوات إدارة العمليات العسكرية السورية الخميس، وأصيب 10 آخرون في الريق الغربي للمحافظة، ووجهت وزارة الداخلية أصابع الاتهامات إلى من أسمتهم بـ”فلول الأسد”.

ويرى محللون أن الإدارة الجديدة تواجه صعوبات في لملمة الفوضى الأمنية في البلاد، وأن أطرافا متضررة مثل إيران ستحاول استغلال الوضع الراهن، لزيادة الشروخ المجتمعية والطائفية.

ويلفتون إلى أن اليوم هناك حاجة ماسة إلى مصالحة مجتمعية، والابتعاد عن الطائفية التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع احتجاجات 2011، حيث كان السوريون السنة يشكون من التهميش ومن هيمنة الأقلية العلوية.

ويشير المحللون إلى أن مسألة تفكيك الإرث الثقيل من الأزمات المجتمعية والطائفية ليست بالأمر السهل كما يتصور الكثيرون، مؤكدين على أن وجود العدد الكبير من المجاميع المسلحة لا يخدم جهود بناء سوريا الجديدة، فضلا عن التدخلات الخارجية.

2