"بدء".. من عمل روائي إلى مسرحية عن إشكالية علاقة المرأة بالرجل

العمل يدور حول حياة الشخصية الرئيسية التي تسافر بين زمنين أحدهما واقعي والثاني من محض خيالها الأدبي
السبت 2024/12/28
مسرحية مقتبسة من رواية {فوضى الحواس}

الجزائر - اقتبست المخرجة والكاتبة الجزائرية تونس آيت علي عملها المسرحي الجديد من واحدة من أهم روايات الكاتبة الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمي وهي رواية “فوضى الحواس” لتعيد تقديمها بقراءة مسرحية تحمل عنوان “بدء” وتبحث في إشكاليات العلاقة بين المرأة والرجل.

هذا العمل المسرحي الجديد قدمته الفنانة بالتعاون مع المسرح الجهوي لأم البواقي، في إطار فعاليات الدورة الـ17 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف، ضمن برنامج عروض خارج المنافسة.

النص الأصلي للمسرحية هو من اقتباس فات قصار ومن إخراج تونس آيت علي التي قامت أيضا بتصميم العرض وكذلك إعادة كتابة نصه بما يتلاءم مع لغة المسرح، وفق رؤية فنية تتناسب مع الموضوع وتقترب من عوالمه المزدوجة بين الواقع والخيال.

رواية “فوضى الحواس” تقدم للقارئ قراءة في قضايا عربية مجتمعية ممزوجة بصورة محكمة مع حالات من الحب والاندفاع المشاعري الذي يعززه أسلوب الروائية المنفرد وقدرتها على سرد الأحداث الرومانسية في سياق تاريخي عميق.

قراءة في قضايا عربية مجتمعية ممزوجة بصورة محكمة مع حالات من الحب والاندفاع المشاعري الذي يعززه أسلوب الروائية المنفرد وقدرتها على سرد الأحداث الرومانسية في سياق تاريخي عميق

تبدأ القصة برواية عن رجل ذي فلسفة غريبة وفوضوية يلتقي بامرأة ضعيفة الشخصية، تستمر القصة بهذا المنحى عدة صفحات حتى تتدخل الكاتبة في النص، وتكتشف تطابقا عجيبا بين روايتها والواقع؛ حيث تجد أن صالة السينما التي أعدت اللقاء فيها للحبيبين موجودة حقا وأنها تعرض فيلما في الموعد نفسه. تجد الكاتبة نفسها مدفوعة بالفضول لحضور الفيلم وإذ بها تجد الشخص بطل الرواية داخل القاعة.

وتبدأ الأحداث بالتداخل حينما تلتقي بمن تظن أنه “الشخص المعني” الذي يشبه بطل الجزء الأول والذي يخيل للقارئ أنه قادم من ثلاثيتها “ذاكرة الجسد”، قصة رائعة تنقل الكاتبة بين ثناياها النضال الجزائري والمرأة الجزائرية بالإضافة إلى تراث قسنطينة.

كذلك ترصد مسرحية “بدء” أهم الإشكاليات والتحديات التي تواجه علاقة المرأة بالرجل، ومتطلبات كل واحد منهما، من خلال قصة حياة، شابة تغرق في كتابة الروايات وقراءة الشعر وتعيش مع زوجها الذي لا يبادلها الشغف ذاته لكنها تجد في خيالها منفذ نجدة فتلتقي بشخص وهمي في نصها يقرأ لها ويستمتع بكتاباتها ويحاورها في تفاصيل أدبية وشاعرية ويبادلها الأفكار ويشاركها في أسئلتها الوجودية.

واستطاعت آيت علي أن تنقل إلى الجمهور نصها المرئي من خلال تركيزها على الأداء الثنائي للممثلين، حيث يجري العمل حول حياة بصفتها الشخصية الرئيسية للعرض والتي تسافر بين زمنين أحدهما واقعي والثاني من محض خيالها الأدبي.

ويظهر جليا احتفاظ المخرجة بالطابع الكلاسيكي في الإخراج، من حيث الحبكة ووحدات العرض المتمثلة في الزمان والمكان والحدث، بحيث تم التحكم في وحدة النص والأفكار المطروحة.

وبحضور ثلاث شخصيات تجلى العمل أساسا من خلال الكوريغرافيا وانسيابية الحوار وتفاعل الممثلين فيما بينهم فوق خشبة شبه خالية تم تأثيثها تدريجيا بعلامات مرئية وسمعية عمقت مواقف التصادم أو الانجذاب.

وقد خدمت سينوغرافيا العرض التصور الإخراجي لآيت علي، حيث تمت الاستعانة بشاشات كبيرة كخلفية يتفاعل مضمونها مع القصة التي تستعرض مناخات العيش التي تنتقل إليها البطلة، بين الماضي والحاضر وبين الواقع والخيال، مثل البيت والمقهى والشارع وصالة السينما حيثما انتقل خيالها.

خخ

وتونس آيت علي ممثلة ومخرجة مسرحية جزائرية، خريجة مدرسة الفن الدرامي “ابن رشيق” في تونس، وتعد من المخرجات القلائل اللواتي استطعن الجمع بين التمثيل والإخراج في المسرح الجزائري، وكانت لها عدّة تجارب انطلاقا من الجزائر ثم تونس وصولا إلى باريس، حيث تمكّنت من تنويع معارفها مقدّمة باقة من المسرحيات والعروض، إذ أخرجت العديد من الأعمال المسرحية منها مونولغ “الراحلة” و”شهرزاد والغنيمة” عام 1994 للكاتب الجزائري الراحل رشيد ميموني، و”تللي”، وحصلت على عدة جوائز داخل الجزائر وخارجها.

جدير بالذكر أنّ المهرجان الوطني للمسرح المحترف موعد سنوي تنظمه وزارة الثقافة الجزائرية، وتشرف عليه إدارة المسرح الوطني الجزائري “محيي الدين بشطارزي”.

وتستمر فعاليات الطبعة الـ17 من المهرجان إلى غاية 30 ديسمبر الجاري، وهي دورة مخصصة للاحتفاء بالفنانة الجزائرية نادية طالبي، التي قالت إدارة المهرجان إن تكريمها يأتي “نظير مسارها المرصع بالذهب في المسرح والسينما والتلفزيون، وهي صاحبة الباع الطويل على الخشبة، كممثلة قدمت الكثير للفن الجزائري.”

13