عملية جنين.. إثبات لقدرة السلطة الفلسطينية على حكم غزة

السلطة الفلسطينية تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة لإعادة ضبط المشهد وإعادة التوازن إلى مناطق الضفة المختلفة ووأد أي محاولة للعب بالنار المشتعلة وإخمادها بكل الطرق السلمية والدبلوماسية.
السبت 2024/12/28
حلول أمنية مؤجلة بين أبناء الشعب الواحد

في الوقت الذي تشتعل فيه الأحداث في غزة على وقع الحرب الإسرائيلية التي فاقت العام، تعيش مناطق ومدن الضفة الغربية حالة من القلق والتوتر، خاصة بعد شن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية حملة كبيرة ضد المسلحين في مخيم جنين الذي يعتبر ثاني أكبر مخيمات الضفة، تحت شعار “حماية وطن”، في محاولة للسيطرة المطلقة على المخيم الذي تحوَّل إلى مركز للمسلحين الفلسطينيين.

وسعت أجهزة السلطة الفلسطينية إلى حصار المخيم من أجل فرض القانون، واعتقلت بعض المسلحين ونزعت أسلحتهم، ولاحقت الخارجين عن القانون الذين يشعلون الأوضاع ويزيدون التوتر في مناطق مختلفة بالضفة لأسباب تتعلق بتحقيق هذه الجماعات مكاسب سياسية على حساب الشعب الفلسطيني، وإضعاف السلطة الفلسطينية وتحجيم موقفها خاصة في ظل الحديث عن وجود نية من إسرائيل لإسناد قطاع غزة إليها للعودة إلى إدارته عقب انتهاء الحرب. وأكدت تلك العملية العسكرية أن السلطة الفلسطينية أكثر صلابة في التعامل مع القوات الخارجة عن القانون، لحفظ الأمن وحماية المواطنين.

ومن الواضح أن العملية الأمنية الأخيرة في مدينة جنين كانت إجراءً ضروريًا يعزز تصميم السلطة على تأكيد حقها في إدارة الشؤون الفلسطينية، لذلك تصاعدت الاشتباكات بين السلطة وكتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وسقطت إصابات من الجانبين، لكن السلطة تصر على تطبيق القانون وحماية المواطن الفلسطيني ووأد أيّ تحرك من قبل أيّ جماعات تستهدف النيل من قوتها وصمودها وقدرتها على إدارة شؤون البلاد، وتجنب تكرار سيناريو قطاع غزة الذي اختطفته حركة حماس بقوة السلاح وفرضت سلطتها عليه وأعلنت غزة منطقة منفصلة عن فلسطين، ولكنها انتهت بتدمير وخراب غزة على يد الاحتلال بسبب عدم وجود سلطة حكيمة تستطيع إدارة شؤون البلاد بالسياسة والمفاوضة بعيدًا عن قوة السلاح.

الحملة في جنين مؤجلة منذ فترة، تجنبت فيها السلطة الدخول في مواجهات داخلية في ما هي محاصرة من قبل إسرائيل لكن الحرب التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة، والتغييرات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وضعتا السلطة على المحك

وبالفعل نجحت أجهزة السلطة في تفكيك مجموعة من العبوات والسيارات المفخخة التي زرعتها كتيبة جنين في المخيم، وهذا يؤكد نية هذه الحركات الجهادية في إضعاف السلطة لصالح جهات أخرى تدعمها لتنفيذ أجندات خارجية في فلسطين وقد تكون إيران مستفيدة من هذه الأحداث لتقوية نفوذها خاصة مع قرب انتهاء قصة حماس داخل البلاد.

والحملة في جنين مؤجلة منذ فترة طويلة، تجنبت فيها السلطة الدخول في مواجهات داخلية في ما هي محاصرة من قبل إسرائيل سياسيًا وماليًا. لكن الحرب التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة، والتغييرات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وضعتا السلطة على المحك.

ووجدت السلطة نفسها في مواجهة مستعجلة مع المسلحين، بعدما بدأت تشعر أنهم بدأوا يدخلون إلى الفراغ، ويهددون بقاءها في أعقد ظرف ممكن. وتراقب إسرائيل ما يحدث في جنين عن كثب. وقالت “القناة الـ12” إن السلطة تلقت رسالة ساخنة من إسرائيل قبل فترة وجيزة مفادها “ابدأوا بالتحرك وإلا فسنضطر إلى الدخول بأنفسنا.” لكن السلطة لا تربط بين إسرائيل وعمليتها في جنين، والتي ستتوسع إلى مناطق أخرى لاحقًا.

ويعمل الرئيس الفلسطيني محمود عباس على إحداث أوسع تغيير ممكن في السلطة، استجابةً لمطالب دولية بإجراء إصلاحات وتغييرات، تمكن السلطة من تسلم قطاع غزة. وأجرى خلال الشهور الماضية تغييرًا حكوميًا، وعين محافظين جددًا، وأجرى تنقلات لقادة الأجهزة الأمنية، وفي السفارات الفلسطينية، وأصدر مرسومًا يحدد فيه من يتسلم منصبه في حال شغوره فجأة.

وعلى السلطة الفلسطينية الآن مسؤولية كبيرة في إعادة ضبط المشهد وإعادة التوازن من جديد إلى مناطق الضفة المختلفة، ووأد أيّ محاولة للعب بالنار المشتعلة، بل وإخمادها بكل الطرق السلمية والدبلوماسية، لأن حق الوطن يستلزم وأد الفتن، والتأكيد على أنها قوية وقادرة على فرض سيطرتها وقوة القانون على أيّ منطقة تابعة لها، وكذلك إرسال رسائل إلى الجميع بأنها قادرة على ضبط الموقف والتحكم في كل كبيرة وصغيرة بالضفة، وجاهزة أيضًا لأيّ خطط مستقبلية، كما أنها جاهزة لحكم غزة وفرض الأمن والأمان بها بقوة القانون وليس بقوة السلاح.

9