تحركات أممية وأفريقية لجمع طرفي الصراع السوداني في جنيف

تبدو محاولة الاتحاد الأفريقي المدعومة أمميا باهتة سياسيا، لأن التطورات العسكرية تجاوزت المبادرات.
السبت 2024/12/21
مبادرات تراوح مكانها

الخرطوم– عادت عجلة مبادرات السلام في السودان إلى الدوران بعد توقف، مصحوبة بتحركات يقودها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة، ومشاركة الاتحاد الأفريقي الذي يرعى اجتماعات تشاورية لتوحيد المبادرات، مع إمكانية الدعوة إلى اجتماع بين وفدين من الجيش وقوات الدعم السريع في جنيف خلال يناير المقبل.

ويقوم رمطان لعمامرة بزيارة إلى بورتسودان السبت، في ثاني تحرك له إلى المقر الجديد للحكومة السودانية، ويبحث مع المسؤولين هناك تطورات الأوضاع في ظل استمرار القتال، ووسط تحركات إقليمية حثيثة تهدف إلى وقف الحرب في البلاد.

ويذهب لعمامرة إلى بورتسودان بعد أن شارك في الاجتماع التشاوري الثالث حول تنسيق مبادرات وجهود السلام في السودان، والذي اختتم في نواكشوط الأربعاء.

وشدد اجتماع موريتانيا على تعزيز التنسيق والعمل الجماعي على المستويين الإقليمي والدولي، وتنظيم اجتماعات تشاورية لتبادل وجهات النظر حول الوضع الراهن للتنسيق وتفعيل المساعي الحميدة والوساطة والسلام لحل النزاع في السودان.

الصادق علي حسن: الدوران في فلك محاولات سابقة يعني عدم إنهاء الصراع
الصادق علي حسن: الدوران في فلك محاولات سابقة يعني عدم إنهاء الصراع

وتبدو محاولة الاتحاد الأفريقي المدعومة أمميا باهتة سياسيا، لأن التطورات العسكرية تجاوزت المبادرات بعد أن أخفقت محاولات سابقة في إقناع الطرفين بالاتجاه إلى الحل السياسي، كما منح عدم اتخاذ موقف دولي صارم من الجيش الذي عرقل اجتماعات جنيف في أغسطس الماضي إشارة إلى أن المجتمع الدولي غير جاد في السعي لوقف الحرب.

ويصعب التعويل على أي مبادرة يتبناها الاتحاد الأفريقي مع تجميد عضوية السودان في هياكله على إثر الانقلاب العسكري على السلطة في أكتوبر 2021.

ولم تضم اجتماعات نواكشوط ممثلين عن الجيش أو قوات الدعم السريع، ما يشي بأن الهدف جس النبض بشأن إمكانية لعب المبعوث الأممي رمطان لعمامرة دورا شبيها بالذي قام به المبعوث الأميركي إلى السودان توم بريللو مؤخرا، في محاولة لجمع وفدي الجيش وقوات الدعم السريع على طاولة مفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، في جنيف.

وقال قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان إنه يقوم حاليًا بتجهيز 30 قوة متحركة لاستعادة السيطرة على الخرطوم وولاية الجزيرة، ما يشير إلى أن الحشد للمعارك هدف مع إصرار على تجاهل السلام، وأن تعقيدات الوضع القبلي تجعل من الصعب الرجوع خطوات إلى الوراء، وسط عملية استقطاب تجري على نطاق واسع.

وقادت جامعة الدول العربية اجتماعا تشاوريا بين دول ومنظمات دولية، من بينها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و”إيغاد” والاتحاد الأوروبي، بجانب مصر والسعودية والولايات المتحدة في يونيو الماضي، لتوحيد مبادرات السلام، غير أنه لم يجد صدى إيجابيا على أرض الواقع.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن السودان، الخميس عن تقديم نحو 200 مليون دولار إضافية من المساعدات الغذائية والمأوى والرعاية الصحية للسودان، داعيا الدول التي تقدم الدعم العسكري للأطراف المتنازعة إلى التوقف عن ذلك.

كما دعت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس المانحين إلى تمويل جهود الاستجابة والضغط على الأطراف المتحاربة في السودان من أجل إنهاء القتال. وقالت على منصة إكس إن السودان يواجه أسوأ أزمة إنسانية في العالم بسبب الحرب.

بدوره أفاد رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن بأن الأزمة السودانية تجاوزت المبادرات الأممية التي تحولت إلى ما يشبه لقاءات برتوكولية أو حملة علاقات عامة من دون أن تحقق إفادة حقيقية.

وأضاف لـ”العرب” أن الوضع الراهن يقتضي أن يكون الحل عبر مسار سوداني – سوداني يقوم على إيقاظ المواطنين والنخب من غفلتهم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يصبح التقسيم واقعا، والاحتكام إلى التدابير المتخذة في حالات تهديد الأمن والسلم.

الواثق البرير: الواقع السياسي لم يشهد تغيرا يمكّن من نجاح المفاوضات
الواثق البرير: الواقع السياسي لم يشهد تغيرا يمكّن من نجاح المفاوضات

وذكر أن أكبر نموذج فوضى في العالم يظهر في السودان، وسوف يترك تأثيره على الاستقرار في المنطقة بأكملها، ورغم ذلك ظلت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن غير جادة في التعامل مع الوضع الراهن، وأن الفيتو الروسي الخاص برفض حماية المدنيين برهن على ذلك، دون أن يكون للأمم المتحدة دور فاعل في التعامل مع الأزمة قبل الوصول إلى المنحنى الحالي.

وأشار إلى أن السودان على بعد خطوات من إعلان مجموعات مختلفة تحمل السلاح السيطرة الكاملة على بعض المناطق وتشكيل حكومات من خلالها، ما يضاعف الفوضى الراهنة، وأن الدوران في فلك محاولات سابقة يعني عدم إنهاء الصراع.

وانخرطت مجموعة “متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان”، وتضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر وسويسرا والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، في مشاورات مع جهات فاعلة في المجتمع المدني السوداني تمثل النساء والشباب والمنظمات، لمعرفة تصوراتها وملاحظاتها وعرضها ضمن أجندة المحادثات المرتقبة في جنيف الشهر المقبل.

ويقول مراقبون إن التحولات الماثلة في بعض الصراعات الإقليمية قد تبث في نفوس السودانيين أمل التحول إلى صالح إنهاء الصراع المسلح، غير أن تلك الحالة قد لا تنعكس على السودان لأن روسيا التي يتقارب معها قائد الجيش تحاول التمسك بتقديم الدعم له كي لا تفقد المزيد من النفوذ في المنطقة.

وأكد القيادي في تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) الواثق البرير أن الأوضاع في السودان تزداد تعقيدا، وثمة إشكاليات يصعب الخروج منها بسهولة، وأن أولويات القوى المدنية بالنسبة إلى وقف الحرب ودعم الوضع الإنساني تمهيدا للدخول في عملية سياسية لم يتم الأخذ بها، وليست من أولويات المجتمع الدولي الآن.

وأوضح لـ”العرب” أن الفيتو الروسي في مجلس الأمن فوّت فرصة للضغط على الجيش لوقف الحرب، وتبقى كل محاولات إنهاء الصراع عبر المفاوضات مُرحبا بها من جانب القوى المدنية، لأنها الطريق الذي يحفظ للسودان أمنه واستقراره.

لكنه أشار إلى أن الواقع السياسي لم يشهد تغيرا تجاه إمكانية نجاح المفاوضات المقبلة، لأن الإسلاميين من أتباع المؤتمر الوطني الذين يسيطرون على صنع القرار داخل الجيش لهم اليد العليا، ويتحكمون في السلطة ببورتسودان، وهم يدركون أن التفاوض يخرجهم من دائرة الفعل السياسي، وقيادة الجيش تسير معهم في هذا الدرب.

2