الأردن يتطلع إلى استعادة تجارته المفقودة مع سوريا

انقلبت سنوات التشاؤم بين تجار المناطق الحدودية الأردنية مع سوريا إلى تفاؤل مع عودة تدفق السلع والمسافرين من خلال المعبر الوحيد الصالح للعمل بين الجارين، وهو مؤشر قد يساعد في انتعاش حركية الأسواق وتحفيز المسؤولين على تطويرها، بما يخدم اقتصادي البلدين مستقبلا.
الرمثا (الأردن) - يعلق التجار والأسواق الأردنية المحاذية لسوريا أمالا كبيرة على استعادة النشاط الاقتصادي مع جارتهم في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد في وقت سابق هذا الشهر، لتأسيس علاقات أكثر انفتاحا ومنفعة للطرفين خلال المرحلة المقبلة.
وفي السابق كان الأردن يعتبر نقطة مركزية مهمة لسوريا، بخصوص تجارة الترانزيت من خلال نقل البضائع والسلع لدول الخليج العربي، مثلما سوريا مهمة لتجارة الأردن للوصول إلى الأسواق الأوروبية وتركيا ولبنان.
ولكن نتيجة الحرب في سوريا منذ 2011 وحتى العام 2021 تراجعت حركة التبادل التجاري تدريجيا بين الجارين لتبلغ مستويات غير مسبوقة، إلى حدود التوقف النهائي نتيجة المعارك على الحدود.
وبعد أن كان حجم المبادلات يصل في المتوسط إلى حوالي 615 مليون دولار سنويا قبل 2011، بلغ بنهاية العام الماضي نحو 146.6 مليون دولار.
ومع سيطرة فصائل معارضة على السلطة تطمح دمشق، التي تقول إن العقوبات الغربية هي السبب في المشاكل الاقتصادية، إلى أن تسهم عودة الروابط الاقتصادية مع جيرانها، بما فيهم الأردن، في التعافي من آثار الحرب المدمرة وجذب العملة الأجنبية التي تحتاج إليها بشدة.
ويبدو أن الأمر ذاته يشغل الأردنيين، فقد مرت سنوات عجاف على أسواق مدينة الرمثا التي طالما كانت مركزا تجاريا لمختلف صنوف البضائع السورية، بحكم موقعها الجغرافي الملاصق لمحافظة درعا، وقربها من المعبرين الحدوديين اللذين يربطان البلدين.
وبعدما كانت الرمثا قبلة لأهالي وتجار الأردن من كل المحافظات، تحولت نتيجة الحرب في أراضي جارتهم إلى منطقة “منكوبة”، لكن تجارها يعيشون هذه الأيام على أمل العودة إلى سابق العهد مع المتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية السورية.
ويعوّل التجار بالمدينة على قرار فتح معبر جابر الحدودي مع سوريا أمام حركة الشحن الأربعاء الماضي، وهو ما سيسهم في تعزيز انسياب البضائع، ونهاية مرحلة جفاف عاشوها طيلة السنوات الماضية.
وقال حسب الخب، وهو أحد تجار الجملة بمنطقة تسمى “السوق السوري”، لوكالة الأناضول “نحن نعتبر سوريا سلة غذاء للمواطن العربي.”
وأضاف “نأمل عودة الحركة التجارية إلى سابق عهدها، ولكننا نعتقد أن أشقاءنا في سوريا لم يتجهزوا بعد لمرحلة التصدير، بسبب تدمير البنية التحتية.”
وتابع “مع فتح حركة الشحن البري بين البلدين، فإننا نتوقع أن يكون حجم الصادرات من المملكة إلى سوريا أكبر من الواردات.”
ودعا الخب حكومة بلاده إلى “تسهيل انسياب البضائع، وتخفيض الرسوم الجمركية لنعوض خسائر السنوات الماضية.”
تجار الرمثا يعوّلون على قرار فتح معبر جابر الحدودي مع سوريا أمام حركة الشحن
والخميس الماضي، أعلن وزير الصناعة والتجارة الأردني يعرب القضاة أن المئات من الشاحنات عبرت من وإلى سوريا خلال الأيام الثلاثة الماضية، مع عودة انسياب البضائع بين البلدين عقب سقوط نظام البعث في الثامن من ديسمبر الجاري.
وقال القضاة خلال زيارة تفقدية أجراها إلى معبر جابر، والمنطقة الحرة الأردنية – السورية المشتركة “خلال الأيام الثلاثة الماضية، عادت حركة انسياب البضائع من الأردن إلى سوريا ومن سوريا عبر الأراضي الأردنية للدول الأخرى.”
وبيّن أن خلال هذه الأيام توجهت إلى سوريا 500 شاحنة محملة بالبضائع، وأكثر من 150 شاحنة أخرى انطلقت من سوريا من خلال الأراضي الأردنية لعدد من دول الشرق الأوسط.
وقال القضاة في تصريحات صحفية إن “الأردن سمح للسوريين بالتصدير عبر الأردن لكل دول العالم عبر نظام الترانزيت.”
ويرتبط البلدان بمعبرين رئيسيين، هما الجمرك القديم الذي يقابله الرمثا من الجانب الأردني، وقد خرج عن الخدمة منذ سنوات بسبب تداعيات الأزمة في سوريا، ونصيب الذي يقابله جابر الأردني.
ورغم أن معبر جابر – نصيب مفتوح جزئيا منذ العام 2018 بعد أن أبعدت قوات نظام الأسد مسلحي المعارضة من الجنوب، فإن حركة التجارة لم تنتعش لتصل إلى مستواها قبل الحرب.
وقبل الحرب في سوريا كان المركز الحدودي الأردني يضم حوالي 172 مكتبا لخلاص البضائع ويعمل فيه قرابة 600 موظف وتمر عبره نحو 5 آلاف شاحنة يوميا.
146.6
مليون دولار حجم مبادلات عام 2023 بعدما كانت قبل 2011 تصل إلى 615 مليون دولار
وقال التاجر خالد شنوان إن “معظم بضائعنا الآن هي من مصر والصين، وجزء منها من تركيا، وما يعنينا حاليا هو عامل الوقت، فسوريا قريبة جدا منا ويسهل الوصول إليها والاستيراد منها، كما أن منتجاتها تتسم بالرخص مقارنة بالدول الأخرى.”
وأكد للأناضول “كل ما نتمناه هو أن تعود حركة الاستيراد من سوريا لجميع القطاعات، ولا أعتقد الآن أن هناك مانعا لتحقيق ذلك.”
كما أعرب عن تطلعه إلى “أسعار تنافسية تتيح زيادة حجم الاستيراد من جارتنا سوريا.” وأكد أنهم لا ينظرون كتجار إلى جوانب أخرى، فكل ما يعنيهم بحسب قوله هو “عودة الحركة التجارية”.
وتضم المنطقة الحرة المشتركة منشآت صناعية تعمل في قطاعات صناعة الإسمنت والبلاستيك والرخام وإنتاج الزيوت المعدنية والدهانات والخلايا الضوئية وغيرها.
ووصف التاجر الأردني محمد عبيدات سوريا بأنها “الشريان الرئيسي لأسواق مدينة الرمثا”، معتبرا أن “الاقتصاد الأردني يعتمد على الدول المجاورة، وإذا توقف مع أي واحدة منها ينعكس ذلك علينا.”
وقال “في زمن (المخلوع بشار) الأسد تضررنا كثيرا، بسبب ضغوط اللاجئين من جهة، وانقطاع التجارة من جهة أخرى.”
ويعتبر الأردن من أكثر الدول تأثرا بما شهدته جارته منذ عام 2011، إذ يستضيف على أراضيه نحو 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم يحملون صفة “لاجئ”، فيما دخل الباقون قبل بدء الثورة في بلادهم بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة.
وكان المعبر الحدودي الوحيد الذي يعمل بصورة عادية في سوريا هو معبرها مع لبنان. وفي العام 2019 أعادت فتح معبر القائم مع العراق.
ويحدو عبيدات تفاؤل في أن تشهد المرحلة الجديدة تبادلا تجاريا مع الدولة السورية الجديدة، وأن يكون الوضع أفضل مما كان عليه سابقا.
وقال إن “تحقيق ذلك يعتمد على الدولتين الأردنية والسورية، من خلال عقد اتفاقيات تجارية، وتخفيض الرسوم الجمركية بما يتيح تعزيز انسياب البضائع.”
وطالب عبيدات حكومتي البلدين بالإسراع في إعادة تأهيل معبر الرمثا – درعا، والذي يقع وسط مدينة الرمثا، وتوقف عن العمل بسبب الحرب.