جبهة يابانية لمواجهة هيمنة السيارات الكهربائية الصينية على الأسواق

يتفق المحللون على أن ولادة التحالفات في أي قطاع كانت تتشكل أحيانا من الضرورة، والبعض الآخر يأتي لتعظيم المكاسب، ولكن في حالة الاندماج المحتمل بين هوندا ونيسان اليابانيتين، فإن الأمر دفاعي في الغالب حيث تجتاح الشركات الصينية المنافسة العالم.
طوكيو – يلوح التحدي المتمثل في الخبرة الصينية التي لا حدود لها في مجال السيارات الكهربائية لجميع شركات صناعة السيارات التقليدية في العالم، لكنه يشكل بالنسبة لليابان تهديدا لسلسلة توريد قطاعها الضخم الذي كان المحرك الاقتصادي للبلاد لسنوات.
وكشف مصدران مطلعان على الأمر الأربعاء لرويترز أن هوندا، ثاني أكبر مصنع في اليابان، ونيسان، ثالث أكبر مصنع، تجريان محادثات لتعميق العلاقات، بما في ذلك إمكانية إنشاء شركة قابضة. وأكد مصدر منهما أن الشركتين تناقشان اندماجا محتملا.
وتبلغ قيمة شركة هوندا 38.8 مليار دولار، مقابل 7.6 مليار دولار لنيسان. وستكون أي صفقة الأكبر في الصناعة منذ اندماج فيات كرايسلر وبي.أس.أي بقيمة 52 مليار دولار في 2021 لإنشاء مجموعة ستيلانتيس.
ومثل شركات صناعة السيارات الأجنبية الأخرى، فقدت كل من هوندا ونيسان أرضا في الصين، أكبر سوق للسيارات في العالم، حيث اكتسبت بي.واي.دي وغيرها من العلامات التجارية المحلية ثقة المستهلكين بسياراتها الكهربائية والهجينة المحملة ببرامج مبتكرة.
وعلى مدار العام الماضي، أدت حرب أسعار السيارات الكهربائية التي تخوضها شركة تسلا ومنافستها الصينية بي.واي.دي إلى تكثيف الضغوط على أي شركات تخسر أموالا في هذا النوع من مركبات الجيل التالي.
ووضع ذلك ضغوطا على شركات مثل هوندا ونيسان للبحث عن طرق لخفض التكاليف وتسريع تطوير المركبات، والاندماج خطوة رئيسية في هذا الاتجاه. وأعلنت هوندا عن انخفاض بنسبة 15 في المئة في الأرباح الفصلية الشهر الماضي، متأثرة بالانحدار في الصين وتقلص قوتها العاملة هناك.
أما نيسان الشركة التي تعاني منذ فترة طويلة فتخطط لخفض 9 آلاف وظيفة على مستوى العالم والقدرة التصنيعية بنسبة 20 في المئة بسبب انخفاض المبيعات في الصين والولايات المتحدة.
ويحذر سانشيرو فوكاو، وهو زميل تنفيذي في معهد إيتوشو للأبحاث في طوكيو، من أن السرعة التي تمكن بها مصنعو السيارات الكهربائية الصينيون من الابتكار تعني أن هوندا ونيسان “ليس لديهما الوقت” لمواصلة العمل كالمعتاد.
ونسبت رويترز إلى فوكاو قوله “لم نعد في العصر الذي قد تتحد فيه شركات صناعة السيارات معا وتنتج أرباحا من خلال اقتصاديات الحجم ثم تعيد استثمارها في خطة إعادة هيكلة مدتها خمس سنوات.”
ويلاحظ آخرون أن أي انحدار حاد لصناعة السيارات في اليابان سيكون مؤلما بشكل خاص كونها أقوى قطاع في رابع أكبر اقتصاد في العالم، وقد تراجعت مكانة اليابان في الصناعات الرئيسية الأخرى مثل الإلكترونيات الاستهلاكية والرقائق على مر السنين.
وقال تاكومي تسونودا، كبير الاقتصاديين في معهد شينكين لأبحاث البنك المركزي، “بالنسبة لليابان، فإن الأمر كله يتعلق بالسيارات. إذا لم تتحسن صناعة السيارات، فلن يتحسن التصنيع الياباني بالكامل.”
بلغ إجمالي سلسلة توريد السيارات في اليابان حوالي 60 ألف شركة اعتبارا من مايو من هذا العام، وفقا لمسح أجرته شركة تيكوك داتا بنك للأبحاث.
وقُدر إجمالي المعاملات التجارية بنحو 42 تريليون ين (270 مليار دولار)، أي ما يعادل 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2023. وعلى نطاق واسع، توظف الصناعة أكثر من 5 ملايين شخص، يمثلون 8 في المئة من القوة العاملة بأكملها، وفقا لجمعية مصنعي السيارات اليابانية.
اندماج هوندا ونيسان سيكون أكبر صفقة منذ اندماج فيات كرايسلر وبي.أس.أي في 2021 لإنشاء مجموعة ستيلانتيس
ويمكن أن يساعد التوحيد من خلال عمليات الدمج في خفض التكاليف وتجميع الموارد، لكن تبقى رؤية ما إذا كانت صناعة السيارات اليابانية مثل نظيرتيها الأميركية أو الألمانية قادرة على المنافسة بشكل كاف في المركبات الكهربائية.
وانخرطت شركات صناعة السيارات اليابانية في تقاليد البلاد المعروفة باسم “مونوزوكوري” أو الحرفية التصنيعية، وتأثرت بعملاق القطاع تويوتا الرائدة في السوق والتي أحدثت ثورة في التصنيع الحديث بنظامها للإنتاج الهزيل والتسليم في الوقت المناسب للمكونات. وقد ساعدت هذه الأساليب في تطوير ثقافة التحسين التدريجي وكفاءة خط الإنتاج التي دعمت صعود صناعة السيارات اليابانية منذ أواخر السبعينات.
ومع ذلك، فقد شهد التحول إلى السيارات الذكية التي تعمل بالبطاريات تركيز اهتمام المستهلك بشكل كبير على ميزات القيادة الذاتية المعتمدة على البرامج وتجربتها الرقمية داخل السيارة، وهي المجالات التي يتفوق فيها الصينيون. ومن بين شركات صناعة السيارات اليابانية، كانت تويوتا الأكثر صراحة بشأن الضرر المحتمل الناجم عن التحول الدراماتيكي إلى السيارات الكهربائية.
وحذر رئيس مجلس إدارتها أكيو تويودا في أكتوبر الماضي، من أن مستقبل السيارات الكهربائية فقط من شأنه أن يؤدي إلى فقدان العديد من الوظائف في الصناعة، وخاصة لدى الموردين وأولئك الذين يعملون على المحركات. ولطالما دافعت تويوتا عما تسميه إستراتيجية “المسارات المتعددة” التي تشمل إنتاج السيارات الهجينة والسيارات الهيدروجينية، بالإضافة إلى السيارات الكهربائية.
وقال إيكي سوزوكي، وهو مشرع من الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم يمثل محافظة مي، وهي موطن مصنع هوندا وحلبة سباق سوزوكا سيركيت، إنه يأمل في أن “يؤدي تكامل هوندا ونيسان إلى زيادة قدرتهما التنافسية العالمية.”
ولكنه أوضح أنه إذا كان الاندماج سيؤثر سلبا على التصنيع المحلي والعمالة، فإن ذلك سيتعارض مع سياسات رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا، الذي تعهد بتنشيط الاقتصادات الإقليمية في اليابان. وقال “نأمل في أن يتم النظر في التوظيف الإقليمي في اليابان.”