ميلاد حامد لـ"العرب": التشكيل والأزياء يعكسان الهوية وقضايا الإنسان

الفن أداة قوية للتغيير وكسر الصمت حول القضايا الحساسة.
الجمعة 2024/12/20
موهبة تؤمن بقوة الفن على التعبير والتغيير

ميلاد حامد فنان عراقي شغوف بالفن التشكيلي وتصميم الأزياء، يحاول التعريف بالثقافة العراقية والهوية العربية في محافل الموضة العالمية، كما أنه يحاول عبر مؤسسته "أورنمو" للثقافة والفنون دعم الأعمال الفنية للمهاجرين العرب واندماجهم ضمن المجتمع السويدي. وقد جمعه هذا الحوار مع "العرب" الذي يكشف فيه عن رؤاه الفنية وأهم أهدافه.

ميلاد حامد فنان عراقي شغوف بالفن التشكيلي وتصميم الأزياء، يحاول التعريف بالثقافة العراقية والهوية العربية في محافل الموضة العالمية، كما أنه يحاول عبر مؤسسته “أورنمو” للثقافة والفنون دعم الأعمال الفنية للمهاجرين العرب واندماجهم ضمن المجتمع السويدي. وقد جمعه هذا الحوار مع “العرب” الذي يكشف فيه عن رؤاه الفنية وأهم أهدافه.

يُعد الفنان التشكيلي ومصمم الأزياء العراقي ميلاد حامد، المقيم في العاصمة النمساوية فيينا، نموذجا فريدا يمزج بين أصالة التراث الشرقي والحداثة العصرية. بدأ رحلته الإبداعية منذ نعومة أظفاره، منطلقا من شغفه بالألوان والخطوط والتصاميم التي سرعان ما تحولت إلى لغة خاصة للتعبير عن هويته الثقافية وحسه الفني الفريد.

في هذا الحوار، يتحدث حامد عن تحدياته الأولى، نجاحاته في المحافل الدولية، وكيف استطاع أن يجعل من تصاميمه جسرا للتواصل الثقافي بين الشرق والغرب. كما يكشف عن فلسفته الفنية التي تتجاوز حدود الجمال لتصبح رسالة للتغيير الاجتماعي والسياسي، فضلا عن مشاريعه المستقبلية التي تعكس طموحا بلا حدود.

رسام موهوب

f

يقول الفنان التشكيلي لـ”العرب”: “بدأت مسيرتي في الفن التشكيلي والرسم وتصميم الأزياء من شغف كبير بالفن والجمال منذ صغري. في السنة السادسة من عمري، كنت أرسم على كل شيء. كنت دائما أحب الألوان والخطوط والتصاميم المختلفة، وكنت أرى أن الأزياء وسيلة رائعة للتعبير عن الهوية والثقافة وشخصيتي. لطالما كان لي ذوق غريب في اختيار ملابس لا أجدها في السوق العراقية، على الرغم من توافر كل الماركات والانفتاح في بغداد. من خلال دراستي وعزيمتي، طوّرت موهبتي. ومع مرور الوقت، قررت أن أخوض هذا المجال بشكل احترافي، وأعمل على إبراز تصاميم تعبّر عن ثقافتي العراقية بلمسة عصرية. بعد المرحلة التجارية المحلية في شركتنا العراقية الشهيرة ‘سمير أميس’، بدأت مرحلة أخرى نحو احتراف الرسم وتصميم الأزياء، وأنا أدرس في كلية الفنون الجميلة ببغداد. وفي الوقت ذاته، كنت موظفا في وزارة الثقافة كمصمم أزياء أول محترف قدمت تصاميم فنية للعروض الدولية.”

ويضيف “على صعيد الفن التشكيلي، كنت رساما موهوبا ودرست الرسم منذ المرحلة الابتدائية على يد أساتذة محترفين. كان أول معرض رسم لي خلال فترة المدرسة، حيث شاركت في معرض الأطفال الذي أقيم بإشراف اليونيسيف في الهند عام 1988. التحديات الحقيقية بدأت مع الاحتراف في بداياتي الأكاديمية منذ عام 2000، حيث ظهرت تحديات النجاح والتنافس والمحاربة، خاصة بعد بروز اسمي سواء في الفن التشكيلي أو تصميم الأزياء وهو اختصاص صعب لم يكن يتميز فيه الكثيرون في تلك المرحلة.”

أما عن التحديات التي واجهها في بداية مشواره الفني، فيقول “التحديات كانت كبيرة، خاصة مع بداية مسيرتي، لذلك كان من الصعب أن أوصل تصاميمي وأصل بصوتي إلى العالم، وأن أجد من يؤمن برؤيتي. العمل في مجال تصميم الأزياء يتطلب جهدا كبيرا وأموالا طائلة لمواكبة التغيرات السريعة في الموضة العالمية. لكن هذا التحدي كان دافعا لأكون أفضل، وأحرص على أن تكون كل مجموعة جديدة تعكس التطور والشغف الذي أحمله.”

لا أكتفي بتصميم ورسم اللوحات والأزياء بل يكمن دوري في إشعال ثورة فنية ضد الظلم

وعن مدى تأثره بالثقافة العراقية وما تركته من أثر في تصميماته للأزياء، يشرح “الثقافة العراقية غنية بالتاريخ والفن والتقاليد وقد ألهمتني كثيرا في تصاميمي. أستمتع بدمج عناصر من تراثنا العريق بطريقة حديثة تناسب الأذواق العالمية. من النقوش والزخارف التقليدية إلى الألوان الدافئة التي تميز ثقافتنا، أحاول دائما أن أقدم تصاميم تروي قصة عراقية أصيلة، وتعبّر في الوقت ذاته عن الأناقة المعاصرة، وعن الحقب التاريخية لوادي الرافدين وحضارة ميزوبوتاميا، لأنطلق نحو العالمية من خلال هذه الثقافة العريقة وأقدمها برؤية معاصرة داخل الوطن والعالم.”

وعن الرسالة التي يرغب في إيصالها من خلال تصاميمه، يقول “أتمنى أن تنقل تصاميمي رسالة إيجابية وفخرا بالهوية والثقافة العراقية والعربية. أؤمن بأن الأزياء ليست مجرد ملابس، بل وسيلة للتعبير عن الذات والتواصل بين الثقافات. رسالتي هي أن الجمال موجود في التنوع، وأننا كعراقيين لدينا الكثير لنقدمه للعالم. وأرغب دائما بأن يشعر كل من يرتدي من تصاميمي بالثقة والتميز.”

ووجه حامد نصائح للمصممين الشباب الذين يطمحون إلى النجاح في عالم الموضة، قائلا “أنصحهم بالعمل الجاد وتطوير مهاراتهم باستمرار، وأن تكون لديهم رؤية خاصة تميزهم. عالم الأزياء يحتاج إلى شغف وإصرار، كما يحتاج إلى فهم للثقافة والجماليات التي تلهمنا. ومن المهم أيضا أن تكون لديهم القدرة على التكيف والتعلم من كل تجربة، وألا يتوقفوا عن الإبداع والابتكار.”

مزج التراث بالموضة

أزياء تعرف بالثقافة العراقية والعربية
أزياء تعرف بالثقافة العراقية والعربية 

عن مزج التراث العراقي بعناصر الموضة العالمية في تصاميمه، يوضح حامد “أحرص على مراعاة عدة عوامل أساسية لضمان توازن يعكس الهوية العراقية ويواكب الذوق العالمي. أركز على انتقاء العناصر التقليدية التي تحمل رموزا تاريخية أو ثقافية، مثل الكتابات المسمارية والحروف العربية، والنقوش والزخارف التي تعكس ثقافة العراق، ثم أعمل على تبسيط تلك العناصر وتقديمها بأسلوب عصري، بحيث تصبح مناسبة لأزياء اليوم ويمكن أن تقتنيها النساء العراقيات أو الشرقيات وحتى الأوروبيات. هذه مهمة مضاعفة؛ مراعاة مزاج الشرق والغرب في آن واحد.”

ويضيف “أضع في اعتباري أن تكون التصاميم مريحة وعملية، لأن الموضة العالمية اليوم تميل إلى الراحة والبساطة دون التضحية بالأناقة. كما أهتم بأن تلهم كل قطعة الآخرين لاكتشاف جمال الثقافة العراقية من خلال الأزياء.”

وعن تأثير مشاركاته في أسابيع الموضة العالمية في باريس وميلانو ونيويورك على انتشار أعماله عالميا، وهل من مشاركات مستقبلية له في هذا الإطار، يقول “هذه المنصات تمنح المصممين فرصة للوصول إلى جمهور أوسع، ولتقديم رؤيتي وإبداعي على مستوى عالمي، حيث تساهم في تعزيز حضور المصممين والمشاهير وأصحاب التأثير في صناعة الموضة. إن التواجد في أسابيع الموضة يفتح أبوابا للتعاون مع مجلات عالمية ومتاجر راقية. كما أنه يتيح لي فرصة التفاعل مع جمهور متنوع واكتساب رؤى جديدة تساعدني في تطوير التصاميم والمنتجات لتتناسب مع احتياجات الأسواق المختلفة.”

وعن مؤسسة “أورنمو” للثقافة والفنون والاندماج، والسبب الذي ألهمه لإنشائها وما هي رسالتها وأهدافها الأساسية يقول “مؤسسة ‘أورنمو’ للثقافة والفنون والاندماج أُسست في فيينا في بداية عام 2020، ولكن تم تسجيلها رسميا والاعتراف بها في بداية عام 2023، واسمها مستوحى من قانون أورنمو، الذي يُعد أقدم قانون مكتشف في التاريخ، وقد سبق قانون حمورابي بثلاثة قرون. هذه الرغبة جاءت لجهة سد الفجوة بين المجتمعات الثقافية المختلفة التي تعيش في النمسا، وتحديدا في فيينا، المدينة التي تُعتبر بوتقة تجمع مختلف الثقافات. لاحظت أن هناك العديد من الأفراد الموهوبين والمبدعين، خاصة من خلفيات مهاجرة، الذين يملكون قدرات هائلة ولكنهم يفتقرون إلى المنصات المناسبة التي تمكنهم من التعبير عن أنفسهم أو تقديم فنهم وثقافاتهم بالشكل الذي يستحقونه. كما لاحظت وجود فجوة في التفاهم بين المجتمعات المحلية والمجتمعات المهاجرة. من هنا جاءت فكرة المؤسسة لتكون حلقة وصل بين المهاجرين والمجتمع النمساوي الذي فتح الأبواب ودعّمهم في كل المجالات.”

وقال “تهدف ‘أورنمو’ إلى بناء جسور التواصل بين الثقافات، وتشجيع التفاهم والاحترام المتبادل من خلال الفنون والثقافة. كما نسعى لخلق مساحات فنية تعبّر عن أصوات متنوعة، وتتيح للجميع المشاركة والتفاعل، سواء كانوا فنانين أم جماهير من خلفيات مختلفة. نعمل على تعزيز الاندماج الثقافي كما ندعم الفنانين الصاعدين والمهاجرين بتوفير منصة لعرض أعمالهم في مجالات الفنون.”

ويضيف “نؤمن أن التعليم جزء مهم من عملية الاندماج. لذلك، نقدم برامج تعليمية وورش عمل حول تاريخ الفنون وأهمية التعددية الثقافية في تعزيز المجتمعات. نهتم أيضاً بإحياء الثقافة الأصلية للمهاجرين وتعريف المجتمع المحلي بها.”

الفن ودوره في التغيير

نعمل على دعم الفنانين الصاعدين والمهاجرين بتوفير منصة لعرض أعمالهم في مجالات الفنون

عن استخدام الفن لتسليط الضوء على قضايا اجتماعية وثقافية، يقول ميلاد حامد “رسالة الفن بالنسبة إليّ تتجاوز الأزياء والموضة كمنتج للاستهلاك. أعتبره منصة للتعبير عن قضايا اجتماعية وسياسية. من خلال عروض الأزياء، أحرص على تسليط الضوء على موضوعات مثل تزويج القاصرات، الاضطهاد، واستغلال الأطفال، عبر تصاميم تحمل عمقا ومعاناة واقعية. رسالتي هي أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية للتغيير وكسر الصمت حول القضايا الحساسة.”

ويضيف “من أهم النقاط المضيئة في مسيرتي كفنان هو تقديم الأزياء كأداة تعبير سياسي وتحويلها إلى منصة لفضح القوانين والممارسات الاجتماعية مثل تشريع زواج القاصرات. من خلال الأقمشة، الألوان، والتصاميم، أحكي قصصا عن المعاناة الإنسانية. هذه الرسائل وصلت إلى الصحافة العالمية والعربية، ووصفتني بعض الأقلام بـ’الحبر الذي جف بأقلامهم المظلومة’، لأنني استطعت التعبير عن قضايا لم يُسمح لهم بالتعبير عنها.”

ويتابع “أنا لا أكتفي بتصميم ورسم اللوحات والأزياء، بل يكمن دوري في إشعال ثورة فنية ضد الظلم. رسالتي تبرهن على أن الفن يمكن أن يكون سلاحا أقوى من الكلمات، وأن يتفوق على صوت رجال الدين أو السياسيين الفاسدين في العراق، الذين بأفعالهم شتتوا كل مبدعي العراق وعلمائه ومثقفيه في دول العالم.”

ويؤكد “الفن يجب أن يكون صوتاً لمن لا صوت لهم. سأستمر في إيصال رسالتي. فأنا لست مجرد مصمم أزياء، بل مؤرخ للمعاناة ومبشر بالتغيير، وهذه أهدافي ومهمتي.”

أما عن كيفية تعامل الفنان ميلاد حامد مع الانتقادات والتحديات التي تواجهه كمصمم أزياء عربي على المستوى العالمي، فيقول “بعد بروزي في العراق والشرق الأوسط، سواء في مجال الفن التشكيلي أو تصميم الأزياء، وهو اختصاص صعب، تظل التحديات كبيرة. خاصةً في بداية مسيرتي، كان من الصعب أن أوصل تصاميمي وصوتي إلى العالم، وأن أجد من يؤمن برؤيتي. بالإضافة إلى ذلك، العمل في مجال تصميم الأزياء يتطلب جهدا كبيرا وأموالا طائلة لمواكبة التغيرات السريعة في الموضة العالمية. لكن هذه التحديات كانت دافعاً لي لأكون أفضل، وأحرص على أن تكون كل مجموعة جديدة تعكس التطور والشغف الذي أحمله.”

15