فوبيا الحدث السوري تشعل جدل الإقليم السني داخل أوساط القوى الشيعية العراقية

دفع التخويف إلى أقصاه بالحديث عن مخطط لتوطين الفلسطينيين في الأنبار.
الخميس 2024/12/19
الرمادي عاصمة الإقليم المفترض والحلبوسي رئيسه

الجدل الذي أعيدت إثارته في العراق حول إقامة إقليم لسُنّة البلد على غرار إقليم كردستان جاء مفاجئا ودون ظهور مستجدات حقيقية في القضية التي لم تنقطع منذ نحو عقدين من الزمان عن الطفوّ على السطح بين حين وآخر ولأسباب سياسية مثلما هي الحال في الوقت الراهن، حيث عمدت دوائر مرتبطة بالقوى الشيعية الحاكمة باستدعاء المسألة على سبيل التخويف مما حدث في سوريا المجاورة.

بغداد - أعادت دوائر عراقية مرتبطة بالأحزاب والفصائل الشيعية الحليفة لإيران إحياء الجدل حول تحرّكات مفترضة لإقامة إقليم لسنّة البلاد، وذلك في إطار ما قالت نفس الدوائر إنّها “مؤامرة” أميركية – إسرائيلية بمشاركة دول إقليمية تشمل توطين الفلسطينيين في الإقليم المذكور.

وافتقرت إثارة القضيّة إلى أيّ أسباب موضوعية أو تحرّكات عملية باتجاه إنشاء الإقليم المفترض في ما عدا زيارة غير معلنة قالت بعض المصادر إنّ رئيس البرلمان العراقي السابق وزعيم حزب تقّدم محمّد الحلبوسي قام بها إلى الولايات المتحدة ولم يرشح شيء عن أجندتها وما يمكن أن يكون قد جرى خلالها من اجتماعات أو اتصالات بمسؤولين أميركيين.

ورجّحت مصادر سياسية أن تكون إثارة قضية الإقليم في الوقت الراهن جزءا من عملية تخويف إيرانية مما شهدته المنطقة من أحداث عاصفة بدأت بالضربات القاصمة التي تلقاها حزب الله في لبنان على يد إسرائيل وانتهت بسقوط نظام آل الأسد في سوريا وكلا الطرفين جزء من المحور الإيراني الذي يضم الأحزاب والفصائل الشيعية العراقية.

وقالت ذات المصادر إنّ الدوائر المثيرة لمسألة الإقليم السنّي تعيش بالفعل ضربا من الفوبيا من أن تشملها تأثيرات تلك الأحداث وأن تطال النظام الذي تقوده في العراق وتعمل في ضوء ذلك على نقل المخاوف إلى جمهورها الشيعي لتثبيط أيّ حراك ضدّها تأثّرا بالتغيير الذي حدث في سوريا، ونسجا على منوال الانتفاضة الذي كان الجمهور ذاته قد فجّرها بوجهها قبل خمس سنوات.

وروّجت وسائل إعلام تابعة لأحزاب وفصائل شيعية عراقية اتهامات للحلبوسي ببدئه حراكا لإنشاء الإقليم السني بالتنسيق مع دوائر أميركية، مستندة في ذلك إلى آراء سياسيين ومحلّلين عراقيين.

إبراهيم السكيني: التمرد داخل معسكر في الأنبار محاولة لجس النبض
إبراهيم السكيني: التمرد داخل معسكر في الأنبار محاولة لجس النبض

وأورد أحد المواقع الإخبارية شهادة أحد الخصوم السياسيين السنّة للحلبوسي وهو عضو تحالف الأنبار المتحد أحمد الدليمي الذي قال إنّ رئيس حزب تقدّم “أنفق أموالا طائلة لتنظيم العديد من المؤتمرات السياسية والعشائرية في محافظة الأنبار والمحافظات الشمالية وفي الأردن وتركيا لكسب التأييد الداخلي والخارجي لإقامة إقليم الأنبار ضمن توجهات الإدارة الأميركية لتقسيم العراق إلى دويلات طائفية صغيرة.”

كما أورد تصريحات للمحلل السياسي قاسم بلشان قال فيها إنّ “زيارة الحلبوسي الأخيرة إلى الولايات المتحدة جاءت بدعوى من مسؤولين أميركيين حيث زار خلالها عدة ولايات وخصوصا المناطق التي تشهد كثافة سكانية يهودية، وهذا يدل على بدء المخطط الذي أُعلن عنه قبل سنوات بأن هناك شرقا أوسطَ جديدا من خلال تحديد منطقة في العراق لاحتواء فلسطينيي غزة، إذ أن الحلبوسي سيعود إلى الساحة السياسية بعد الانتخابات المقبلة، وبالتالي العراق قد يشهد ولادة إقليم جديد تشكله الأنبار ونينوى وصلاح الدين،” مؤكّدا، من دون أن يورد وقائع بعينها، أن “هناك عملا وتحركات من قبل المسؤولين الأميركيين داخل العراق وهناك زيارات مكثفة من مختلف الشخصيات السياسية الغربية، وهو أمر يؤكد أن المنطقة مقبلة على خارطة شرق أوسط جديدة والحلبوسي أحد الأطراف الذين سيكون لهم دور بهذه الخارطة في المرحلة المقبلة.”

ومن جهته وصف المحلّل السياسي صباح العكيلي زيارة الحلبوسي إلى الولايات المتحدة بالمشبوهة كونها جاءت حسب رأيه في هذا الوقت تحديدا، الأمر الذي يضع عليها “الكثير من علامات الاستفهام”، داعيا إلى مساءلته.

وقال العكيلي لوكالة المعلومة الإخبارية المقرّبة من ميليشيات الحشد الشعبي إنّ “زيارة الحلبوسي إلى واشنطن في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة تثير شبهات كثيرة”، مشيرا إلى وجود بعض التسريبات عن ذهاب رئيس البرلمان السابق إلى الولايات المتّحدة تحت عنوان زعيم البيت السني وإمكانية طرحه مع الجانب الأميركي لصفقة إيجاد إقليم سني يقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل حال قيامه.

وأضاف أنه “ليس مستبعدا أن تتم مناقشة إنشاء مخيمات للفلسطينيين في المناطق الغربية للعراق بعد أن يتم تهجيرهم من غزة والضفة الغربية وبعد مصادرة أراضيهم وتصفية الوجود الفلسطيني في القطاع.” كما اتّهم العكيلي زعيم تقدّم بطرح نفسه “خلال هذه الزيارة كأداة سياسية لأطراف خارجية سعيا لأن يكون له وجود في العملية السياسية مستقبلا وبدعم أميركي بعد أن أقصاه البرلمان العراقي”، علما أن من أقصى الحلبوسي من المجلس هو القضاء وليس البرلمان وذلك بعد أن وجهت إليه تهمة التزوير في وثيقة رسمية.

وذهبت بعض الأوساط السياسية الشيعية العراقية في التخويف من تداعيات الأحداث في سوريا حدّ الحديث عن بوادر تمرد عسكري في الأنبار مستغلة حدثا عارضا تمثّل برفض عناصر من الشرطة الاتحادية في المحافظة تنفيذ أوامر بنقلهم من موقع عملهم إلى موقع آخر.

◙ فكرة الأقاليم مستمدة من الدستور العراقي الذي ساهمت الأحزاب الشيعية بفاعلية في كتابته والمصادقة عليه

وقال إبراهيم السكيني عضو ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إنّ “التمرد العسكري الحاصل في أحد المعسكرات بمحافظة الأنبار يمثل انهيارا ابتدائيا ومحاولة لجس النبض،” معتبرا أنّ خطورة “التمرّد” في كونه “حصل في منطقة متاخمة لجبهة العدو الصهيوني،” في إشارة إلى سوريا التي قال السكيني إنّ إسرائيل بدأت بالتوغّل فيها “وصولا إلى الحدود العراقية،” وهي عبارة تجمل درجة المبالغة رغبة في دفع عملية التخويف من الوضع في سوريا إلى أقصاها.

وتتهم  دوائر سياسية شيعية الولايات المتّحدة بالوقوف وراء إحياء فكرة إقليم الأنبار، أو الإقليم السنّي عموما، حتى تضمن لها موطئ قدم فيه وتؤسس لوجود عسكري مستدام على أرضه، خصوصا وأنّ إحدى أهم نقاط التواجد العسكري الأميركي في العراق موجودة حاليا في محافظة الأنبار ويتعلّق الأمر بقاعدة عين الأسد الواقعة في ناحية البغدادي.

ولا تخلو الاعتراضات الشديدة على فكرة الإقليم السنّي من مفارقة تتمثّل في أنّ الفكرة بحدّ ذاتها مستقاة عن الدستور العراقي الذي نص في الفصل الأوّل من بابه الخامس على أنّ “النظام الاتحادي في جمهورية العراق يتكوّن من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية،” مشيرا إلى إقراره “إقليم كردستان وسلطاته القائمة إِقْليمًا اتحاديا،” وكذلك “الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقا لأحكامه.” كما أشار الدستور إلى “حق كل محافظة أو أكثر في تكوين إقليم.”

وكان هذا الدستور قد أقرّ سنة 2005 بدفع كبير من الاحتلال الأميركي وبتعاون من الأحزاب الشيعية والكردية المستفيدة من الاحتلال، فيما كانت أصوات السياسيين السنّة هي الأقوى في الاعتراض عليه على أساس أنّه يشرّع لتفكيك البلاد وتقسيمها.

وكثيرا ما يرتبط بروز فكرة إقامة إقليم لسنّة العراق بحالة الغضب من الممارسات الطائفية للأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق منذ سنة 2003 وإهمال الدولة العراقية على مدى العقدين الماضيين للتنمية في المحافظات السنية ما أدّى إلى تدهور كبير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هناك، فضلا عن الكارثة الأمنية التي حلّت بتلك المناطق بداية من سنة 2014 بدخول تنظيم داعش إليها وما ارتكبه التنظيم من فظاعات بحق سكّانها، وما خلّفته الحرب ضدّه من خسائر بشرية ومادية جسيمة.

 

اقرأ أيضا:

       • الحشد الشعبي يتهم القوات العراقية بالتجسس عليه لحساب واشنطن

3