حكومات الغرب تفتح قنوات التواصل مع دمشق في اختبار للثقة

بدأت الدول الغربية بإرسال وفود للقاء ممثلين عن السلطات الحاكمة الجديدة في سوريا في خطوة تسلط الضوء على رغبة هذه الدول بالتعاون مع دمشق لكن بعد الثقة بموقف هذه السلطة إزاء الأقليات الإثنية والدينية وحمايتها.
دمشق - تستقبل العاصمة السورية وفودا متزايدة من المسؤولين الغربيين الذين يفتحون تدريجيا قنوات للتواصل مع السلطات الجديدة في دمشق بقيادة جماعة هيئة تحرير الشام، على الرغم من أنها لا تزال تصنفها جماعة إرهابية، في مسعى لاستشراف المرحلة القادمة في البلاد ومدى الاستقرار الذي يسمح بعودة اللاجئين.
وتوالت الوفود إلى دمشق من مختلف الدول الأوربية بالإضافة الى الولايات المتحدة، بينما تسعى السلطات السورية الجديدة إلى بعث رسائل إيجابية بشأن العدالة الاجتماعية وتمثيل الطوائف لطمأنة المجتمع الدولي وحصد الاعتراف والتعاون لإعادة الإعمار، وشدّد أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام التي تولّت السلطة في سوريا، بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، على وجوب أن يكون هناك “عقد اجتماعي” بين الدولة وكلّ الطوائف في بلده لضمان “العدالة الاجتماعية.”
وفي بيان أصدره ليل الاثنين – الثلاثاء، تحالف الفصائل المسلّحة التي تقودها الهيئة، قال الشرع الذي كان يعرف بالجولاني إنّ “سوريا يجب أن تبقى موحّدة، وأن يكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية.”
كما تعهّد الشرع بأن يتمّ حلّ الفصائل المسلّحة وانضواء مقاتليها في الجيش السوري الجديد. وأضاف في البيان إنّه “يجب أن تحضر لدينا عقلية الدولة لا عقلية المعارضة (…) سيتمّ حلّ الفصائل وتهيئة المقاتلين للانضواء تحت وزارة الدفاع وسيخضع الجميع للقانون.”
السلطات السورية الجديدة تسعى إلى بعث رسائل إيجابية بشأن العدالة الاجتماعية وتمثيل الطوائف لطمأنة المجتمع الدولي وحصد الاعتراف
وفي إطار توسيع الاتصالات الغربية مع الإدارة الجديدة بعد أن التقى دبلوماسيون بريطانيون بالشرع في وقت متأخر من مساء الاثنين، اجتمع مسؤولون ألمان مع ممثلين عن السلطات الحاكمة الجديدة في سوريا في العاصمة دمشق الثلاثاء، كما التقت البعثة الدبلوماسية الفرنسية بممثلين عينتهم السلطات الانتقالية السورية.
وأفادت وزارة الخارجية الألمانية إن دبلوماسيين من البلاد يعتزمون أيضا إجراء محادثات مع ممثلين عن هيئة تحرير الشام في دمشق.
وذكر متحدث باسم الوزارة أن المحادثات ستركز على عملية انتقالية في سوريا وحماية الأقليات. وأضاف في بيان “كما يجري استكشاف الإمكانيات لوجودٍ دبلوماسي في دمشق”، مؤكدا أن برلين تراقب هيئة تحرير الشام عن كثب بالنظر إلى أن جذورها تعود لأيديولوجية تنظيم القاعدة. وتابع “يمكن القول في ضوء المتاح، إنهم يتصرفون بحكمة حتى الآن.”
وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن الشرع، التقى في وقت متأخر من مساء الاثنين بوفد من وزارة الخارجية البريطانية. وشدد على ضرورة استعادة العلاقات ورفع العقوبات عن سوريا حتى يتمكن اللاجئون السوريون من العودة إلى ديارهم.
وأظهرت صور نشرتها الوكالة الشرع، الذي كانت مجموعته جزءا من تنظيم القاعدة حتى قطع العلاقات معه في عام 2016، جالسا مرتديا بذلة وقميصا خلال الاجتماع، وهو أعلى تواصل له حتى الآن مع مسؤولين من حكومة غربية منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة.
وتسلط الصور الضوء على التحول الجيوسياسي الذي حدث منذ الإطاحة بالأسد على يد قوات تقودها هيئة تحرير الشام، وهي ضربة لحلفاء الأسد الروس والإيرانيين وقد تفتح الطريق أمام الدول الغربية لإعادة الاتصالات مع دمشق.
ولكن في الوقت الحالي على الأقل، تتطلب أي مبادرات غربية المناورة في ظل تصنيف الإرهاب الذي فرض على هيئة تحرير الشام خلال أيامها كجماعة تابعة لتنظيم القاعدة، والعقوبات المالية المفروضة على دمشق في عهد الأسد.
كما ذكرت وكالة سانا أن الشرع تحدث عن “ضرورة بناء دولة القانون والمؤسسات وإرساء الأمن، كما تحدث عن دور بريطانيا الهام دوليا وضرورة عودة العلاقات.”
وقبيل الاجتماع، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن بلاده أرسلت وفدا من كبار المسؤولين البريطانيين “إلى دمشق هذا الأسبوع لعقد اجتماعات مع السلطات السورية المؤقتة الجديدة وأعضاء من جماعات المجتمع المدني في سوريا.”
الشرع تعهّد بأن يتمّ حلّ الفصائل المسلّحة وانضواء مقاتليها في الجيش السوري الجديد
ولم تكشف الإدارة الجديدة في دمشق إلا عن تفاصيل قليلة عما تفكر به بشأن الخطوات المقبلة في سوريا، حتى مع إحكام سيطرتها سريعا على مؤسسات الدولة.
وقال البشير في مقابلة على قناة الجزيرة مباشر إنه ستتم إعادة هيكلة وزارة الدفاع من خلال “الفصائل الثورية والضباط المنشقين” عن جيش الأسد.
وردا على سؤال عما سيقوله لمن يخشون من سيطرة جماعة دينية أو سياسية واحدة على سوريا، قال البشير إن من يخشون من ذلك لا يفهمون حقيقة الإسلام ولا تسامحه ولا عدالته. وأضاف أن سوريا لكل السوريين وأن الجميع شركاء في بناء مستقبل البلاد.
بدورها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الثلاثاء إن الاتحاد الأوروبي سيجري اتصالات مع القيادة السورية الجديدة ويعيد فتح بعثته في البلاد.
وذكرت فون دير لاين في تصريحات من أنقرة أن التكتل سيزيد المساعدات الإنسانية لسوريا. لكنها حذرت من خطر عودة متشددي تنظيم الدولة الإسلامية وقالت إنه لا ينبغي السماح بحدوث ذلك.
وبعثة الاتحاد، التي تشبه السفارة، في سوريا لم تُغلق رسميا أبدا، لكن لم يكن هناك سفير معتمد في دمشق أثناء الحرب. وقالت كالاس “نريد أن تستأنف هذه البعثة العمل بكامل طاقتها.”
وذكرت أنها طلبت من رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي الذهاب إلى دمشق الاثنين للتواصل مع القيادة الجديدة في سوريا والجماعات المختلفة الأخرى.
وأضافت “عدم القدرة على التنبؤ يتطلب أقصى درجات الحذر. احتمالية عودة مسلحي داعش (وخاصة في شرق سوريا قائمة. ولا يمكننا السماح بحدوث هذا. كما تتعين معالجة المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا.”
واندلع الصراع السوري بعد انتفاضة عام 2011 ضد الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد، وأدى إلى لجوء الملايين من السوريين لدول أخرى من بينهم نحو مليون سوري لجأوا إلى ألمانيا.