خبراء: تنامي ظاهرة الطلاق في تونس يستوجب مقاربة مجتمعية جديدة

تونس - يعيش 600 ألف طفل في تونس في وضع انفصال بين الأم والأب خلال الفترة الممتدة من يناير 2023 إلى حدود ديسمبر 2024، وفق ما بينته روان بن رقية القاضية والباحثة في مركز الدراسات القانونية والقضائية بتونس.
وقالت بن رقية “هذه الإحصائيات المفزعة تشير إلى عمق استفحال هذا الإشكال المجتمعي في الواقع المعاصر، والذي يستوجب مقاربة مجتمعية ونفسية وتربوية جديدة تبحث في أسباب تنامي ظاهرة الطلاق بشكل لافت.”
واعتبرت الباحثة أنه آن الأوان لاعتماد مقاربة جديدة تقوم على فلسفة متكاملة تجمع تصورا مشتركا بين الجهات الفاعلة ذات العلاقة المباشرة بهذا الإشكال، والتي حددتها في مربع العائلة والمدرسة والدولة والدين.
ودعت بن رقية إلى إعادة تحديد مفهوم التربية الصحيحة التي تحرر الطفل من نظرة “الوعاء” إلى مقاربة شمولية تعالج القصور الوظيفي والتفكك الداخلي للأسرة في اتجاه اعتماد مقاربة جديدة تقوم على الحضانة المشتركة والعلاقة المتواصلة بين أطراف الأسرة لأنها الأساس الفعلي للبناء المتوازن الذي يقطع مع القصور العاطفي، وفق تقديرها.
الأسباب الجنسية تعتبر من عوامل الانفصال، وهي عادة أسباب مسكوت عنها، ولكنها موجودة
وتجدر الإشارة إلى أن بن رقية أصدرت كتابا بعنوان “طفل الطلاق والجرح الأبوي بين فلسفة التربية وحكم القانون”، وقدمته خلال المؤتمر الدولي الثالث للجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام، الذي سجل مشاركة باحثين ومختصين من تونس ومن الخارج، وحمل نفس عنوان الكتاب.
من جهته بين رئيس الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام رضا كرويدة أن اختيار موضوع “طفل الطلاق والجرح الأبوي بين فلسفة التربية وحكم القانون” يعكس توجه القائمين على الجمعية نحو التداول في الشأن الاجتماعي والبحث في الظواهر المجتمعية المهمة، وخاصة منها المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية وأدوار الأسرة في الحفاظ على تماسك النسيج المجتمعي والسعي إلى إيجاد الحلول للإشكاليات التي تعترضها على غرار ظاهرة الطلاق وتأثيراته النفسية والاجتماعية والتربوية على تنشئة الأطفال.
وأشار محافظ بن عروس وسام المرايدي إلى أن هذا المؤتمر الذي يتزامن مع احتفال تونس باليوم العالمي لحقوق الإنسان، مثل فرصة للاستماع لآراء مختصين وخبراء في موضوع اجتماعي بالغ الأهمية يتعلق بالأطفال الذين يعيشون حالة انفصال بين الأم والأب، وهو كذلك مناسبة لعرض التشريعات التونسية التي تنظم هذا الوضع وتضمن الحفاظ على حقوق الطفل ومصلحته الفضلى في أي وضع اجتماعي يعيشه.
وشدد على أهمية الخروج بتوصيات ومشاريع اقتراحات تراعي هذا الواقع الجديد للطفل وتضمن له المزيد من الحماية والأمان والتوازن النفسي والسلوكي لتحصين شخصيته ونموها بشكل متوازن بعيدا عن كل أشكال الحرمان.
600
ألف طفل في تونس يعيشون في وضع انفصال بين الأم والأب خلال الفترة الممتدة من يناير 2023 إلى حدود ديسمبر 2024
من جهته أبرز النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب أيمن المرزوقي أهمية هذا الموضوع اعتبارا للمتغيرات المجتمعية التي تترافق مع الوضع الجديد الذي يعيشه الطفل بعد الانفصال الأبوي، وارتداداته الخطيرة على الروابط الأسرية الحاضنة حيث يظل الطفل في حاجة دائمة إلى العيش في بيئة متوازنة.
واعتبر المرزوقي أن المقاربات الجديدة لمعالجة هذا الوضع لا يجب أن تقتصر على الأطر القانونية بقدر ما يجب أن تتوسع لتشمل فلسفة كاملة تأخذ في الاعتبار الاحتياجات النفسية والتربوية وحقوق الطفل في الرعاية والحماية والعيش في بيئة متوازنة تلبي احتياجاته المختلفة، داعيا في الأثناء إلى ضرورة اعتماد مقاربة موضوعية جديدة لهذه الظاهرة تشمل هذه الأبعاد مجتمعة وتؤسس لعلاقة لا تنقطع بين الطفل ووالديه.
وينذر مؤشر الاستقرار الأسري في تونس بحصول “انخرام” في منظومة العائلة بسبب تزايد نسب الطلاق، إذ تسجل تونس يوميا معدل 46 حالة طلاق تتعدد أسبابها وتختلف إلا أن النتيجة واحدة وهي رغبة الزوجين أو الشريكين في فك العقد القانوني بينهما.
وعن أسباب تنامي ظاهرة الطلاق يرى أستاذ علم الاجتماع صلاح الدين بن فرج أن من بينها أسباب اجتماعية وتتمثل في النقص في تحمل المسؤولية من قبل الشباب المقبلين على الزواج، مضيفا أن مرحلة التعارف يكتسيها نوع من التسرع، ولا يسعى الطرفان المقبلان على الزواج للتعرف على طباع بعضهما البعض، ويصطدمان بعد الزواج بطباع وعادات لم تظهر في فترة الخطوبة.
واعتبر في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن الزواج يحتاج إلى استعداد مسبق، غير أن أغلب الأسر لا تقوم بتأطير الشباب الذين أصبح عدد منهم يتعارف عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤدي إلى غياب التفاهم بفعل تمسك كل طرف بعاداته وتقاليده، مضيفا أن ضيق الحال والالتجاء إلى التداين يساهمان في تسميم المناخ الأسري.
وبيّن أن الأسباب الجنسية تعتبر أيضا من عوامل الانفصال، وهي عادة أسباب مسكوت عنها، ولكنها موجودة، وقد يضطر البعض إلى إقامة علاقات جانبية على مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي يؤدي إلى تصدع العلاقات، إضافة إلى تدخل الأسر في حياة الزوجين، وهو من الأسباب التي تؤدي إلى حصول شرخ في العلاقات الزوجية.
من جهته أكد الباحث والخبير في مجال الطفولة والأسرة إبراهيم الرياحي، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، تفشي ظاهرة الطلاق في المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة، وأرجعها إلى عدة أسباب منها المادية والنفسية وضعف الأسس التي قام عليها الزواج.
واعتبر الباحث أن تدهور المقدرة الشرائية يتسبب في ضغط نفسي بين التطلعات إلى ما هو أفضل، من جهة، وبين الإمكانيات المتاحة المحدودة، من جهة أخرى، ما يولد انفعالات يتم تعويضها إما بالعنف أو بالتفكير في فك رابطة الزواج.