الأردن يصر على سياسة منع النشر ويشتكي من الشائعات

مراقبون يتساءلون عن قيمة قرار حظر النشر في الإعلام ومواقع التواصل، خاصة أن هناك الكثير من الحسابات التي تتداول القصة.
الاثنين 2024/12/16
حظر يزيد الغموض

عمان - قرر مدعي عام عمان حظر نشر أي معلومات تتعلق بواقعة حريق جمعية الأسرة البيضاء، التي أصبحت قضية رأي عام في الأردن وأثارت ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الباب للشائعات والتكهنات.

ووجه مدير عام هيئة الإعلام بشير المومني، تعميما للعمل بمضمون القرار القضائي والتقيد التام بعدم نشر أي معلومات تتعلق بواقعة الحريق، ومنع تداول أي صور أو فيديوهات تتعلق بالقضية، علما أن هذا الحظر يشمل وسائل التواصل الاجتماعي وفقا لمنطوق القرار.

وجاء القرار استنادا لأحكام المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر، والمادة 225 من قانون العقوبات. وفتح قرار حظر النشر في القضية باب الجدل حول أهمية القرار في عصر أصبح فيه إخفاء المعلومات أو تجاهل الأحداث مستحيلا.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو صادما يوثق لحظة قيام أحد المسنين بإشعال النار داخل دار المسنين “جمعية الأسرة البيضاء.” ويظهر في الفيديو المسن وهو يشعل غطاء نوم ويضعه على أريكة، مما تسبب في اندلاع النيران التي أودت بحياة 6 أشخاص، وأسفرت عن 60 إصابة، بين حرجة ومتوسطة.

المتابعون لأوضاع الإعلام يحمّلون الحكومة مسؤولية تردي أوضاعه وتراجعه، بسبب طريقة التعاطي معه بقائمة طويلة من المحظورات، وقرارات منع النشر، دون أي إرادة سياسية لتقوية وسائل الإعلام

وعلى إثر الحادثة، وجه رئيس النيابة العامة القاضي يوسف ذيابات، نائب عام عمان، بتشكيل لجنة تحقيق خاصة تضم 3 مدعين عامين للوقوف على ملابسات الحادث. وتهدف اللجنة إلى كشف تفاصيل الواقعة، تحديد أسبابها المباشرة، وفحص الظروف التي أدت إلى وقوع حالات الاختناق والوفيات.

وأكد القاضي أن التحقيق سيشمل مراجعة دقيقة لجميع الوقائع المرتبطة بالحادث، بما في ذلك إدارة المركز وأي تقصير قد يكون ساهم في تفاقم المأساة. ويُظهر الفيديو لحظة البداية المأساوية لهذا الحريق الذي هزّ الرأي العام، بينما تواصل السلطات تحقيقاتها لمعرفة كامل الحقائق واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.

وارتفع عدد وفيات الحريق صباح السبت، إلى 7 بعد تسجيل وفاة جديدة في مستشفى البشير، وذكر مصدر قضائي مسؤول، لقناة المملكة المحلية، إنه جرى توقيف المتهم بحريق الدار للمسنين في عمّان 15 يوما على ذمة التحقيق، وأكد أن التحقيقات ما زالت جارية لاستكمال واستقصاء جمع باقي البينات.

وأشار إلى أنه أسندت تهمة جناية الحريق الناتج عنه وفاة إنسان وجنحة التسبب في الإيذاء، لمفتعل حريق دار الضيافة للمسنين في عمّان، وذلك خلافا لأحكام المادة 327 من قانون العقوبات، والمادة 368 من القانون ذاته، والمادة 334 عقوبات.

وتساءل مراقبون عن قيمة قرار حظر النشر في الإعلام الأردني ومواقع التواصل إذا كان هناك الكثير من الحسابات التي تتداول القصة بينما يزيد الغموض من إمكانية نشر الأخبار الكاذبة حولها.

ووجه مراقبون انتقادات للأجهزة الرسمية التي تنتهج في كل قضية سياسة عدم النشر بحجج واهية لتشتكي لاحقا من انتشار الشائعات والأخبار المضللة. كما وجه الإعلاميون أنفسهم انتقادات للإعلام في بلادهم متسائلين “كيف نكون سلطة رقابية ونحن نتحرك بالريموت كنترول؟” خاصة أن الإعلام الخارجي يتلقف القصص المهمة وينشر كل ما يتعلق بها دون ضوابط ومحددات، غير تلك التي يختارها هو لنفسه.

وأكد صحافيون أنه على الأجهزة الرسمية أن تدرك حجم الضرر الذي تتسبب به إذا ما قررت أن تستمر في تقييد الإعلام وتدجينه. وعبر الأردنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن مواقفهم وردود أفعالهم، حيث تبادلوا المعلومات والصور ومقاطع الفيديو والمواقف ووجهات النظر دون الاعتراف بقيود السلطة ولا بروايتها.

ولم يواكب الأداء الإعلامي المحلي تطورات الأحداث على مستوى تطلعات الأردنيين، بينما يؤدي حظر النشر في قضايا تهم الرأي العام إلى زيادة الغموض وخلق مساحات واسعة لمروجي الإشاعات

ويتساءل مراقبون “أين يعيش النائب العام؟” مؤكدين أن قرارات حظر النشر لا يمكن إنفاذها وتطبيقها، والمتضرر الوحيد منها وسائل الإعلام المحلية. وتحرم قرارات حظر النشر وتوسيع حدوده، الإعلام من ممارسة دوره وتفرض عليه رقابة مسبقة تمنع وصول المعلومات والحقائق للجمهور.

وعادة ما تلجأ الحكومة الأردنية إلى فرض قرار بحظر النشر حول القضايا التي تثير اهتمام الرأي العام في الأردن. وفي السنوات الماضية زادت قرارات حظر النشر بشكل كبير في أوقات الأزمات، سواء الأمنية أو السياسية أو حتى الكوارث الطبيعية. ويؤكد صحافيون أن “القرارات لم تلاحظ فيها فائدة حقيقية لخدمة العدالة أو خدمة الحقيقة للجمهور الأردني.”

قرارات حظر النشر لا يمكن إنفاذها وتطبيقها، والمتضرر الوحيد منها وسائل الإعلام المحلية كما تحرم قرارات حظر النشر وتوسيع حدوده، الإعلام من ممارسة دوره وتفرض عليه رقابة مسبقة

وتستند قرارات “حظر النشر” على المادة 224 من قانون العقوبات الأردني، والتي تنص على أن “كل من نشر أخبارا أو معلومات أو انتقادات من شأنها أن تؤثر على أي قاض أو شاهد، أو تمنع أي شخص من الإفضاء بما لديه من المعلومات لأولي الأمر، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز مئتي دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين.” كما تنص المادة 225 من القانون نفسه على أنه “يعاقب بالغرامة من 5 دنانير إلى 25 دينارا من ينشر وثيقة من وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية، أو محاكمات الجلسات السرية، أو المحاكمات في دعوى السب، أو كل محاكمة منعت المحكمة نشرها.”

وفي المقابل تنص المادة 15 من الدستور الأردني على أن “الدولة تكفل حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون” و”تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون.”

وأكد إعلاميون وحقوقيون أن قرارات حظر النشر في قضايا تهم الرأي العام ولها تماس مباشر مع الشارع “تؤدي إلى زيادة الغموض في القضايا المنظورة وخلق مساحات واسعة لمروجي الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي.”

وفي عصر الإنترنت والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي لم يعد مقبولا استمرار العمل الإعلامي بشكله التقليدي دون تطوير مضمونه ورسالته، فالتطور في الإعلام مرتبط بتطور مستوى الخطاب الإعلامي الموجه إلى الجمهور المحلي.

وتشتكي السلطات الأردنية من الانتشار الهائل للشائعات وتأثيرها على تشكيل الرأي العام والسلم الأهلي، كما تشتكي من حملات التشكيك التي ترافق أي دور تقوم به، وتطالب وسائل الإعلام بالتصدي لتلك المحاولات والحرص والعمل على مراقبة ومتابعة الإشاعات والمحتوى الذي يبث عبر مواقع التواصل للتقليل من شأن الجهود الأردنية، غير أن هناك من يقول إن قيام الإعلام الأردني بدور فاعل يتطلب هامشا من الحريات أكبر مما هو متاح حاليا.

ويحمّل المتابعون لأوضاع الإعلام الحكومة مسؤولية تردي أوضاعه وتراجعه، بسبب طريقة التعاطي معه بقائمة طويلة من المحظورات، وقرارات منع النشر، دون أي إرادة سياسية لتقوية وسائل الإعلام وتعزيز دورها لتنال ثقة المواطن الذي هجرها إلى الإعلام الأجنبي ومواقع التواصل الاجتماعي.

5