العلاج عن طريق الحب

وضع أبوالطيب المتنبي يده على سر العلاقة بين الحب والموت، والتي صار يُعبر عنها في العصر الحديث بالموت حبا حين قال "وعذلت أهل الحب حتى ذقته/ فعجبت كيف يموت من لا يعشق"، فالعشق من وجهة نظر مغالية هو مرض لا شفاء منه إلا بمعجزة.
وهو ما عبر عنه ابن الرومي بقوله "الحب داء عياء لا دواء له/ تضل فيه الأطباء التحاريرُ/ قد كنت أحسب أن العاشقين غلوا/ في وصفه فإذا في القوم تقصير”، غير أنه حسب وجهة نظر أخرى، يعالج نفسه بنفسه فهو الداء والدواء في الوقت نفسه “فايق يا هوا/ من كنا سوا/ والدمع سهرنا/ وصفولي الدوا/ تاري الدوا حبك وفتش عالدوا” حسب فيروز.
ذلك ما دفع العراقي عبدالجبار الدراجي إلى القول بمرارة لا تخلو من السخرية وهو يخاطب حكيمه "دكتور جرحي الأولي عوفه/ جرح الجديد عيونك تشوفه." وبطريقة جادة يقول السعودي محمد عبده "أنت الدوا يا روحي وأنت الحكيم."
وقد ينسى العاشق مرضه حين يلتقي حبيبته كما يقول كاظم الساهر “نسيت دائي حين جاء دوائي” وقد يشعر العاشق باليأس حين تحل القطيعة وهو ما تلخصه المصرية شيرين “أنا مبقتش محتاجة أداوي جرح دست عليه."
وفي عودة إلى المعادلة الأصلية يردد محمد عبدالوهاب “أنت أنت ولا انتش داري/ أنت أنت نعيمي وناري” وفيها يقول “أنت النار اللي محوطاني واللي رضيت بنصيبي فيها/ خايف أقول النار كاوياني لحسن حتى ما اطولشك فيها” فالعاشق يعرف أنه صار بعد الحب غير ما كان عليه قبله، وهو ما تؤكده أم كلثوم بسلاسة وخفة وعمق "إزاي يا حبيبي إزاي قبل محبك كنت كنت إزاي يا حبيبي/ كنت ولا مبارح فاكراه/ ولا عندي بكرة استناه/ ولا حاسه يومي عايشاه" لا زمن قبل الحب.
للحب زمنه الخاص الذي يضع الماضي والحاضر والمستقبل في سلة واحدة.
وليس من اليسير التكهن بالأسباب الحرجة التي دفعت ملحنا كبيرا مثل بليغ حمدي إلى كتابة كلمات واحدة من أجمل أغاني الحب في التاريخ المعاصر وهي الأغنية التي غنتها ميادة حناوي “أنا بعشقك/ أنا كلي لك/ أنا عمري لك/ يا من ملك روحي بهواه الأمر لك/ طول الحياة الماضي لك وبكرة لك وبعدو لك/ أنا في سهادي وفي منامي بندهك/ وبسألك بتحبني وإلا الهوا عمرو ما زارك وإلا انكتب على القلب نارك/ قول يا ملك" وليس صعبا والحالة هذه أن نصدق ما قالته عفيفة إسكندر في ستينات القرن الماضي "حرقت الروح لمن فاركتهم/ بكيت ومن دموعي غرقتهم/ أشقال القلب لمن ودعتهم."