النأي بالنفس عنوان تعاطي سلطات إقليم كردستان العراق مع الأحداث في سوريا

دعوة إلى فصل الخلافات السياسية الداخلية عن الموقف من الأحداث الإقليمية.
الخميس 2024/12/12
معالم الطريق الآمن بين المنعطفات الإقليمية الحادّة

الترابط الكبير بين الأوضاع في العراق وسوريا ووجود تأثيرات سياسية وأمنية متبادلة بين البلدين يدفعان القيادة السياسية لإقليم كردستان العراق إلى التزام الحذر والدقة في التعامل مع التقلبات السورية العاصفة وصياغة مواقف متوازنة منها تراعي مختلف المواقف المتناقضة للأطراف ذات الصلة بالملف السوري والتي تجمع الإقليم بها روابط مفروضة بحكم الواقع والمصلحة المشتركة.

أربيل (كردستان العراق) - تراقب سلطات إقليم كردستان العراق بحذر تطورات الأحداث في سوريا وتحرص على صياغة مواقف متوازنة منها تراعي مواقف جميع الأطراف التي لها صلة بما يجري في  البلد المجاور من جهة، وتجمعها بالإقليم مصالح حيوية تتوجّب حمايتها والحفاظ عليها من جهة مقابلة.

وتطرّق اجتماع لمجلس وزراء الإقليم انعقد، الأربعاء في أربيل، برئاسة مسرور بارزاني ضمن أشغاله لـ”التغييرات المتسارعة التي تحدث في المنطقة”، ووجه بارزاني خلاله الدعوة إلى الجميع ليكونوا “متحدين بمواجهة المخاطر المحدقة بإقليم كردستان،” مشدّدا على ضرورة عزل الخلافات السياسية الداخلية عن القضايا الإقليمية لتجنّب تأثيراتها على الإقليم. وقال بحسب المتحدث باسم حكومة الإقليم بيشوا هوراماني “إذا لم نتفق على القضايا الداخلية، فلا ينبغي أن نتأثر بأحداث منطقتنا، ويجب أن نكون مستعدين ومتحدين.”

ويوفّر انتهاج سياسة النأي بالنفس عما يجري في سوريا للقيادة السياسية في كردستان العراق وصفة يمكن من خلالها تجنّب استثارة الأحزاب والفصائل الشيعية المتحكمة بشكل رئيسي في زمام الدولة الاتّحادية والتي تجمعها علاقات وثيقة بإيران وحلفائها في المنطقة بما في ذلك النظام السوري الذي سقط قبل أيام وحلّ محلّه نظام جديد تقوده قوى إسلامية سنيّة على خلاف إيديولوجي وسياسي كبير مع الأحزاب والفصائل العراقية.

ولا تخلو علاقة سلطات كردستان العراق مع القوى الشيعية القائدة للسلطة الاتّحادية العراقية من خلافات ومشاكل، لكن الإبقاء على تلك الخلافات في حدود معيّنة وتجنّب إدخال المزيد من التعقيدات عليها، يظل موضع اهتمام كبار قادة ومسؤولي الإقليم حفاظا المصالح الحيوية والارتباطات الوثيقة مع بغداد.

وأحدث السقوط المفاجئ لنظام آل الأسد في سوريا ما يشبه الزلزال في صفوف حلفاء إيران في المنطقة بمن فيهم حلفاؤها العراقيون المستنفرون خوفا من شمولهم بتداعيات الأحداث السورية. وعلى هذه الخلفية تجنّبت قيادة الإقليم إصدار المواقف الحماسية إزاء التغيير السياسي في سوريا وركّزت على الدعوة إلى الحوار بين مختلف الأطراف السورية وتجنّب إثارة النعرات الطائفية والعرقية خلال الفترة الانتقالية الدقيقة في البلد.

◙ التوازن بين عدم استثارة حلفاء إيران في العراق والحفاظ على العلاقة مع تركيا والتزام الموقف المبدئي المتضامن مع أكراد سوريا

ورسم مسعود بارزني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الخطوط العريضة لموقفٍ من الوضع المستجدّ في سوريا يعتمد على الحذر وعدم التسرّع في إصدار آراء حدية وملزمة من شأنها أن تجعل إقليم كردستان يصطف بشكل مجاني إلى جانب هذا الطرف أو ذاك. وعبّر المرجع الكردي والسياسي المخضرم عن أمله بفي أن تؤدي التطورات الأخيرة التي حدثت بسوريا الى اعتماد الحوار والتفاهم أساسا في حل الخلافات بين الأطراف المتصارعة في تلك البلاد.

وقال في بيان أصدره في وقت سابق “نتابع باهتمام كبير الأحداث والتغيّرات الأخيرة الجارية في سوريا، لما لهذه التطورات والأحداث من تأثير مباشر على المستقبل السياسي وأمن واستقرار سوريا ومنطقتنا بأكملها.”

وأضاف “نأمل أن تؤدي هذه المستجدات والتغييرات السورية إلى اتخاذ الحوار والتفاهم أساسا لحل القضايا الخلافية، وألّا يُمارس أي سلوك ينتج عنه تعميق الخلافات القومية والطائفية بين مكونات سوريا.” وتابع قوله “كما نتطلع إلى أن تتوصل الأطراف المعنيّة من خلال الوسائل السلمية لاتفاق يصب في مصلحة جميع مكونات سوريا وتحقيق التعايش والسلام والاستقرار.”

وحذت رئاسة الإقليم بقيادة نيجيرفان بارزاني حذو رئيس الحزب الديمقراطي وأصدرت بيانا دعت فيه جميع الأطراف في سوريا إلى تبني لغة الحوار والحل السلمي بما يضمن العدالة والمساواة لجميع مكونات سوريا، بما في ذلك الشعب الكردي.

ومما ورد في البيان “يؤكد إقليم كردستان في إطار العراق التزامه بالحفاظ على علاقات متوازنة والعمل على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لضمان استقرار سوريا، ويرفض أي صراع يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة.” ودعت الرئاسة أيضا المجتمع الدولي ودول المنطقة للاضطلاع بدورها في إيجاد حل سلمي، مؤكدة دعمها تطلعات الشعب السوري في السلام والحرية.

ويزيد من دقّة موقف إقليم كردستان العراق إزاء الأحداث السورية وجود صلات قومية له بطرف رئيسي في الصراع السوري ويتعلّق الأمر بأكراد سوريا أو من يعبّر عنهم محليا بأكراد غرب كردستان والذين عارض بعضهم النظام السوري السابق وتحالف مع الولايات المتّحدة ودخل في نفس الوقت بمواجهة مع تركيا.

ويسيطر على منطقة منبج في شمال شرق محافظة حلب مجلس منبج العسكري الذي يضم مقاتلين محليين يعملون تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد المناوئون لتركيا عمودها الفقري وتدعمها واشنطن. وإثر سقوط نظام الأسد شنّت فصائل سورية موالية لأنقرة هجوما على المدينة وخاضت معارك ضارية مع مقاتلي مجلس منبج العسكري. واسفرت ثلاثة أيام من الاشتباكات عن مقتل العشرات من الطرفين.

ومنبج هي ثاني منطقة سورية بعد تل رفعت الواقعة شمال مدينة حلب تنشط فيها قوات سوريا الديمقراطية. وقد شكلت المنطقتان منذ سنوات هدفا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لطالما لوّح بشن عمليات عسكرية لإبعاد المقاتلين الأكراد الذين تعدهم تركيا إرهابيين عن حدود بلاده.

ولا تريد سلطات كردستان العراق الخروج عن موقفها المبدئي المتضامن مع أبناء قوميتها في المنطقة، ولا ترغب في الوقت ذاته في أن يتحوّل ذلك التضامن إلى تهديد للعلاقة الحيوية والتعاون الاقتصادي والأمني مع تركيا والذي شهد خلال السنوات الأخيرة تطورات لافتة. لكنّ طرفا أساسيا في المعادلة السياسية بإقليم كردستان لم يلتزم دائما بهذا الموقف ودخل بسبب ذلك في مناكفات حادّة مع حكومة الرئيس التركي أردوغان.

ويتعلّق الأمر بالاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل جلال طالباني الذي أقام علاقات وثيقة مع القيادات الكردية السورية المناوئة لأنقرة ما جعله عرضة لاتهامات من قبل الأخيرة باحتضان الإرهاب وراعيته وهدفا لتهديدات تركية باستخدام القوّة ضدّ حزبه ومناطق نفوذه في كردستان العراق.

ومن هذه الزاوية بدا طلباني مهتما بالتطورات الجارية في سوريا، وأصدر بيانا بشأنها قال فيه “راقبنا خلال الأيام الماضية بدقة الأحداث والمستجدات في سوريا وغربي كردستان، وننظر بأهمية إلى تلك المتغيرات وتأثيراتها.” وأضاف رئيس الاتّحاد في بيانه “نحن نحترم إرادة الشعب السوري والقرارات التي تتخذ حول مستقبل البلاد بشكل كامل، لكن في إطار حماية حقوق جميع المكونات والقوميات مع مراعاة الواقع السياسي في ذلك البلد، ونرجو أخذ هذه الفرصة بنظر الاعتبار لخلق مرحلة جديدة من الحكم والعدالة بسياسة وطنية مشتركة ضمن مستقبل مستقر لشعبه.”

كما جدّد طالباني دعمه لأكراد سوريا قائلا في ذات البيان “في هذا الوضع الحساس نؤكد دعمنا الكامل لأخواتنا وإخواننا في غربي كردستان وأتمنى من الجميع دعمهم بصوت واحد وبخطاب وطني، ومواجهة المخاطر التي تهدد حياتهم واستقرارهم،” ومشدّدا على ضرورة “مراعاة وحماية حقوق الشعب الكردي متمنين من الجميع اتخاذ قرارات صحيحة وعقلانية وحماية السلام والتعايش في المنطقة، لأنه وكما قلنا سابقاً لن يتحقق أي سلام في الشرق الأوسط دون معالجة القضية الكردية.”

3