تونس أمام خطر عودة الجاهدين من سوريا بعد الإطاحة بالأسد

تونس – أثارت الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد وما رافقه من إطلاق سراح المعتقلين في عدة سجون مخاوف في تونس من مغبة عودة عشرات الجهاديين الذين قاتلوا بصفوف التنظيمات المتشددة في سوريا خلال الأعوام الأخيرة، سواء منهم من وقع في قبضة النظام أو الذين علقوا في المدن والمحافظات التي كانت تخضع لسيطرة قوى المعارضة بمختلف تشكيلاتها.
وفي هذا السياق، حذر مرصد تونسي السلطات من عودة محتملة لمقاتلين تونسيين متطرفين من سوريا عقب الإفراج عن آلاف المساجين بعد الإطاحة بالرئيس الأسد.
وقال منير الشرفي مدير المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة (منظمة غير حكومية) في بيان نشره الثلاثاء عبر حسابه على فيسبوك إن الوضع الذي تردت فيه المنطقة لا يخلو من أخطار على تونس.
وجاء في البيان إنه "يحذر من العودة الكثيفة للتونسيين الذين يعدون بالآلاف والذين تم تسفيرهم من تونس بطرق مختلفة إلى سوريا، بمساندة الإسلاميين المتطرفين التونسيين الذين كانوا في السلطة، للالتحاق بالمعارضة الإخوانية السورية للـ"جهاد".
ودعا المرصد السلطات إلى "تولّي الحذر الشديد من عودتهم إلى البلاد ورسم الخطط الحكيمة للتعاطي معهم، لا فقط لِما يُمثّلونه من تطرف ديني عنيف يُشكّل خطرا جسيما على الصبغة المدنية للدولة التونسية، وإنما أيضا لما يُمكن أن يكونوا مُكلّفين به من قبل أطراف استعمارية مُتسلّطة".
ولا توجد معلومات مؤكدة حتى الآن عن خروج سجناء تونسيين من السجون السورية ولا عن أعدادهم.
وكان رئيس الحكومة التونسية الأسبق يوسف الشاهد قد صرح لوكالة الأنباء الألمانية في مقابلة عام 2017 بأن أعداد التونسيين الذين شاركوا في القتال في سوريا يقدر بنحو ثلاثة آلاف.
وقدرت مصادر أمنية ورسمية في السنوات الماضية أن نحو 6000 تونسي توجهوا إلى سوريا والعراق في العقد الماضي للانضمام إلى الجماعات الجهادية، ومنها تنظيم الدولة الإسلامية. وقُتل الكثيرون هناك بينما فر آخرون إلى بلدان أخرى وعاد البعض الآخر إلى تونس.
واتهمت الأحزاب العلمانية في تونس حركة النهضة بالتساهل مع إسلاميين متشددين أثناء فترة حكمها بعد الثورة وحث الشبان في المساجد والاجتماعات الخاصة على الجهاد في سوريا، وهو أمر تنفيه الحركة باستمرار.
وتحدثت تقارير أمنية لاحقا عن عودة المئات إلى تونس وإيداع عدد منهم السجون فيما جرى إخضاع آخرين إلى الرقابة الإدارية والأمنية وإجراءات المنع من السفر.
ولم تعلق السلطات في تونس رسميا على المخاوف من احتمال عودة المقاتلين التونسيين، إلا أن قوى داعمة للحكومة أكدت أن الأجهزة الأمنية والقضائية "ستكون بالمرصاد" لأي خطر يمكن أن يشكله "تحرير" المتشددين من السجون السورية وعودتهم إلى تونس.
وقال المحامي أحمد الركروكي، القيادي في مسار 25 يوليو المؤيد للسلطة، في تصريح إعلامي "الدولة التونسية جاهزة ولا تخاف، فمن عاد عن طريق مطاراتها سيتم التحقيق معه والتأكد مما إذا كان متورطا في جرائم إرهابية، وسيتولى القضاء أمره في إطار محاكمة عادلة، أما من قدم متسللا عبر الحدود حاملا سلاحه، فسيُواجه بسلاح الدولة".
ويعزوا مراقبون عدم توفر بيانات واضحة حول هويات وأعداد المقاتلين التونسيين المتشددين في سوريا، إلى قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا الذي اتخذه الرئيس المؤقت الأسبق منصف المرزوقي في فبراير 2012، وما تبع ذلك من توقف للتعاون الأمني وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلدين.
وحتى بعد إعادة الرئيس قيس سعيد للعلاقة بين تونس وسوريا منذ بداية العام الماضي، فإن ذلك لم يثمر عن تسليم سوريا لتونس بعض المتشددين المطلوبين المحبوسين في سجونها، ولا تسليم قاعدة بيانات بهذا الشأن، حسب مقربين من السلطة.
في سبتمبر 2022، أمرت النيابة العمومية في تونس بفتح تحقيق في قضية "تسفير" التونسيين للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية في الخارج.
وشملت التحقيقات في هذه القضية، نحو 100 شخصية سياسية وأمنية، على رأسهم القيادي في حركة النهضة الإسلامية علي العريض، الذي كان وزيرا للداخلية بين عامي 2011 و2012، قبل تكليفه برئاسة الحكومة حتى 2014، في ذروة فترة التحاق مئات التونسيين المتشددين للقتال في الخارج.
وتم اعتقال العريض وأصدر القضاء أمرا بسجنه على ذمة التحقيق في قضية "تسفير الجهاديين" إلى الخارج، في ديسمبر 2022.
كما شملت التحقيقات في قضية تسفير المقاتلين، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي المعتقل على ذمة قضايا عدة منذ أبريل من العام الماضي، إلى جانب رئيس جهاز المخابرات الأسبق الأزهر لونغو، وعدد من القيادات الأمنية التي عملت طوال الأعوام التي قاد فيها الحركة الإسلامية الحكم في البلاد.
ويجرم قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الصادر عام 2015، الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج، وارتكاب جرائم تصنف إرهابية.
وينص الفصل التاسع من هذا القانون على عقوبات تتراوح بين 20 عاما والسجن مدى الحياة والإعدام، لكل من ينتمي إلى تنظيم إرهابي ويرتكب جرائم إرهابية.
ويشمل التجريم في هذا القانون، كل من ينتمي أو يبايع أو يحمل راية التنظيمات الإرهابية، وكل من يقدم لها المساعدة والعون المادي والمعنوي، بما في ذلك تسفير المقاتلين .
وفي عام 2017، قضت محكمة تونسية بالسجن 20 سنة على أحد العائدين من سوريا بعد أن ثبت انتمائه لتنظيم داعش.