سوريا "الجديدة" تواجه معضلة مضاعفة بعودة الملايين من اللاجئين

تحذيرات أممية من الاستعجال في العودة في ظل الضبابية القائمة.
الثلاثاء 2024/12/10
عودة غير منتظرة

تواجه سوريا الجديدة تحديات كبيرة على الصعيدين الأمني والاقتصادي، في غياب آلية للحكم وإدارة المرحلة، ويزداد الوضع تعقيدا مع مسارعة العديد من الدول المحتضنة للاجئين السوريين إلى التخلص من هذا العبء.

دمشق - بمجرد طي صفحة حكم الرئيس بشار الأسد سارعت العديد من الدول الأوروبية إلى تجميد إجراءات طلب لجوء السوريين، فيما فتحت تركيا معابرها لعودة أكثر من ثلاثة ملايين منهم، الأمر الذي من شأنه أن يشكل عبئا أمنيا واقتصاديا ثقيلا على القيادة الجديدة في سوريا.

ولم يستغرق الأمر 48 ساعة حتى قررت حكومات في كل من ألمانيا والنمسا والسويد والدنمارك والنرويج وبلجيكا تعليق طلبات اللجوء للسوريين، إضافة إلى بريطانيا. وتنوي الحكومة الفرنسية أن تحذو حذوها.

ويرى محللون أن قرار الدول الأوروبية كما تركيا لا يخلو من استعجال، خصوصا وأن المشهد السوري لا يزال ضبابيا حتى الآن، وأن المخاطر لا تزال عالية في غياب آلية حكم في البلاد.

ويشير المحللون إلى أن هناك رغبة عارمة لدى تلك الدول في التخلص من عبء السوريين، بغض النظر عمّا يمكن أن يحدث في سوريا.

وأدت الحرب الأهلية التي عاشتها سوريا على مدى أكثر من ثلاثة عشر عاما وانتهت برحيل الأسد الأحد، إلى دمار كبير في البنية التحتية وانهيار اقتصادي ومالي، جراء العقوبات التي فرضت على دمشق والتي لا تزال حتى الآن سارية وبينها قانون قيصر.

تسعون في المئة من السكان في سوريا حاليا يعوّلون على المساعدات الإنسانية مع حلول فصل الشتاء

وتحتاج القيادة الجديدة في سوريا إلى أموال ضخمة لإعادة البناء مجددا، لكن الأمر لا يخلو من تحديات حيث على هذه القيادة أن تبرهن للمجتمع الدولي بأنها أهل للمسؤولية، وهذا أمر سيحتاج وقتا للتقييم.

ويقول المحللون هذا على افتراض أنه لن تحصل انتكاسة أمنية جديدة، كأن يحصل صدام بين القوى المتنافسة على الأرض.

ودعت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة الاثنين إلى إظهار “الصبر واليقظة” في شأن قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد إسقاط الأسد.

وقال المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان إن “المفوضية تنصح بإبقاء التركيز على قضية العودة” وتأمل أن تسمح التطورات على الأرض بـ”عمليات عودة طوعية وآمنة ودائمة، مع لاجئين قادرين على اتخاذ قرارات واضحة.”

وأضاف غراندي “نحن نراقب التطورات، وسنبدأ التواصل مع مجتمعات اللاجئين وندعم الدول في كل عودة طوعية منظمة،” مشيرا إلى أن الوضع الميداني لا يزال غير واضح بعد مرور أقل من 48 ساعة على دخول قوات الفصائل المعارضة دمشق وفرار الأسد.

وشدد المسؤول الأممي على ضرورة “ألا ننسى أن الاحتياجات في سوريا تبقى هائلة” في ظل الدمار الذي أصاب البلاد جراء النزاع المتواصل منذ عام 2011، مذكرا بأن تسعين في المئة من سكان سوريا حاليا يعوّلون على المساعدات الإنسانية مع اقتراب حلول الشتاء.

المفوضية العليا لشؤون اللاجئين دعت إلى إظهار "الصبر واليقظة" في شأن قضية عودة اللاجئين السوريين

وذكّر غراندي كذلك الأطراف “الداعمين بالحرص على أن تتوافر للمفوضية السامية للاجئين وشركائها، الموارد الضرورية للتدخل سريعا وبشكل فاعل خصوصا في الدول المجاورة التي ما زالت تستضيف ملايين اللاجئين.”

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعرب مساء الاثنين عن أمله في أن تتزايد عمليات العودة الطوعية للسوريين إلى بلادهم، قائلا إنه سيجري فتح معبر يايلا داغي الحدودي أيضا لتجنب حدوث اكتظاظ على المعابر الأخرى.

من جهتها أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، تعليق البت بطلبات اللجوء للسوريين.

وتستقبل ألمانيا ما يناهز مليون سوري، وهو العدد الأكبر من السوريين في إحدى دول الاتحاد الأوروبي. ووصل معظمهم خلال العامين 2015 و2016 في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.

وقالت فيزر الاثنين إن “نهاية الاستبداد الوحشي للدكتاتور السوري الأسد هي مصدر ارتياح لكثيرين تعرضوا للتعذيب والقتل والإرهاب.”

وأضافت في بيان “العديد من اللاجئين الذين وجدوا الحماية في ألمانيا، يحدوهم الأمل بالعودة إلى وطنهم الأم سوريا وإعادة بناء بلادهم،” لكنها حذرت من أن الوضع ما زال “غير واضح.”

وأعلنت وزارة الداخلية النمساوية في بيان أن المستشار المحافظ كارل نيهامر أصدر تعليماته الاثنين للوزارة “بتعليق كل طلبات اللجوء السورية المفتوحة ومراجعة” كل الحالات التي منحت حق اللجوء.

منظمة العفو الدولية انتقدت "الإشارة الخاطئة تماما" التي بعثت بها برلين بتجميد درس طلبات اللجوء

وقال وزير الداخلية غيرهارد كارنر إنه “أصدر تعليمات للوزارة بإعداد برنامج ترحيل منظم إلى سوريا.”

وأشارت الوزارة إلى أن “الوضع السياسي في سوريا تغير جذريا، مع تسارع مفاجئ للأحداث في الأيام الأخيرة،” مضيفة أنها “تتابع الوضع الجديد حاليا.”

ويعيش حوالي 100 ألف سوري في النمسا، في ما يشكّل إحدى أكبر مجموعات اللاجئين في أوروبا، وينتظر الآلاف الموافقة على طلبات اللجوء التي قدّموها.

وسيتم أيضا تعليق طلبات لمّ شمل الأسرة الذي يسمح للسوريين في النمسا بإحضار أقاربهم إلى البلاد. وحوالي 7300 سوري تقدموا بطلبات لجوء و”سيتأثرون” بالقرار الجديد.

كما أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن لندن علقت “مؤقتا” درس طلبات اللجوء للسوريين “إلى أن يتسنى تقييم الوضع الحالي” بعد سقوط الرئيس السوري.

ورغم أن نوايا مقاتلي المعارضة الذين أطاحوا بشار الأسد لا تزال غير واضحة، كتبت صحيفة “شتوتغارتر تسايتونغ” أن على الاتحاد الأوروبي “دعم الحكومة الجديدة في دمشق من خلال تمويل إعادة الإعمار وتنظيم العودة المنظمة للاجئين.”

وذكرت الصحيفة أن مثل هذا الخيار “قد يساهم في إبطاء أو وقف صعود الشعبويين من اليمين.”

ودعا رئيس مجتمعات البلديات الألمانية أخيم بروتل إلى تشديد الرقابة على الحدود لمنع أنصار النظام القديم من اللجوء إلى ألمانيا، وبالتالي التمكن من “لقاء عائلات ضحاياهم.”

وانتقدت منظمة العفو الدولية “الإشارة الخاطئة تماما” التي بعثت بها برلين بتجميد درس طلبات اللجوء وتتعلق بحسب المنظمة غير الحكومية “بحوالي 50 ألف شخص.”

وكتبت المنظمة أن إعادة تقييم الوضع في دمشق “لا ينبغي أن يدفع ثمنه أولئك الذين يحاولون منذ سنوات بناء حياة جديدة.”

وردا على سؤال لفرانس برس في محل الحلويات الذي يعمل فيه في برلين، قال محمود زمل إن “جميع السوريين يريدون العودة لإعادة بناء” البلاد.

وأضاف اللاجئ البالغ 25 عاما “لكن عليهم الانتظار قليلا” للتحقق من أن البلاد “آمنة 100 في المئة.”

 

اقرأ أيضا:

         • أبومحمد الجولاني يكلف محمد البشير بتشكيل حكومة انتقالية في سوريا

         • الإعلام السوري يدعو إلى فتح صفحة جديدة بعد نشر الأخبار الكاذبة بتعليمات رسمية

         • أربع أولويات رئيسية تواجه القيادة الجديدة في سوريا

         • سقوط الأسد ضربة شديدة لإيران ومحورها

         • سوريا ما بعد الأسد وإشكالية الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط

         • أحمد الشرع رئيسًا لسوريا.. لمَ لا!

2