الإعلام السوري يدعو إلى فتح صفحة جديدة بعد نشر الأخبار الكاذبة بتعليمات رسمية

تحقيق صحفي بلجيكي يسلط الضوء على "الحرب الإلكترونية التضليلية" في سوريا منذ عام 2011.
الثلاثاء 2024/12/10
ضربة مدمرة

دمشق - كشفت صحيفة "الوطن" التي كانت مقربة من السلطة في سوريا أن ما نشرته على صفحاتها تضمن أخبارا كاذبة كما اتضح لها لاحقا وأنه كان بأوامر وتعليمات من السلطات، في محاولة لمصارحة السوريين وتبرئة ساحتها من الأجندة التي روجت لها.

وقال الصحيفة السورية الخاصة “نحن أمام صفحة جديدة لسوريا، نحمد الله على عدم إراقة المزيد من الدماء.. أعتقد وأصّدق أن سوريا ستكون لكل السوريين.”

وأضافت أن “الإعلام السوري والإعلاميين لا ذنب لهم؛ كانوا وكنا معهم ننفذ التعليمات فقط وننشر الأخبار التي يرسلونها لنا وسرعان ما تبينت الآن أنها كاذبة. ندعو السلامة للجميع.. حفظ الله سوريا وأهلها.. كل أهلها من كل المذاهب والطوائف.. نستحق بلداً جميلاً.”

وكانت وسائل الإعلام السورية والروسية أو الخاصة على قلتها تدور في فلك النظام، وقبل يوم واحد فقط من سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، كانت تهاجم وسائل الإعلام المعارضة وتقول إنها تبث أخبارا كاذبة في حين اتضح لاحقا أنها صحيحة.

وأفادت وكالة الأنباء السورية (سانا)، نقلا عن مصدر إعلامي، السبت الماضي بأنه “لا صحة لما تروجه بعض وسائل الإعلام الخارجية عن الوضع في دمشق وما صدر مؤخرًا من بيانات رسمية يكذب كل ما يروج ويشاع من قبل تلك الوسائل.”

وأضافت “السوريون خبروا جيدًا طيلة السنوات الماضية كذب ما ينسب إلى مصادر كانت من وحي خيال إعلام وظيفي،” غير أن ما اتضح لاحقا أظهر أن التضليل الإعلامي سلاح استخدمته كل الأطراف.

صحيفة "الوطن": الإعلام السوري والإعلاميون لا ذنب لهم؛ كانوا وكنا معهم ننفذ التعليمات فقط وننشر الأخبار التي يرسلونها

وسلط تحقيق صحفي بلجيكي الضوء على “الحرب الإلكترونية التضليلية” في سوريا منذ عام 2011، للتشكيك في جرائم الحرب التي ارتكبها الطرفان بحق السوريين.

وبحسب التحقيق الذي نشرته مجلة “إم. أو” البلجيكية فإن النظام السوري وروسيا أعلنا حربا إلكترونية منذ سنوات بهدف التشكيك في جرائم الحرب والمعارضة السورية، وأشار إلى نجاحها حيث تؤثر هذه المعلومات المضللة على الرأي العام تجاه سوريا.

وأعاد التحقيق التذكير باختراق نظام الأسد لوكالة رويترز في يوليو 2012، حيث تم اختراق حسابات رويترز ونشر معلومات مضللة حول الحرب في سوريا.

كما تم اختراق حساب الوكالة على تويتر (إكس حاليا) لنشر معلومات مضللة وخُدع صحافيون من رويترز ووسائل إعلام غربية أخرى بعد أن أفاد “دبلوماسي روسي” عبر تويتر بأن بشار الأسد قُتل في دمشق.

ولكن مع انزلاق الصراع في سوريا إلى حرب طويلة الأمد، فإن التقليل من شأن ذلك التضليل يعتبر استخفافاً خطيراً، حيث يتعمد التدفق المستمر للمعلومات المضللة أو المعلومات غير الصحيحة تضليل الناس، والاستمرار في الكذب يفوز، خاصة إذا أصبحت حملة التضليل تكتيكا متناميا.

النظام السوري وروسيا أعلنا حربا إلكترونية منذ سنوات بهدف التشكيك في جرائم الحرب والمعارضة السورية

وخلال الحروب تدفع الأطراف المتصارعة إلى التركيز على إبراز قوتها وعدالة قضيتها في وسائل الإعلام، وهذه السرديات تصنع نوعًا من “التأطير الإعلامي” الذي يركز على الدفاع والعدالة بدلًا من العدوان والدمار، وهذا ما حدث في العمليات الأخيرة في سوريا وخاصة “ردع العدوان” و”فجر الحرية”؛ حيث أثّرت هذه العمليات بشكل كبير على تغطية الإعلام سواء الدولي أو الإقليمي أو المحلي، هذا التأثير ظهر بوضوح في طريقة تغطية الأحداث، وانتقال التركيز الإعلامي من غزة ولبنان إلى سوريا.

وأظهرت التغطية الإعلامية للأحداث الأخيرة في سوريا، والتي بدأت في 27 نوفمبر الماضي، أن الإعلام تعامل مع الأحداث الأخيرة في سوريا بتغطية مكثفة ومواقف متباينة، مع تسليط الضوء على التقدم السريع لفصائل المعارضة المسلحة في شمال البلاد، خاصة إدلب وحلب وحماة، وركّزت قنوات إخبارية على الأثر الإنساني للتصعيد، حيث أطلقت الأمم المتحدة تحذيرات من عواقب كارثية على المدنيّين.

وانقسمت وسائل الإعلام الدولية بناءً على مصالح الدول التي تقف وراءها، مثلًا الإعلام الروسي والإيراني صوّر العمليات كنجاح في محاربة الإرهاب، وحماية استقرار المنطقة، والإعلام الغربي ركّز على انتهاكات حقوق الإنسان، والقصف العشوائي وتأثير العمليات على المدنيّين، مع تغطية أقل للبعد الأمني.

ونقلت بعض وسائل الإعلام العربية كل السرديات ما جعل التغطية متوازنة، وركزت على تداعيات هذه التطورات على المنطقة بشكل عام مشيرة إلى أن استمرار العنف يعقّد الأوضاع في المنطقة، ويؤثّر على الجهود الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار، وظهر الجانب الإنساني في التغطية، حيث اهتمّت وسائل إعلامية بنقل حجم الضرر الذي لحق بالمدنيّين بالإضافة إلى أعداد القتلى في صفوفهم.

التغطية الإعلامية للأحداث الأخيرة في سوريا أظهرت أن الإعلام تعامل مع الأحداث الأخيرة في سوريا بتغطية مكثفة ومواقف متباينة

وبشكل عام يلعب الإعلام دورًا مزدوجًا في نقل الأحداث، ويوجه إليها الرأي العام. وكلما كانت التغطية واضحة وشفافة ومتوازنة ولا تتأثر بالأجندات السياسية لكل جهة، كان تأثير الإعلام أكثر إيجابية، وهو ما يجعل الصورة النهائية موحّدة وغير مشتّتة.

وكرر الإعلام السوري خلال الفترة الماضية السرديات التي روج لها الإعلام الإيراني في المنطقة وجيوشه الإلكترونية، حيث قطعت إيران خطوات ملموسة في التأثير داخل سوريا خلال السنوات الأخيرة، وتغلغلت في مختلف القطاعات، كما لم تترك باباً إلا واستغلته لتعزيز وجودها بما يخدم مشروعها، ومن بين الأبواب منصات التواصل الاجتماعي؛ فقد بدأت تنشر عبرها دعايتها ونسقها الفكري، من خلال ما يُعرف بـ”أيديولوجيا النص والصورة”.

وتوجهت إيران نحو الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، وأسّست -بشكل مباشر أو غير مباشر- صفحات على فيسبوك وإكس (تويتر سابقا) وتلغرام وغيرها من المنصات، منها ما يختص بالجانب العسكري مثل صفحات الإعلام الحربي وصفحات الميليشيات؛ ويندرج ذلك في سياق دعم قوتها الصلبة، وأخرى تعليمية وثقافية ودعوية؛ لتكون جزءاً من ترسانة ثقافية كبيرة هدفها التأثير في المجتمعات المستهدفة.

كما لم تغفل الصفحات الاجتماعية الجانب الفني، وركزت على الترويج للأفلام والمسلسلات الإيرانية المدبلجة في دمشق وباللهجة السورية، ودعت إلى مشاهدتها، سواءٌ عبر الحضور في المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق، أو من خلال المتابعة على قناة “آي فيلم” الإيرانية التي افتتحتها طهران في دمشق لتكون بوابتها الدرامية في سوريا والعالم العربي وتركز على الأفلام التي تحكي قصص القادة والشخصيات الإيرانية البارزة، وتروي حياة المستشارين الإيرانيين في سوريا و”بطولاتهم”، كما في فيلمي “رحلة الشام” و”حبيب”، إلى جانب عرضها أعمالاً حول الحياة الاجتماعية في إيران.

ورغم أن الدراما الإيرانية إلى اليوم لم تلقَ اهتماما عربيّا أو سوريّا ولم تنتشر مقارنة بالدراما التركية والمصرية والسورية، إلا أن ذلك لا ينفي عنها صفة التأثير؛ إذ تُعد وسيلة فعّالة لتعزيز النفوذ ونقل القيم والتراث.

5