حرب نفسية على أشدها في سوريا وقودها الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل

الرئاسة السورية تنفي رسميا فيديو تنحي الأسد.
السبت 2024/12/07
ماذا سيحدث الآن

لم تتوقف عملية نشر الأخبار والصور المغلوطة على مواقع التواصل الاجتماعي السورية في الأيام القليلة الماضية خصوصا عقب التطورات العسكرية في البلاد، في حملة تضليل إعلامي مقصودة يقوم بها كل الأطراف بهدف التأثير النفسي.

دمشق - تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي حرب موازية للمعارك التي تجري في سوريا قوامها الشائعات والأخبار المضللة والفيديوهات المفبركة، في إطار حرب نفسية تزداد حدة مع تصاعد الأحداث في البلاد.

ومن بين المقاطع التي انتشرت فيديو يظهر فيه الرئيس بشار الأسد متحدثا عن “التنحي ونقل الصلاحيات إلى رئيس مجلس الشعب،” وعلى إثره علقت وزارة الإعلام السورية قائلة في بيان مقتضب “يرجى الانتباه والحذر من نشر التنظيمات الإرهابية لمقطع فيديو مفبرك باستخدام الذكاء الاصطناعي، يعلن عن تنحي السيد الرئيس بشار الأسد.”

وأشارت وكالة الأنباء السورية (سانا) إلى أن تلك الفيديوهات “تستهدف الدولة ومؤسساتها العليا ومسؤوليها، لخلق الفوضى والإرباك بين المواطنين.”

وخلال الساعات والأيام القليلة الماضية استمر تدفق الأخبار المتضاربة على الشبكات الاجتماعية بين المعلومة ونقيضها في منطقة وأخرى مع سيطرة الفصائل المعارضة المسلحة، الخميس، على مدينة حماة وسط البلاد، وذلك بعد سيطرة عناصرها على حلب، ثانية كبرى المدن السورية.

وتنتشر على المنصات الاجتماعية صور قديمة، أو مقاطع فيديو من دول أخرى، ومشاهد من أفلام وألعاب إلكترونية… وهي عينة بسيطة من “أخبار كاذبة” تستعصي على الحصر وتُنشر في إطار النزاع السوري، فيما أخذت مجموعة صغيرة من الناشطين الإعلاميين على عاتقها رصدها وتفكيكها.

ولم تتوقف عملية نشر أخبار وصور مغلوطة، في حملة تضليل إعلامي غالبا تكون مقصودة ويقوم بها كل الأطراف، مستفيدين من مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا حاسما في نقل الأخبار والصور لتسجيل نقاط في مواجهة الخصم.

وقرّر صحافيون إنشاء منصات إلكترونية مهمتها تدقيق سيل الأخبار الكاذبة الصادرة عن الفصائل المعارضة والنظام والموالين له.

ويعتمد العاملون في المنصات بشكل أساسي على رواد مواقع التواصل الاجتماعي. ويوضح أحد العاملين في منصة تدقيق أن “أي صورة أو خبر ينتشر على نطاق واسع نعتبره مادة للرصد ويجري التأكد من صحته.”

وتتنوع الأخبار التي صححتها المنصة، وتزداد وتيرة عملها عقب كل هجوم عسكري جديد في سوريا، إذ يزداد عدد الأخبار التي يتم تصحيحها يومياً.

صحافيون قرّروا إنشاء منصات إلكترونية مهمتها التدقيق في سيل الأخبار الكاذبة الصادرة عن الفصائل المعارضة والنظام

ويجري التأكد من الأخبار والصور وغيرها عبر عدة طرق، سواء من قبل مراسلين ومصادر ميدانية أو عبر بحث الصور العكسي على موقع غوغل، وقد يكون المتطوعون أنفسهم قد رأوا الصورة أو الفيديو في وقت سابق.

وللإسراع في رصد الأخبار الكاذبة أنشأت منصات على موقع فيسبوك صفحات لفسح المجال أمام كل من يرغب في التحري عن صحة خبر ما، أو حتى لفت النظر إلى معلومة خاطئة.

ويجد فريق المنصات غير المتفرغ صعوبة في التحقق من كل ما يتم نشره؛ حيث ينتشر الخبر الكاذب بسرعة أكبر من الخبر الصحيح، فكل من لديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي ولديه الكثير من المتابعين يتحول إلى محطة إخبارية.

ونشرت وزارة الدفاع السورية الجمعة بيانا ينفي انسحاب قواتها من حمص، مؤكدة أن “الجيش موجود في حمص وريفها. وجاء في البيان نقلا عن مصدر عسكري أن “لا صحة للأنباء الواردة على صفحات الإرهابيين حول انسحاب الجيش من حمص.”

وقالت صحيفة “الوطن” السورية إن الدولة السورية عملت على مواجهة الشائعات التي ظهرت حول سيطرة الفصائل المسلحة في البلاد على مدن ومناطق جديدة فيها. وبدأ الأمر عندما دعا رئيس مجلس الوزراء محمد الجلالي إلى عدم الإصغاء للشائعات والثقة بالحكومة التي تعمل كل ما بوسعها لتقديم الخدمات، في الوقت الذي أشار فيه موقع “روسيا اليوم” إلى وجود صفحات مزورة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم “رئاسة الجمهورية العربية السورية” وتقوم بنشر أخبار كاذبة، بالتزامن مع تطور الأحداث في سوريا حاليًا.

ويعتبر استخدام الشائعات كأداة لإضعاف الروح المعنوية للقوات المسلحة وتأليب الرأي العام تكتيكا قديما يعود إلى الحروب النفسية التي استخدمتها أطراف متعددة في النزاعات الإقليمية والدولية، والشائعات غالبًا ما تستهدف زعزعة الثقة بين الجنود وقيادتهم، وخلق حالة من الفوضى والانقسام الداخلي، ما يؤدي إلى تراجع المعنويات وفقدان القدرة على التماسك في مواجهة التحديات العسكرية.

وفي سوريا استخدمت الشائعات بشكل مكثف خلال سنوات النزاع لمصلحة الأطراف المختلفة واستهداف الخصوم، بما في ذلك الترويج لأخبار كاذبة عن الانشقاقات والاتهامات بالفساد، والهزائم العسكرية التي قد تثير القلق بين الجنود والمواطنين. وهذه الشائعات يتم تناقلها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومنصات التواصل الاجتماعي، لتقويض الدعم الشعبي والميداني للقوات العسكرية أو خصومها.

وأصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة السورية بيانًا تؤكد فيه على ضرورة عدم تصديق الشائعات التي يتم نشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وجاء البيان ردًا على “الحرب الإعلامية التي تشنها التنظيمات المسلحة، والتي تقوم بترويج أخبار كاذبة تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للجيش السوري مستغلة الأحداث الميدانية الأخيرة التي وقعت في مدينة حلب وتركيز بعض وسائل الإعلام العالمية والعربية على نقل جميع الأخبار بغض النظر عن صحتها.” وشددت القيادة العامة على أهمية متابعة الأخبار من خلال القنوات الوطنية والصفحات الرسمية لضمان الحصول على المعلومات الدقيقة والموثوقة.

وقالت في البيان إن “تلك التنظيمات عملت على بث كمية هائلة من الأخبار الكاذبة والشائعات التي تستهدف عددا من المدن السورية،” وأهابت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة “بأبناء الشعب السوري عدم الالتفات إلى تلك الصفحات أو تصديق الأخبار الواردة عليها في منصاتها الكاذبة.”

وكانت الحكومة السورية قد شددت العقوبات على ناشري الأخبار الكاذبة، حيث سنت السلطات تعديلات قانونية تنص على معاقبة مرتكبي هذه الجريمة بالسجن مدة تصل إلى ستة أشهر.

وأصدر الرئيس السوري بشار الأسد تعديلات على عدد من مواد قانون العقوبات نصّ أبرزها على أن يعاقب بالسجن لمدة ستة أشهر كل من ينشر أخباراً “كاذبة” من شأنها أن تنال من “هيبة الدولة”.

ونشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) نصّ القانون الذي جاء في إحدى مواده “كل سوري يذيع وهو على بيّنة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها يعاقب بالحبس ستة أشهر على الأقل.”

وكانت المادة قبل التعديل تنصّ على العقوبة ذاتها لكل سوري “يذيع في الخارج” الأنباء المذكورة.

وأضاف التعديل العقوبة ذاتها أي السجن لمدة ستة أشهر لـ”كل سوري يذيع أنباء من شأنها تحسين صورة دولة معادية للمساس بمكانة الدولة السورية،” وتضمّنت التعديلات إضافة بند ينص على أنه “يعاقب بالحبس سنة على الأقل كل سوري قام بكتابة خطاب يدعو فيه إلى اقتطاع جزء من الأرض السورية أو التنازل عنها.”

وأبقى القانون على معاقبة كل من “حاول أن يسلخ عن سيادة الدولة جزءا من الأراضي السورية.. بالاعتقال المؤقت” على أن تصل العقوبة إلى “الاعتقال المؤبد إذا لجأ الفاعل إلى العنف.”

5