صدى الانهيار الكبير لحزب الله

تتسم منطقة الشرق الأوسط بديناميكيات سياسية ودينية وأيديولوجية معقدة، وأي تغيير في البنية السياسية فيها ينعكس صداه في كل أرجاء العالم.
ومن بين هذه السيناريوهات، وقف إطلاق النار في لبنان بعد موافقة حزب الله على الانفصال عن جبهة غزة والانسحاب من الجنوب، والذي من شأنه أن يعيد تشكيل المنطقة بشكل عميق. فمن المرجح أن تكون التأثيرات المترتبة على ذلك عميقة. وقد يشير تراجع حزب الله إلى ضعف في المحور الإيراني، مما يشكل تحديا لتماسك وثقة الميليشيات المتحالفة معه في الدول المجاورة.
تأسس حزب الله بعد انشقاق حركة أمل عام 1982، وظهور حركة باسم “أمل الإسلامية” بدعم إيراني، ثم اندمجت مع تنظيمات متفرقة أخرى لتشكل حزب الله.
فأصبح في وقت لاحق مهيمنا على السياسة اللبنانية ولاعبا رئيسيا في الصراعات الإقليمية، بما في ذلك الحرب الأهلية السورية والمناوشات مع إسرائيل. وكان الحزب يتمتع بقوة عسكرية كبيرة ونفوذ سياسي واسع، مع شبكة خدمات اجتماعية، مما جعله أكثر من مجرد ميليشيا عسكرية تقليدية. إن الانهيار الكبير لحزب الله يمكن أن يعمل كتأثير الدومينو، حيث تتساقط الأحجار واحدة تلو الأخرى. وستتم إعادة رسم الإستراتيجيات العملياتية والسياسية لمجمل نشاط الميليشيات الولائية في المنطقة. وهذا من شأنه تقويض طموحات طهران لفرض قوتها من الخليج إلى البحر المتوسط.
في سوريا والعراق، لعبت الميليشيات الموالية لطهران مثل قوات الدفاع الوطني والحشد الشعبي دورا كبيرا في تعزيز نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا وحماية النظام في العراق. وقد تجد هذه الجماعات، “التي غالبا ما كانت تدعمها خبرة حزب الله”، نفسها مضطرة إلى إعادة الضبط في بيئة ما بعد حزب الله. وسيكون من عواقب انهيار حزب الله الآتي:
لن يؤثر إضعاف حزب الله اللبناني على سوريا والعراق فحسب، بل سيعطل أيضا إستراتيجية إيران التوسعية في المنطقة، ويشجع خصومها على اتخاذ إجراءات رادعة ستنهي نفوذها في سوريا ولبنان، ثم العراق في وقت لاحق
في نظر بعض المحللين السياسيين، فإن قيمة حزب الله تجلت إستراتيجيا بوجوده على الحدود مع إسرائيل، أما اليوم وبعد اتفاق وقف إطلاق النار، وتراجع الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني، لم يعد هناك تأثير واضح للحزب، لا على المستوى الأحادي ولا على مستوى ما يسمى “محور المقاومة”.
في ما يتعلق بالتأثير العملياتي في سوريا، فإن انسحاب حزب الله أو إضعافه من شأنه أن يقلل من تدفق المقاتلين ذوي الخبرة والأسلحة المتقدمة والتنسيق الإستراتيجي. وتواجه الميليشيات السورية ضغوطا أكبر من قِبَل قوات المعارضة المحلية أو الجهات الفاعلة الخارجية. وقد شهدت سوريا تطورا مفاجئا، بعد أن شنت فصائل المعارضة وعلى الأخص “هيئة تحرير الشام” الحركة الإسلامية المتشددة، مع فصائل حليفة لها الأسبوع الماضي، هجوما واسعا على مواقع لقوات الجيش السوري شمال وغرب البلاد. وسيمتد الصراع ليشمل كل نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة.
في غياب يد حزب الله التوجيهية، قد تسعى بعض الميليشيات الولائية إلى تأكيد قدر أعظم من الاستقلال. وهذا يؤدي إلى الانشقاق والتفتت مع تنافس الفصائل المختلفة على النفوذ والموارد.
لم يعد نفوذ إيران في سوريا فاعلا. وهذا قد يجبر طهران على تقليص تواجدها بشكل أكبر، مما سيجعل الميليشيات الولائية في وضع محفوف بالمخاطر، وستعمل على إعادة تموضعها في محاولة لتقليل المخاطر.
يتعرض العراق بصورة متزايدة للضغوط الخارجية، وبدون حزب الله كموجه رئيسي ستواجه الميليشيات العراقية عواقب وخيمة ستحد من نشاطاتها بشكل كبير.
لن يؤثر إضعاف حزب الله اللبناني على سوريا والعراق فحسب، بل سيعطل أيضا إستراتيجية إيران التوسعية في المنطقة، ويشجع خصومها على اتخاذ إجراءات رادعة ستنهي نفوذها في سوريا ولبنان، ثم العراق في وقت لاحق.
ليس هذا فقط، بل ثمة تحديات مستقبلية ستواجه الشرق الأوسط، وهناك دعوات إلى إعادة تنظيم الجغرافيا السياسية في المنطقة، خصوصا بعد تقدم المعارضة السورية باتجاه العاصمة دمشق.